أود بادئ ذي بدء، أن أشكر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود على مبادرته الإنسانية تجاه كاتب المقال أثناء الجلسة الافتتاحية لقمة"أوبك"الثالثة الأسبوع الماضي، والتي تعبر عن مشاعره الإنسانية المعروفة وفي الوقت ذاته عن احترامه للباحثين روبرت مابرو لبحوثه حول سوق النفط الآسيوية ونفط برنت وتطور الأسعار والأسواق عموماً، ودانيال يرغن لكتابه الشهير"الجائزة"الذي يسرد فيه تاريخ صناعة النفط العالمية في القرن العشرين، إضافة إلى كتب نفطية أخرى، وجون ميتشل لبحوثه في علاقة الطاقة بالبيئة والأمن الطاقوي والصحافيين الزميلين سميرة قعوار التي عملت في نشرة"إرغس"النفطية المتخصصة، والزميل بوشان بهيري من جريدة"وول ستريت جورنال" اللذين فازا أيضاً بالتكريم. وأود ان اشكر أيضاً خادم الحرمين الشريفين ووزارة البترول السعودية على المبادرة إلى تكريم الباحثين والصحافيين في مؤتمرات قمة"أوبك". تميزت حفلة افتتاح القمة الثالثة بكلمتين مهمتين تعكسان بوضوح مدرستين ومنهجين مختلفين في المنظمة، لكن على رغم هذه الخلافات الأساس بين الدول الأعضاء في"أوبك"يذكر ان وزيري النفط في السعودية وفنزويلا لعبا دوراً أساساً في قيام"أوبك"عام 1960، استطاعت المنظمة تجاوزها وتحقيق الأهداف المنشودة في نظامها الأساس. وكانت الكلمة الأولى في القمة الثالثة للرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز. وتكلم بصفته الرئيس السابق للمنظمة، وسلم بعد إلقائه الخطاب المهام للملك عبدالله الذي ألقى كلمة عكست وجهات نظر المملكة في سياسات"أوبك"وتوجهاتها. والفارق بين الكلمتين شاسع ويبين رؤيا كل من الدولتين النفطيتين المهمتين في توجهات ومهامها"أوبك". طبعاً هناك فارق كبير في وزن كل منهما وحجمه في النادي النفطي هذا، إذ ان الطاقة الإنتاجية للمملكة تبلغ اليوم نحو 11.5 مليون برميل يومياً أو اكثر من ثلث الإنتاج الفعلي للمنظمة ويشمل طاقة إنتاجية احتياطية بنحو 2.5 مليون برميل يومياً، بينما تبلغ الطاقة الإنتاجية لفنزويلا نحو 2.6 مليون برميل يومياً، ولا تتوافر لها طاقة إنتاجية احتياطية. وهنا يبرز الفارق في دورهما في التأثير في سياسات المنظمة، ومدى أهميتهما على الساحة النفطية العالمية. واستعرض الرئيس تشافيز إعلان المبادئ الأول الذي صدر في قمة"أوبك"الأولى في الجزائر عام 1975 واسترسل في شرحه على رغم مضي عقود عليه وتغير صناعة النفط وأسواقه العالمية. وتحدث أيضاً عن الظروف السياسية والدولية التي مرت فيها"أوبك"في ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته، وكيف استطاعت تجاوز انهيار الأسعار في عام 1986. وضمن شرحه لتاريخ المنظمة، أشار إلى قمة"أوبك"الثانية في كراكاس عام 2000 وانه تسلم رئاسة"أوبك"في وقت كانت الأسعار في حدود 10 دولارات للبرميل، وهو يسلمها الآن والأسعار تلامس 100 دولار. طبعاً، لم يذكر ما هي العوامل الأساسية في الأسواق التي دفعت بالسعر إلى هذه المستويات العالية والقياسية، وما هي الآثار المترتبة عليها. واقترح الرئيس الفنزويلي تأسيس مصرف مشترك لدول"أوبك"، وهو جزء من محاولاته تأسيس مصرف لدول العالم الثالث، منفصلا بذلك عن البنك الدولي. وأشار إلى محادثات أجراها أخيراً مع الرئيس البرازيلي إغناثيو لولا دا سيلفا واحتمال انضمام البرازيل إلى"أوبك"، الذي سيعتبر في حال قبولها به، وموافقة المنظمة على ذلك، تحولاً كبيراً في مسيرة الأخيرة. وأكد الملك عبدالله في كلمته التي باشر بها تسلم رئاسة القمة حتى مؤتمر القادة المقبل، على ضرورة التوجه نحو التعامل مع الأمور الأساس المطروحة اليوم بشدة وفي شكل حيوي على الساحة العالمية وعلى الإنجازات التي تحققت بالفعل. وتوجه الملك في خطابه إلى العناوين الثلاث التي غطت القمة الثالثة، وهي"توفير الإمدادات النفطية ودعم الرخاء وحماية البيئة". وكدليل مادي وحي على ذلك، أعلن عن تبرع المملكة العربية السعودية بمبلغ 300 مليون دولار لبحث موضوع النفط والبيئة والمناخ"في شكل علمي وموضوعي بعيداً من الضغوط والمؤثرات السياسية"، وأعلنت دول أعضاء لاحقاً عن تبرعها بمبالغ إضافية لدعم هذه المبادرة. وأكد خادم الحرمين الشريفين ضرورة الاستمرار في الالتزام بأهداف المنظمة التي مضى على تأسيسها نحو 47 سنة، وعلى أهمية"حماية الاقتصاد العالمي من الهزات المفاجئة في سعر النفط وتوفيره، وقد أثبتت التجارب ان المنظمة ظلت متمسكة بذلك وقدمت الكثير على حساب مصالحها العاجلة، إدراكاً منها ان رخاء العالم وحدة واحدة". وأضاف:"ان النفط طاقة للبناء والعمران ويجب ألا يتحول إلى وسيلة للنزاع والأهواء". وقال في هذا الصدد:"إخواني، ان الذين يرددون ان أوبك منظمة احتكارية استغلالية، يتجاهلون الحقيقة التي تثبت ان أوبك كانت تتصرف دوماً من منطلق الاعتدال والحكمة، ولعل خير دليل على ذلك ان السعر الحقيقي الحالي للنفط، إذا أخذنا في الاعتبار مستوى التضخم، لم يصل إلى سعره في مطلع الثمانينات من القرن الماضي. لقد مدت المنظمة جسور الحوار مع الدول المستهلكة، وفي هذا السبيل تم إنشاء الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي الذي نعلق على جهوده الكثير من الآمال. كما ان المنظمة لم تغفل مسؤولياتها تجاه الدول النامية ومكافحة الفقر فأنشأت صندوق أوبك للتنمية الدولية الذي تغطي مساهماته اكثر من 120 دولة، فضلا عن المساعدات التنموية التي قدمتها الدول الأعضاء في المنظمة ولعلها الأعلى في العالم إذا أخذنا نسبتها من الدخل القومي في الاعتبار". عكس البيان الختامي لقمة"أوبك"الثالثة، الذي أطلق عليه اسم"بيان الرياض"معظم النقاط التي أثارها الملك عبدالله في خطابه. وهذا ليس بالأمر المستغرب نظراً إلى دور المملكة القيادي في"أوبك"، الذي يحاول ان يحقق أهداف المنظمة الأساس مع تجاوز الخلافات السياسية ما بين الدول الأعضاء على رغم كثرتها وحدتها في بعض الأحيان. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة