في الوقت الذي يحتفل فيه الغرب بمصطلح التمكين (Empowerment)، على أساس أنه أحد اكتشافاتهم الجوهرية، منذ ما يقرب عقدين من الزمان كردة فعل وتحوّل من هندسة العمليات إلى هندسة البشر؛ فإنّه حريٌّ بنا نحن المسلمين أن نفخر بشريعتنا؛ فقد تمت الإشارة إلى التمكين في القرآن الكريم في أكثر من موضع، ويبقى دور الباحثين في تحليل وتفسير واستنباط الدرر المكنونة، وتقديمها للواقع الذي يعاني من أزمة في الإدارة حتى يتسنى لأصحاب القرار تعديل السياسات الإدارية بما يضمن النجاح في إدارة التغيير في مواجهة المد العولمي، واستثمار القدرات البشرية كوسيلة للتطوير الإداري، لنكون خير أمة كما أراد لنا خالقنا عز وجل. والإدارة هي فن توجيه وتنسيق ورقابة مجموعة أفراد لإنجاز بعض الأهداف. ومن هنا فالعاملون هم جوهر المنظمة وموردها الاستراتيجي، ومتى أتيحت لهم الفرصة كي يكونوا ذوي قوة وسلطة وثقة وقدرة على اتخاذ القرارات دون الرجوع للمستويات الإدارية الأعلى؛ زادت قدراتهم على تحقيق المزيد من الإبداع والإنجاز. وأظهرت دراسة قدمها الرائد أيوب بن حجاب بن نحيت أن مفهوم تمكين العاملين غائباً عن التداول في منظماتنا وكذلك لدى السواد الأعظم من قياداتها وعزا ذلك لأسباب منها أن التنظيمات البيروقراطية لا تخلق بيئة تنظيمية إبداعية، بل إنها قد تكون عائقاً لذلك. وعرف بن نحيت تمكين العاملين إجرائياً في دراسته على أنه (زيادة الاهتمام بالعاملين من خلال توسيع دائرة صلاحياتهم وإثراء معلوماتهم وتنمية مهاراتهم التي تكفل لهم أداء دور متطور يمنحهم القدرة على المبادرة باتخاذ القرارات عند مواجهة الأزمات بما من شأنه إكسابهم إحساس أكبر بالإنجاز في أعمالهم وإطلاق قدراتهم الإبداعية والخلاقة). وذكر أن أهمية التمكين ترجع إلى تحقيق أهداف المنظمة واستخراج أقصى طاقات الموارد البشرية والحصول على أفضل إبداعاتها, و إحراز تقدم منظم في مجالات الفاعلية والجودة وخدمة العميل واستمرارية التطوير, كما أنها وسيلة لضبط أكبر ورقابة أشد على العاملين وبيئة العمل, والإمساك بالفرص المواتية لنمو الشخصية والتطوير الذاتي، كذلك يفضي التمكين إلى تفريغ القيادات الإدارية العليا للمهام الصعبة وعدم إشغالها بالأمور اليومية وتركيزها على القضايا الإستراتيجية طويلة الأجل، ودعم الاستغلال الأمثل لجميع الموارد المتاحة وبصفة خاصة الموارد البشرية، كما أنه يوفر عامل السرعة في اتخاذ القرارات وإطلاق قدرات الأفراد الإبداعية والمزيد من الرضاء الوظيفي والتحفيز والانتماء، وأن منح الأفراد مسؤولية أكبر وتمكينهم من اكتساب إحساس أكبر بالإنجاز في أعمالهم. وذكر الرائد في دراسته أن للتمكين أبعاداً رئيسة تتلخص في دعم الإدارة العليا، والتحفيز والسلطة، إضافة إلى المسؤولية، والثقة. لماذا التمكين ؟ فرضت التحولات الإدارية المعاصرة في ظل التغيرات التقنية، الحاجة لموظفين يتمتعون بقدرات ومهارات خاصة، لذلك فالتمكين من شأنه جلب كادر متنوع قادر على مواجهة المشكلات والأزمات وحلها حتى في غياب المسئولين، وذلك بمنح العاملين حرية التصرف لمواجهة المواقف المختلفة، كما أن التمكين حسب الدراسة يوفر ثلاثة مطالب أساسية للعمل، هي الجودة، أي جودة القرار المتخذ وفق رغبات العملاء التي تكفل إشباع حاجاتهم بناء على المعايير المعتمدة في المنظمة، أو في مواجهة المشكلات الطارئة التي تتسم بجو من عدم التأكد، القبول بمعنى قبول العميل للقرار لتلبيته احتياجاته، أو قبول المنظمة للقرار الذي اتخذه المتمكن لمواجهة ظروف طارئة باعتباره يحقق مصلحة المنظمة، ويحد من الخسائر والتداعيات لأدنى درجة ممكنة, إضافة إلى توقيت القرار، أي يتم اتخاذ القرار بسرعة دون الحاجة لاستشارة الإدارة تجنباً للآثار السلبية الناجمة عن التأخير، خاصةً في حالة الأزمات والكوارث التي يلعب فيها الوقت دوراً مؤثراً. تمكين العاملين وخلصت الدراسة أنه ولتنفيذ أسلوب تمكين العاملين بنجاح؛ فإنّ المنظمات بحاجة إلى توفير متطلبات أهمها توفير قاعدة معلوماتية مناسبة مقرونة بالعلم والمعرفة والمهارة، واستخدام نظم السجلات المفتوحة، إضافة إلى منح السلطات وتوفير الصلاحيات وإتاحة المزيد من اللامركزية بين المستويات الإدارية والتحوُّل من نمط القيادة التقليدية إلى القيادة المُحفِزة و تعميق الثقة بين الإدارة والعاملين، كما أشارت الدراسة إلى وجوب توفير الحوافز المادية والمعنوية و توفير الثقافة التنظيمية المهيأة لتنفيذ أسلوب التمكين كأحد المتطلبات الهامة. معوّقات التنفيذ ذكرت الدراسة أنّ من أبرز المعوقات التي تواجه تنفيذ أسلوب التمكين هي البيروقراطيات المترهلة التي تقف حجر عثرة في وجه العاملين المبدعين، كما أنّ الأنظمة واللوائح المتقادمة تعيق التقدم مع عدم رغبة العاملين تمكين أنفسهم خوفاً من الوقوع في الأخطاء والتعرض للمساءلة الإدارية، ومن المعوقات أيضا عدم إيمان القيادات الإدارية بمفهوم وأهمية تمكين العاملين وجدوى تطبيقه، مع مقاومة المديرين والرؤساء للتمكين خوفاً على مراكزهم ومصالحهم. وأوصت الدراسة بتبصير القيادات والعاملين في المنظمات بمفهوم التمكين وأهميته وأبعاده ومبرراته ومتطلباته، وتطوير مهاراتهم وقدراتهم لإكسابهم القدرة على التعامل مع متطلبات التمكين، وتأهيل العاملين علمياً وعملياً وفنياً من خلال تطوير معلوماتهم وأنماط تفكيرهم، كما أوصت الدارسة بتعديل ما يلزم تعديله من الأنظمة واللوائح المتقادمة خاصةً فيما يخص منح السلطات والمسؤوليات والصلاحيات للعاملين في حدود ما يضمن نجاح تطبيق التمكين بفاعلية، و البدء مرحلياً بتنفيذ إستراتيجية تمكين العاملين.