كما كان متوقعاً، لم يخرج البيان الختامي لقمة أوبك، (إعلان الرياض) عن المحاور الرئيسة التي أشار لها المهندس علي النعيمي وزير النفط السعودي ومساعده الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز قبيل انعقاد القمة. فالبيان الختامي حدد السياسات النفطية للمنظمة بثلاثة أهداف رئيسة وهي: توفير الإمدادات النفطية، دعم الرخاء العالمي، وحماية البيئة. قمة أوبك جددت التزام الدول الأعضاء بإدارة موارد النفط لدعم التنمية المستدامة في العالم، وأكدت على التزامها بتوفير النفط للعالم بأسعار تنافسية تضمن مصالح الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء. وأقرت (بالعلاقة الوثيقة بين إنتاج الطاقة والاستهلاك وحماية البيئة والحفاظ على التنمية الاقتصادية والاجتماعية). وأكدت أيضاً على مواجهة التحديات البيئية ودعم الجهود الدولية من أجل مواجهة مشكلة البيئة بكل فاعلية. (إعلان الرياض) أكد على دعم صندوق الأوبك الاستمرار في تحقيق برامجه الإنمائية، وإن استئصال الفقر يعد الأولوية على الصعيد الدولي والإقليمي وأن الطاقة أساس لبلوغ أهداف التنمية المستدامة واستئصال الفقر العالمي. لم تكرس القمة جُلَّ وقتها للبيانات اللفظية، بل حرصت، ومن خلال إدارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الحكيمة على إثبات مسؤوليتها تجاه العالم، فقرنت الأفعال بالأقوال، وأعلن الملك عبدالله عن مبادرة حكومة المملكة بإنشاء برنامج لتمويل البحوث العلمية المتعلقة بالطاقة والبيئة والتغيرات المناخية وتخصيص بمبلغ 300 مليون دولار لدعم البرنامج. الملك عبدالله أشار في كلمته الافتتاحية إلى دور أوبك الريادي في المحافظة على النمو العالمي من خلال استقرار أسواق النفط وإمداداتها. فمنذ تأسيسها أثبتت المنظمة أنها مركز استقرار أسواق النفط العالمية واللاعب الرئيس في تحقيق توازن الاقتصاد العالمي. المملكة، ودول الأوبك الأخرى، لعبت دوراً حيوياً في استقرار الأسواق وضمان الإمدادات النفطية إبان حرب الخليج الأولى، والثانية، واحتلال العراق، وتحملت في مقابل ذلك الكثير من الخسائر الاقتصادية والسياسية. أثبتت السعودية بوجه الخصوص أنها صمام أمان الأسواق العالمية، وعليها يقع العبء الأكبر في إدارة انعكاسات الأزمات السياسية والعسكرية العالمية على أسواق النفط. فهي تنفق الكثير من إيراداتها النفطية لتطوير طاقتها الإنتاجية والاحتفاظ بطاقة إضافية غير مستغلة يمكن أن تكون أداة فاعلة لمواجهة مخاطر الأزمات ونقص الإمدادات؛ وتساهم مساهمة فاعلة في إدارة الأزمات، والتنسيق بين الدول الأعضاء لتحقيق مصالح المنتجين والمستهلكين، دون إفراط أو تفريط. السعودية تتحمل عبئاً إضافياً في الموازنة بين السياسة والنفط، وتسعى جاهدة إلى تحقيق استقلالية النفط كمصدر من مصادر الطاقة، والتنمية العالمية، بعيداً عن النزاعات السياسية. الملك عبدالله أشار إلى أن النفط طاقة للبناء والعمران ويجب أن لا يتحول إلى وسيلة للنزاع والأهواء، وعلى هذا المبدأ تقوم سياسة المملكة النفطية. وفي المقابل فهي تأمل من الآخرين تطبيق هذه المعاني النبيلة للحفاظ على الأمن والرخاء العالميين. الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودية، وبدبلوماسيته الراقية استطاع أن يجنب (قمة أوبك) مزالق السياسة، وأكد على أن أوبك ليست منظمة سياسية، بل هي (منظمة معنية أساساً بإنتاج النفط)، وفَصَل الأمير سعود الفيصل بين شؤون النفط والشؤون المالية بعد أن فضل ترك مسألة مناقشة ضعف الدولار للأطراف المعنية وعدم تضمينها البيان الختامي. الإدارة السعودية الحكيمة أبعدت القمة عن مناقشة قضايا لا تتوافق مع أهدافها الرئيسة، وأحالتها إلى الجهات المسئولة عنها، ونجحت في التركيز على المحاور الأساسية خاصة ما يتعلق منها بضمان الإمدادات، النمو العالمي، وحماية البيئة؛ وبذلك صدر (إعلان الرياض) ليؤسس عهداً جديداً من الثقة والتعاون المشترك بين المنتجين والمستهلكين، ويقود إلى تحقيق أمن ورخاء العالم. دون أدنى شك فقد أظهرت قمة أوبك مسؤولية الدول الأعضاء تجاه الاقتصاد العالمي واهتمامات الشعوب، ونجحت في إثبات نجاحها في إدارة سوق الطاقة العالمية وفق إستراتيجية النماء والاستقرار الشاملة، وأثبتت السعودية مقدرتها الفائقة في إدارة القمم المصيرية، واعتدالها في تناول القضايا النفطية والسياسية العالمية بما يحقق المصالح المشتركة، وحرصها الدائم على تحقيق الأمن، والرخاء لشعوب العالم أجمع. سجلت القمة نجاحاً مميزاً يُسجل للدول الأعضاء، وللدولة المضيفة التي باتت تمثل القاسم المشترك للنجاح الإقليمي والدولي، ولجميع من ساهم في إنجاحها، وفي مقدمهم صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز مساعد وزير البترول والثروة المعدنية ورئيس اللجنة العليا المنظمة للقمة الثالثة لزعماء أوبك. إنسانية الملك يبقى الملك عبدالله بن عبدالعزيز كما عهدناه إنساناً محباً، تسيطر عاطفته الإنسانية الجياشة على علاقاته بالآخرين، إنسان بسيط متواضع لا يسمح للبروتوكولات الرسمية أن تمنعه من إظهار رحمته، وحبه للآخرين. لم تتعارض لديه دمعة الرحمة مع سطوة الملك، ولا إجلال الكبير وتوقيره ومساعدته مع عظمة الحكم، ولا كشف الفقر المدقع وزيارة غرفه المظلمة مع غناء الدولة ووفرة الأموال. هكذا هو الملك الإنسان الذي يترك له في كل مناسبة بصمة إنسانية عفوية. وآخر بصماته الإنسانية نزوله من المنصة لتكريم وليد خدوري بعد أن لاحظ صعوبة وصوله المنصة بسبب وضعه الصحي. تخلى الملك عبدالله عن البروتوكول الخاص وآثر النزول وتغليب جانب الإنسانية على البروتوكولات الرسمية وسط تصفيق الحاضرين. إنها لحظة إنسانية تجلت فيها عاطفة المَليك التي نزعت تاج المُلك واستبدلته بتاج الإنسانية. (من تواضع لله رفعه)، وأسأل الله له المنعة والعزة والرفعة في الدنيا والآخرة.