ودعنا إلى رحمة الله ومستقر مغفرته الوالد الشيخ سعد بن محمد المعجل الذي شكل فراقه فراغاً كبيراً في مساحات حياتنا، وجعلنا وداعه نتأمل سيرته الهادئة الهانئة التي بصمها بشخصيته اللطيفة الودودة المؤثرة، وقد اتفق الجميع على أن فراق أبي فهد خسارة فادحة لا يخفف وطأتها سوى وجود الكوكبة الخيرة الذين خلفوه، وقد كتب عدد غير قليل من معارفه ومحبيه عن بعض سيرته ومواقفه، ويظل الباب مفتوحاً لمن ينشط لتدوين سير الرجال المؤثرين. وللرابطة الاجتماعية التي تجمعني بمقامه الرفيع وددت أن أضع بعض السطور التي لا ترقى لمراتب مكانته في النفس، وسنظل مقصرين في حق الشيخ سعد إذ سن لنا طرائق في التعامل مع الآخرين عز نظيرها، وفي حضرته كنا نجتمع متآلفين متحابين. ولد سعد بن محمد بن عبدالعزيز المعجل ونشأ في حوطة سدير وفيها تلقى دروس القرآن الكريم حتى بلغ التاسعة من عمره، وفي سن الثانية عشرة سافر إلى مدينة الجبيل بصحبة عمه عبدالرحمن، حيث التحق بمدرسة أهلية تعلم فيها الحساب ومسك الدفاتر والخط والإملاء، وتخرج فيها خلال خمسة أشهر، وعمل في التجارة منذ بلوغه سن الثالثة عشرة، وبعد خمس سنوات أسس هو وأخوه عبدالعزيز شركة عبدالعزيز وسعد المعجل، ثم قدم إلى الدمام في عام 1372ه، وساهم في تأسيس الغرفة التجارية الصناعية بالمنطقة الشرقية، وكان عضواً فيها لمدة ثلاثة أعوام، ونائباً للرئيس لتسع سنوات، ورئيساً لمدة اثنين وعشرين عاماً، فكان مجموع ما قضاه في الغرفة أربعة وعشرين عاماً. ساهم سعد المعجل أيضاً في تأسيس شركة القوة الكهربائية لمقاطعة الظهران، واحتل فيها موقع نائب الرئيس، وبعد أن أنشئت الشركة السعودية الموحدة للكهرباء حافظ على موقعه فيها لمدة ستة عشر عاماً، كما كان سعد المعجل عضواً في مجالس الإدارة في الجهات التالية: مؤسسة الضمان الاجتماعي لعدة سنوات، والمؤسسة العامة للسكك الحديدية لعدة دورات، والمؤسسة العامة للصوامع والدقيق لعدة دورات، والمؤسسة العامة للمواني. كما ساهم في تأسيس كل من: جمعية البر بالمنطقة الشرقية، والجمعية السعودية لرعاية وتأهيل المعاقين، ولجنة أصدقاء المرضى في المنطقة الشرقية حيث كانت أول لجنة تنشأ في المملكة، وتولى رئاستها إلى أن تم توحيد لجان أصدقاء المرضى في المملكة في لجنة واحدة، ويشغل منصب الرئيس في الشركات التالية: * شركة أسمنت تبوك، وشركة معارض الظهران الدولية، والشركة العربية لصناعة الورق، وكذلك شركة اتحاد الخليج للتأمين. هذه بعض من إنجازاته البارزة للعيان، أما شخصيته فهناك عدة عوامل أسهمت في تكوينها من أبرزها: أولاً: البيئة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحيطة التي صاحبت نشأته الأولى، ففي ربوع حوطة سدير نشأ وترعرع، وفيها عاش ميعة صباه، كما قال الشيخ عبدالعزيز التويجري أيضاً (يوم كنا والقرية معزولين في الصحراء كانت الحياة معنا في عزلتنا ربيعاً وكنا معها أطياراً لا نخشى على قوادمنا من الرماة، ليس فينا جناح كسير، وليس فينا أعاصير نفسية، فلا قلق ولا سأم ولا تصور فاحشاً عن الخالق، عن الكون، عن الشيء وضده). ثانياً: سماته الشخصية التي منحه الله إياها، فهو ذو مزاج معتدل، واستقرار نفسي، وهمة عالية، ومروءة سامية، جعلته يتجاوز كثيراً من الأحداث التي مرت به في مطلع حياته، وجعلت نظرته للحياة شفافة وصائبة. ثالثاً: تربيته إذ تخرج من مدرسة والده الذي عرف بحكمته وعلمه وقوة شخصيته، وأدبه الرفيع ورسوخ مفاهيمه للحياة، كما أسهمت في ذلك والدته التي انتقلت إلى رحمة الله وقد بلغ من النجاح مبلغاً كبيراً وأصبح علماً من أعلام الاقتصاد في هذه البلاد وأثرت في تكوين شخصيته، وهي الأم الرؤوم الحنون التي عرفت بعطفها وفضلها وسعة مداركها وكذلك عندما شد سعد المعجل عضده بأخيه عبدالعزيز ذلك الحكيم الملهم القوي الشكيمة الذي عرف بذكائه وفراسته، وبعد نظره، وحكمته وكذلك حين نود التحدث عن شخصية سعد المعجل الإنسانية والاجتماعية يجب ألا نغفل تلك العوامل التي أغنت شخصيته وأعطتها بعداً آخر، ويتمثل هذا الأثر في أمور عدة من أبرزها: أولاً: حبه وتقديره وصادق ولائه لولاة أمر هذه البلاد الغالية، وصدق نيته، وحرية رأيه.. وصفاء سريرته، وإخلاصه في العمل، واهتمامه بكل ما ينفع وطنه في الداخل والخارج مما جعل ولي الأمر يتفضل بإكرامه بوسام المؤسس من الدرجة الأولى، وهو وسام لسعد المعجل ولمن يحبه ونحن نحبه ونجله ونقدره.. ثانياً: ارتباطه بأسرته وأهل وطنه وبره بهم ووقوفه مع كل مشروع فيه خير للوطن، لعل آخر ما جادت به نفسه الكريمة هو وأبناء أخيه تبرعهم بمشروع تعليمي وثقافي في حوطة سدير بمبلغ قارب ثلاثة عشر مليون ريال. لقد جاء هذا المشروع بمبادرة منهم، ولم يشأ أن يكون المشروع باسمه، فجعله باسم أسرته إكراماً لها، وهي تكرمه وتجله، وهو يعمل أيضاً على أن تكون بلده دار ضيافة، وفرح وعناق، ومحبة، وقد أراد وهو يهتم بالعلم وأهله أن يقول ما قاله التويجري أيضاً (إن رسالة القلم التاريخية مع الإنسان والزمن المديد ليست رحلة ينيخ لها المسافر جملاً يرحله ثم يثيره في اتجاه هدفه، وعند بلوغه الهدف تنتهي الرحلة ويختفي الأثر، أبداً.. فكل الماشيات في هذا الكون على أخفافها إن كن رحائل متناثرات في الفضاء، أو كن رحائل في جمجمة الإنسان وذهنه في اليوم البعيد، حكمة الله، وقدر الإنسان مع هذه الرحلة في تصوري مطايا ثاوية، إذا لم يثرها العلم من مباركها ويدخل بها في مجاهل الحياة منادياً عليها أن هذه الأثقال الساكن منها وغير الساكن المعبر منها والصامت قد يصيبه الخلل ويلحق به الاضطراب إذا لم ألحق به فأحمله على أكتافي ثم أسلمه إلى الزمن وديعة لديه).أ ه. ولن يعجب المرء حين يعلم أن سعد المعجل مهتم بشكل خاص بالترابط والتواد والتراحم بين أبناء وطنه، وأن لا يكون لأحد فضل على أحد. ثالثاً: على مستوى أسرته الخاصة فهو لطيب أرومته وكرم محتده حريص على كل ما فيه برها ونفعها، ومن ذلك حضور اجتماعاتها وتفقد أحوال أبنائها، ومؤانسة كبار العائلة أدباً وشعراً، وإذا أردنا التعمق أكثر في سلوكه الشخصي نتوقف بإعجاب عند قناعته التي عز نظيرها فهو لم يقتن طائرة خاصة تحاشياً للزهو كما صرح بذلك في أحد لقاءاته الصحفية، وهو لم يتردد في محاربة المظاهر الباهظة الثمن وبدأ بنفسه ليعطي درساً تربوياً للآخرين فلم يذكر عنه إقامة احتفالات مكلفة في مناسبات الزواج لأبنائه وبناته باذلاً كل السبل لتجاوزها، فبارك الله له في ولده ونفسه وصحته وماله. رابعاً: أدبه الرفيع وعنايته بروائع الأمثال والشعر واستشهاده بها، وهو يمثل حلقة في منظومة أسرته التي عرفت باهتمامها بالأدب شعراً ونثراً ورواية. وفي أدب أسرة المعجل يقول الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري.. (وأسرة معجل من الأسر التي جلبت على تعشق الشعر رواية وتذوقاً وإبداعاً... لا ينفرد عنهم شاب ولا كهل في هذا التواصل الأدبي... فكانت مجالسهم عامرة بالشعر محفوفة بأهله).. ولا غرابة فوالد الشيخ سعد المعجل أديب مفوه ومن قوله: حنا بنجد ونأكل الصمغ والقد وعلى القسا واللين متعلمينا ورب معبرها على الصاع والمد نرجي يعبرها بباقي السنينا وشقيقه عبدالعزيز، له باع طويل في شعر الحكمة فهو القائل: أدور المعالي في طلبها شربت السم ولقيته أدوى لي واحمد اللي له المنه ولا أحد نفعني في الشدايد رفيق وعم قطعت السلاسل ما تمرغت بالعنة ولا أحد يذكر بالشجاعة بليا دم يصوب سهوم الوقت وألا يصيبنه خامساً: أناقته في شخصيته، فقد كان هادئ الطبع، يؤثر فيمن حوله بما تشعه نفسه الزكية من لطف وقطف من أزاهير الأدب أحلاها، فحين يكتب تبرز أناقته في أسلوبه كما تبرز في حسن خطه، مما يجعل الأثر واضحاً على متلقيه، وله فلسفة في الحياة خاصة تتلخص في أن يدور مع الحكمة حيث دارت يضع الشيء في محله وكأنه في أغلب أحواله يردد مع شاعرنا المتنبي قوله: ووضع الندى في موضع السيف بالعلى مضر كوضع السيف في موضع الندا وما قتل الأحرار كالعفو عنهم ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا