مذكرة الى ايهود باراك وياسر عرفات: إذا كنتما تحبان قطار الملاهي الافعواني المثير، وافلام الرعب والغموض ذات النهايات المفاجئة والغريبة، فسوف تحبان قمة الشرق الاوسط في كامب ديفيد. ووفقا لآخر قمة عربية إسرائيلية عقدت هنا وهي التي كانت بين مصر وإسرائيل في ايلول/سبتمبر من عام 1978، فإن العزل المفروض على قادة الشرق الاوسط مع رئيس امريكي هناك يشكل صيغة لمسرحية يشوبها التوتر والنتيجة الغامضة. ففي عام 1978، استدعى الرئيس الامريكي آنذاك جيمي كارتر كلا من رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجين والرئيس المصري انور السادات الى كامب ديفيد، المنتجع الرئاسي الواقع غرب واشنطن، لعقد مؤتمر غير محدد المدة لتسوية القضايا التي كانت تقف حجر عثرة في طريق معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وبالمناسبة، محاولة وضع بعض القواعد الاساسية لحماية الفلسطينيين الذين لم تتم دعوتهم الى القمة. وكان بيجين، الذي تميزت فترة ولايته بالمقاومة العنيدة لأي اتفاقات طويلة الامد مع العرب، يرغب فقط في ابرام اتفاق ذي صياغة فضفاضة، على ان يقوم وزيرا الدفاع والخارجية في البلدين بسد الفراغات الموجودة في الاتفاق، أما كارتر والسادات فكانا يرغبان في وضع اطار عمل حاسم ومحدد مع ترك التفاصيل الصغيرة فقط لمعالجتها في وقت لاحق. ولتوضيح ما وصفه كارتر بعد ذلك بتكتيك الرجل المخالف فإن هذا التكتيك كان يقضي بضرورة ان ينصاع الزعيم الذي يقف بمفرده لرغبة الزعيمين الآخرين، وقد كان أمام كل من بيجين والسادات خيار الانسحاب من القمة، إلا ان الشخص المنسحب كان عليه حينئذ تحمل عبء ومسؤولية التسبب في انهيار عملية السلام. ومن المميزات الاخرى للقمة التي عقدت في المبنى الرئاسي الخاضع للحراسة المحكمة والواقع في جبال كاتوكتان بغرب ولاية ميريلاند، ان عزلته وتخومه المحكمة منحت جميع الاطراف احساسا بالالفة وعدم الكلفة. ومع ذلك فقد كان ايضا سلاحا ذوا حدين في بعض الاحيان، وقد وصف كارتر في وقت لاحق الايام الثلاثة عشر التي استغرقتها القمة بأنها واحدة من اسوأ التجارب في حياتي ، ولم يتحدث بيجين والسادات برغم قربهما المكاني مع بعضهما البعض طوال الايام العشرة الاولى من القمة، وفي اليوم الحادي عشر التقيا وتحادثا، وكان السادات منزعجا ومغتاظا من تصرفات وسلوك بيجين لدرجة انه طلب من طاقم طائرته الهليكوبتر ان يعيده الى واشنطن على الفور واقنعه كارتر بالبقاء. وكان المؤتمر خاضعا لحراسة محكمة ولم يسمح للصحفيين بالدخول، وان اتيح لهم حضور مؤتمرين صحفيين خاليين من المعلومات يوميا، في مدينة مجاورة, وكانت الفكرة تدور حول ابقاء المشاركين بعيدا عن تعقيد المفاوضات الصعبة بالفعل وذلك من خلال اللعب على وتيرة الاوضاع الداخلية في بلادهم، وقد نجح ذلك الى حد كبير وان كان بيجين قد قال في مرحلة ما لوزير الخارجية الامريكي آنذاك سايروس فانس لقد بدأت الاحساس بأننا في مكان شبيه بمعسكرات الاعتقال النازية . وفي اليوم الثالث عشر ومع الملل والضجر الذي اصاب الطرفين الى درجة الغضب الشديد والتصايح في بعضهما البعض، قام كارتر بوضع اتفاق اطاري أمام الطرفين، من شأنه ان يضع الاساس لمفاوضات اخرى تستمر ستة اشهر، على ان تعد تلك المحادثات لتفاصيل معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل, وقال كارتر في وقت لاحق لم يكن لدينا اي فكرة الى اي مدى سنصل بعد ذلك . وكادت المفاوضات المكثفة التي اعقبت قمة عام 1978، ان تنهار في مرات عديدة، وقد وصف مستشار كارتر للامن القومي آنذاك زبجنيو بريزينسكي وزير خارجية إسرائيل بالمخادع موشي ديان وذلك لأن ديان استمر في بناء المستوطنات برغم الاتفاق في كامب ديفيد على وقف النشاط الاستيطاني طوال امد المفاوضات . وفي النهاية تم توقيع معاهدة سلام في واشنطن في شهر اذار/مارس من عام 1979، وكانت وثيقة السلام غير كاملة حيث ادت الى سلام بارد إلا انها كانت مؤثرة في الحيلولة دون نشوب حرب عربية إسرائيلية أخرى. لقد كانت هذه هي قمة كامب ديفيد التي فتحت الطريق، ويقامر بها الرئيس الامريكي الحالي بيل كلنتون مرة ثانية.