ان كانت البطاقة الشخصية الهوية لا تسمح لصاحبها بالتجول في ارجاء الوطن العربي، فلعل الكلمة تخترق جدران السياسة العربية وتحاول الوصول الى شغاف القلب. ما اردت من هذا التمهيد إلا الولوج في صلب الموضوع فمن المعروف ان الاديب كلما حاول الدنو من التواضع استطاع جاهدا ان يتبوأ مكانة رفيعة في مجتمعه وهذه المكانة تمنحه العظمة. ولابد من توافر اكثر من عنصر لارتقاء الاديب في السلم البياني الصاعد نحو شهرته، وذلك بما تسلح به من علم وثقافة ومعرفة واطلاع واسع، على ان يوشح هذه العناصر بسمة التواضع، ومن المؤسف ان ما يحدث في أيامنا بعيد عن الحكمة والتواضع والمنطق، فما ان تصدر مجموعة شعرية او قصصية لهذا او ذاك، رأيته وقد خال نفسه بأنه ملك ناصية الكلمة، وهو ينفش ريشه كالطاؤوس ينظر الى من حوله من فوق برج عاجي، تراه يتحدث اكثر مما يصغي، ويكتب اكثر مما يقرأ، ولا يقيم جانبا لحكمة الصمت والاستماع والنتيجة في مثل هذه الحالة لن تكون اكثر من زوبعة في فنجان تؤدي بصاحبها الى الفراغ ولن يكون سوى فقاعة صابون, ولا ننصب انفسنا في هذه المقالة كمثل الواعظ، لكن الهدف من ذلك ان يعرف الإنسان حجم نفسه، ويعرف كيف يتصرف؟ ومتى يتحدث؟ واين يقف؟,, فالبيت الشعري المشهور يجسد من خلال معاني العظمة كالتواضع والإباء والأنفة. ملأى السنابل تنحني بتواضع والفارغات رؤوسهن شوامخ فالإناء ينضح بما فيه، ولكن كيف ينضح؟ وهنا تكمن عظمة الأديب عندما يتحلى بسمة التواضع، السمة النبيلة، ولعمري لم يكن التواضع ضعفا او خوفا او جبنا بل كان شجاعة وكبرياء وأنفة، وخصلات حميدة. اننا لنفخر كثيرا بأجدادنا العرب العظماء الادباء الذين ملكوا الى جانب اختصاصهم ادوات معرفية متنوعة، رغم ذلك لم يعرفوا التكبر والتعجرف والصلف، بل كانوا قدوة لتلامذتهم من اجل بناء صرح حضاري شامخ يرفرف فوق قمته لواء التواضع واية خسارة اذا اضاف الاديب الى مناقبه الطيب والمودة والصفاء ولم يشحن نفسه بالاضغان، والاحقاد، والكراهية، وهل هناك أسمى وأنقى وأصفى من قلب الأديب المتواضع؟ الأديب الذي يعرف متى يتحدث؟ وكيف يصغي؟ حيث تكون اعمال الاديب خير ترجمان لعظمته وشهرته مكانته, وان شاعرنا الكبير المتنبي لم يطرق هذا البيت بشكل مجاني عابر انما قصد به بعدا انسانيا راقيا، فالاديب هنا لم يكن سوى شجرة وارفة الظلال، تقدم اطيب ثمارها وأشهاها للبشرية وذلك في قوله: كن كالنخل عن الاحقاد مبتعدا كالطوب يُرمى فيلقي اطيب الثمر وهكذا ان بروز العضلات الثقافية دون غذاء ثقافي يلحق بها سرعة الضمور الفكري، وقصور الرؤية,, ووهم الاستشعار,وبذلك تكون الكلمة خير سفير عربي في كل عاصمة ومدينة وقرية، في زمن احمق نفقد فيه التواصل المعرفي المحلي، فكيف على الصعيد العربي مترامي الاطراف. جاك صبري شماس