أصبح موضوع الأسهم وسوق الأسهم هذه الأيام حديث الشارع والمجالس وحديث وسائل الإعلام كافة المقروءة والمسموعة والمرئية. ولا يكاد يخلو حديث أخ مع أخيه أو صديق مع صديقه أو زميل مع زميله أو جار مع جاره، وحتى وصل الأمر إلى أن المرء ليتحدث في هذا الموضوع مع من لم يعرف، ولا يتطلب الأمر أن تكون مطلعاً على عالم (الأسهم)، فالأهم أن تتحدث وتدخل في سجالات لا تقدم ولا تؤخر. وهذا ما جعل عدد المحللين والخبراء (السهميين) يقارب عدد اللاعبين في كل الأندية، فالكل يلعب (عفواً) أقصد الكل يحلل ولكن من (يهدف)؟ لا تكاد تخلو أحاديثهم هذه الأيام من التطرق (وبإسهاب) للأسهم والاكتتابات، وللمؤشر وارتفاعه وانخفاضه! لا شك أن السعي في طلب الرزق، والبحث عن مصدر أو مصادر - حلال طبعاً - لزيادة الدخل، ورفع مستوى المعيشة أمر لا بأس به. ولكن أن يصل الأمر إلى هذا الحد من الافتتان والانجراف فهذا يخرج عن المستوى الطبيعي أو الحد المعقول.. ولم لا؟ وقد وصل الأمر إلى أنك تسمع حديثاً بين اثنين أو أكثر في المقبرة وبجوار القبر تحديداً عن الأسهم وتوابعها!! ففي معمعة أحزان أهل الميت، ووسط عبارات العزاء نرى من يناقش أسعار الأسهم وكأنه قد جُر بحبل إلى المقبرة ليشارك في دفن هذا الميت!! هل فقدت المقابر والقبور هيبتها وهي التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: (كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة)؟ عندما كان الأمر حديث مجالس، وحديث أسواق، وحديث مدارس!! قيل إنه أمر طارئ وثورة بركان لا تلبث أن تخمد. ولكن أن يصل الأمر إلى أن تكون حديث مقابر فإن الأمر يحتاج إلى مراجعة و(فرملة) من قبل الجميع وإلا فإن نتائجه ستكون وخيمة على من سار على هذه الحال. ناقشت أحد كبار المنظرين، والمساهمين، والمضاربين والذي يدير سوق الأسهم بالريموت كنترول، وينسفه بضغطة زر، فعبرت له عن تعجبي من حال الناس في هذا الباب، فرد عليَّ مستنكراً تعجبي، واستشهد بقوله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا}. فقلت له: ولا تنس يا صاحبي {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ}، وعقبت: ألا يوجد فرق بين (امشوا) و(سارعوا)؟؟ ولا تأخذوا قولي عن صاحبي هذا أنه يدير سوق الأسهم على محمل الجد.. فالحقيقة أنه لا يملك إلا ثلاثين سهماً فقط في إحدى الشركات، فكيف به لو كان يملك آلاف الأسهم؟؟ كم من الآيات والأحاديث سيستشهد بها، لإقناع من يناقشه ولإقامة الحجة في جداله؟ وللأسف لقد سارعنا إلى مناكبها ومشينا إلى مغفرة الله مشياً وئيداً إلا القليل منا! هذا إذا أخذنا في الحسبان حال من ابتلي بالأسهم في الفترة الأخيرة ومآل مالهم، ومقدار الخسائر التي وصلت إلى أرقام مفزعة وسببت آلاماً وبخرت آمالاً!! أخشى ما أخشاه أن تكون {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} قد انطبقت علينا وعلى حالنا هذه الأيام..! ألم يشغل الناس حُب الدنيا؟ ألم يتمادى البعض في طلبها حتى نسوا الآخرة؟ والأدهى والأمر أن تسمع أن فلاناً قد باع بيته أو مصنعه لأجل الدخول في عالم البورصة وما أدراك ما البورصة!! ثم ماذا؟.. ثم هوى سوق الأسهم وهوت معه آلاف بل ملايين الأحلام، وملايين المشاعر والأحاسيس، وهذا بحق هو الخسران المبين. فخسارة المشاعر والأحاسيس لا يتم تعويضها أو تعديلها ببساطة، فلا تقارن بالمال! إني ومن هذا المنبر أدعو نفسي وإخواني من أبناء وطني الغالي إلى السعي الحثيث وبذل الجهد لرفعة بلادنا والنهوض بها، واستغلال فرص العمل والتجارة في كل مجال. فبلادنا غنية ولله الحمد، والمجالات لا حصر لها، ولكن تحتاج لهمم وصبر وروية، فليست الأرزاق حكراً على باب الأسهم كما خيل لكثير منا قبل ما يسمى بنكسة فبراير!! دعاء: اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، كما أسأل الله تعالى أن يرد لكل مسلم ماله من غير خسارة وأن يهدينا جميعاً سبيل الرشاد. [email protected]