نظرية الأمن الإسرائيلية هل انكشفت تماما وأصابها الانهيار بعد حرب لبنان؟ وما هي العوامل الرئيسية التي يقوم عليها التخطيط الاستراتيجي لاستخدام القوات المسلحة الإسرائيلية؟؟ حول هذه التساؤلات انشغل عدد من الباحثين وخبراء الإستراتيجية العسكرية في محاولة تقديم الإجابات، وذلك في مؤتمر نظمه مركز البحوث والدراسات السياسية بجامعة القاهرة بعنوان تداعيات الحرب الإسرائيلية اللبنانية على مستقبل الشرق الأوسط. وقال الخبير الاستراتيجي اللواء زكريا حسين إن التخطيط الإستراتيجي الإسرائيلي لاستخدام القوات المسلحة يتسم بعدة عوامل رئيسية نابعة من نظريتها للأمن الإسرائيلي من جانب ومن عقيدتها القتالية من جانب آخر، ولعل عرض وتحليل هذه العوامل يقودنا إلي تحليل علمي ودقيق لأسلوبها في التخطيط وإدارة العمليات العسكرية التي قامت بها ضد لبنان وحزب الله. لقد التزم التخطيط الإستراتيجي العسكري الإسرائيلي بخمسة عوامل رئيسية لمواجهة التحديات والتهديدات لأمنها القومي.. وقد تمثلت هذه العوامل في: أولاً: عدم قدرة الدولة العبرية على تحمل حرب استنزاف طويلة أو صراعاً مسلحاً يكبدها خسائر بشرية عالية، كما لا يمكنها أن تتحمل نزيفاً اقتصادياً ناتجاً عن صراعات مسلحة طويلة الأمد أو تحمل خسائر بشرية تهدد كيانها الاجتماعي والسياسي. وثانياً: استمرار المحافظة على درجة من التفوق النوعي على معظم التهديدات المحتملة؛ وذلك لردع العدوان وتأكيد أن أي صراع مسلح يمكنها أن تكسبه بسرعة وحسم. وثالثاً: أنه لا يمكن أن يرتهن أو يرتكز الأمن الإسرائيلي على مواقف الدول الأخرى، ولا يمكن السماح لتهديد محتمل بأن يعمل في بيئة يمكن فيها تدمير إسرائيل وبقائها.. وقد ارتقى هذا العامل في الفكر الإستراتيجي العسكري الإسرائيلي ليصل لكونه عقيدة راسخة دفعت إسرائيل إلي تطوير قوة نووية قويه وإنتاج واستيراد صواريخ بعيدة المدى لحمل الرؤوس النووية إلى الأهداف التي يحتمل أن تهدد بقاءها واستمرارها. رابعاً: الاحتفاظ بالقدرة على تحقيق نتائج حاسمة في أي صراع رئيسي أو ثانوي قبل أن تتمكن القوى الخارجية من التدخل أو مواجهة إسرائيل بأمر واقع يؤدي إلي هزيمة محدودة، وخامساً: استمرار التخطيط الاستراتيجي العسكري لهزيمة التهديد الأكثر احتمالاً مع عدم إهمال خطورة القيام أو التنسيق لبناء قوات عربية موحدة. أما عن الرؤية الأمريكية للحرب اللبنانية فتقول الدكتورة منى الشوربجي إنه في خضم العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006، وصفت وزيرة الخارجية الأمريكية الدمار الشامل الذي لحق بلبنان باعتباره (مخاض شرق أوسط جديد). وبمجرد إعلان وقف إطلاق النار الذي كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية قد عطلت صدور قرار بشأنه لفترة طويلة، خرج الرئيس الأمريكي على الصحفيين ليعلن (هزيمة) حزب الله. وقد أدت هذه التصريحات وغيرها، إلى بروز درجة عالية من الإجماع بين المحللين السياسيين مؤداها أن خطاب إدارة بوش وسلوكها إزاء لبنان، ناهيك عن العراق، يكشف عن عجز فاضح عن فهم الواقع المعقد في الشرق الأوسط، فقد كان هناك فعلا انفصال واضح بين الخطاب والفعل الأمريكي من ناحية ومعطيات الواقع المعقد من ناحية أخرى، ورغم أن هذا التحليل يظل صحيحا في مقدماته إلا أنه ليس دقيقا بالقدر الكافي، إذ تغيب عنه عناصر مهمة تسهم عند الوقوف عليها في التوصل إلى تقديرات أكثر دقة للموقف الأمريكي، فهناك فارق كبير بين العجز عن فهم الواقع وبين عدم الاكتراث بفهمه أصلا بناء على تعريف محدد للمقصود بالواقع. وهي مسألة جوهرية في فكر المحافظين الجدد الذين تهيمن أفكارهم على سياسة إدارة بوش الخارجية، فإدارة بوش لم تكن في أية مرحلة إدارة عادية على النمط المعروف للحكم في أمريكا؛ إذ هيمن عليها منذ البداية مجموعة مدفوعة بزخم أيديولوجي صارخ يمثل مضمونه انقطاعا راديكاليا عن تياري الواقعية والليبرالية الدولية اللذين طالما هيمنا على صنع السياسة الخارجية الأمريكية على الأقل منذ الحرب العالمية الثانية.