بينما يواجه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو المزيد من الضغوط الاميركية لاخراج المفاوضات مع الفلسطينيين من استعصائها الراهن، يبدو ان موقف الرئيس ياسر عرفات في واشنطن اصبح في وضع افضل كثيراً مما كان عليه في الماضي. ونسبت صحيفة "واشنطن بوست" الى احد مساعدي عرفات قوله ان الرئيس الفلسطيني "في مزاج ممتاز بعدما اصبحت اميركا حليفة له في وجه اسرائيل". ومع ان هذا الوصف ربما ينطوي على بعض المبالغة فإن من الواضح ان كلاً من عرفات والادارة الاميركية يدركان ان في وسعهما الاستفادة من تأجيل القمة الثلاثية المقترحة التي كان ينبغي ان تعقد في واشنطن في الحادي عشر من الشهر الجاري، لولا غياب نتانياهو. ولكن نتانياهو يستطيع في الوقت ذاته ان يدعي ايضاً انه حقق نصراً مهماً لأنه فرض قضية امن اسرائيل على كل من السلطة الوطنية الفلسطينية والادارة الاميركية قبل ان يستجيب للخطة الاميركية التي تطالب بسحب القوات الاسرائيلية من نسبة 13 في المئة من اراضي الضفة الغربية. وابلغ مصدر على اطلاع على محادثات دنيس روس المنسق الاميركي لعملية السلام في اسرائيل اخيراً "الوسط" ان المبعوث الاميركي طالب اسرائيل بوجوب السماح بفتح مطار غزة في الشهر المقبل. كذلك صدر تأييد قوي غير متوقع للموقف الفلسطيني من سيدة اميركا الاولى هيلاري كلينتون التي أعلنت تأييدها لقيام دولة فلسطينية. ويرى المراقبون ان تصريح هيلاري كلينتون لم يكن عفوياً وانما مقصوداً. والسؤال الذي يتردد الآن في العاصمة الاميركية هو: الى اي مدى يمكن لرئيس الوزراء الاسرائيلي ان يماطل ويراوغ قبل الاتفاق على موعد محدد للقمة الثلاثية في واشنطن؟ واللافت ان اللوبي الاسرائيلي شرع في بذل جهود مستميتة لتجنيد التأييد في الكونغرس للموقف الاسرائيلي الراهن، مما يعني انه لم يكن هناك مفرّ من تأجيل القمة المقترحة. وذكر مصدر في وزارة الخارجية الأميركية لپ"الوسط" ان الاهمية الحقيقية لرفض الجناح اليميني في اسرائيل للاقتراح الاميركي الاخير اي اعادة الانتشار من نسبة 1.13 في المئة من اراضي الضفة الغربية لا تكمن في الاعتبار الأمني وحده وانما في المضاعفات التي ستترتب على ذلك الانسحاب، اي احتمال اخلاء حوالي عشرين مستوطنة من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية التي يزيد عددها على مئة وخمسين مستوطنة. وفي معرض تعليق سياسيين مخضرمين على سير المحادثات الاسرائيلية - الفلسطينية الاخيرة وانتقالها من غزة الى لندن ثم واشنطن بوساطة بريطانية واميركية، يرى اولئك السياسيون ان هذا النمط من المحادثات يختلف كلياً عن النمط الذي سارت عليه محادثات كامب ديفيد العام 1978 بين اسرائيل ومصر برعاية الولاياتالمتحدة، حين ركز الرئيس الاميركي جيمي كارتر آنذاك جهوده من اجل التوصل الى اتفاق، وكان على اتصال يومي دائم بكل من الرئيس المصري الراحل انور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن. لكن المشكلة الآن هي ان عرفات ليس السادات كما ان نتانياهو ليس بيغن، وكلينتون ليس كارتر، كما ان طريق المفاوضات الاسرائيلية - الفلسطينية الحالية بدأت في اوسلو سراً ولم تحذ حذو كامب ديفيد.