هو العالم الفارس الشيخ قرناس بن عبدالرحمن بن قرناس بن حمد بن علي بن محمد بن علي بن راشد المحفوظي (1) من العجمان، ولد في بلدة (صبيح) إحدى قرى القصيم سنة 1191ه، ونزح والده إلى الرس وتوفي له من العمر سبع سنين، فرباه أمير الرس سعد الدهلاوي بوصية من أبيه (2)، كما وصى به أخته الكبرى، فقاما بتوصية أبيه خير قيام، فنشأ نشأة حسنة. تعليمه قرأ القرآن في كتاب بالرس، ثم شرع في طلب العلم بهمة عالية، فقرأ على مشايخ القصيم في عنيزةوالرس، وهما أشهر بلدان القصيم آنذاك، وأدرك تلاميذ الشيخ عبدالله بن عضيب وأخذ عنهم (3)، ثم رحل إلى الدرعية وهي يومئذ عاصمة العلم في الجزيرة العربية. مشايخه طلب العلم على عدد من العلماء في زمنه، من أبرز مشايخه: 1- قاضي الرس الشيخ عبدالعزيز بن رشيد 1234ه وهو خاله، حيث تولى رعايته وكان يلاحظه ويحضه على الاستقامة. 2- وقرأ على عالم الرس الشيخ صالح بن راشد الحربي الشهيد في حرب الدرعية سنة 1333ه بحملة إبراهيم باشا على نجد. 3- قرأ على عبدالعزيز بن سويلم (.... - 1244ه قاضي بريدة). 4- عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب 1165 - 1242ه. 5- علي بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب 1245ه. 6- الشيخ حمد بن معمر 1160 - 1225ه. ولازمهم في الأصول والفروع والحديث ورجاله والتفسير، حتى نبغ في فنون عديدة، وقد وهبه الله فهماً ثاقباً، وكان قوي الفهم حاضر البديهة، ثم توجه إلى مكة للحج ثم جاور فيها، فقرأ على علماء المسجد الحرام في الأصول والفروع، والحديث والمصطلح، ثم رحل إلى المدينة فقرأ على علماء الحديث ورجاله والتفسير وتحصل على الإجازة بسند متصل. يقول الشيخ إبراهيم بن محمد بن ضويان عالم الرس والمؤرخ المشهور: (ابتدأ طلب العلم على الشيخ عبدالعزيز بن رشيد قاضي الرس وعلى عبدالعزيز بن سويلم قاضي بريدة ورحل إلى الدرعية عام 1216ه، للتزود من العلم والاستفادة، فقرأ على علمائها فقرأ على عبدالله وعلي ابني الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وعلى غيرهما، وكان يتوقد ذكاء ومعه إقبال منقطع النظير ويحفظ متوناً كثيرة). أ.ه (4). ويقول ابن ضويان أيضاً: (إنه تعين قاضياً عام 1222ه في قلعة المدينة ومرشداً لحماية آل سعود إلى أن خرجوا منها عام 1227ه فعين في نفس السنة قاضياً في الخبراء ولم تطل مدته فيها فرجع إلى الرس واستمر فيها من دعاة الخير والرشد، حتى استولى عليها إبراهيم باشا بعد مقاومة شديدة أبلى فيها المترجم له بلاء حسنا وقاد الجيش وذلك عام 1223ه (5). فأصبح واسع الاطلاع في علوم عدة خاصة في الفقه والحديث والمصطلح وكان بارزا في الفقه الحنبلي، وقد وهبه الله فهماً ثاقباً وكان قوي الفهم حاضر البديهة). ويقول ابن ضويان أيضاً: (.. وفيها - 1227ه - ولي القضاء في الخبراء، ولم تطل مدته، ورجع إلى الرس، ولم يزل فيها إلى أن استولى عليها إبراهيم باشا عام 1232ه فولاه قضاءها ولم يزل عليها إلى أن بلغه أن الباشا سفر آل سعود وآل الشيخ إلى مصر وأنه توجه إلى القصيم فحينئذ استتر منه وانحاز إلى قرية النبهانية غربي القصيم فكان يأوي إليها ليلاً ويظل نهاره في غار في جبل (ابان الأسود) يعرف الآن بغار قرناس، ولم يزل كذلك إلى أن سافر الباشا وغابت عسكره فرجع إلى وطنه وصار قاضياً على القصيم كله، إلى أن تولى الإمام فيصل بن تركي فعين أبابطين في قضاء عنيزة فمن ذلك انفصلت عنه ثم انفصلت بريدة عن ولايته حينما ولي قضاءها تلميذ قرناس الشيخ عبدالله بن صقيه واستمر قرناس على قضاء الرس وملحقاته إلى أن توفي. وكان يكتب كتابة حسنة ونسخ بيده عدة كتب وكانت له فراسة قوية في استخراج الحقوق وكان صلباً في الدين قوياً في تنفيذ الأحكام وانتشر صيته لانفراده أخيراً بعد أقرانه) (6). قال ابن بشر عندما عدد قضاة الإمام تركي: (وعلى القصيم قرناس صاحب بلد الرس) (7). وولاه الإمام سعود قضاء الجيوش السعودية المرابطة في المدينة عام 1222ه مع قيامه بقضاء القصيم، قال ابن بشر: (وأرسل إليهم - يعني الجيوش المرابطة بالمدينة - الشيخ العالم قرناس بن عبدالرحمن صاحب الرس المعروف بالقصيم فأقام عندهم قاضياً ومعلماً، كل سنة يأتي إليهم في موضعهم ذلك) (8). أعماله عينه الإمام سعود بن عبدالعزيز إماماً في مسجد القلعة سنة 1221ه ومدرساً فيه ست سنين، ومرشداً وداعية خير للجيش السعودي المرابط في المدينة، ثم تعين في القضاء في بلدة الخبراء سنة 1227ه ولم يطل مدته فيها ورجع للرس، (واستقبله أميرها سعد الدهلاوي وزوّجه ابنته رقية، وألح عليه أمير الرس وأعيانها بتولي القضاء فتقلده، فكان مثالاً للعدل والنزاهة والعفة) (9)، ثم أصبح قاضياً على القصيم كله بولاية من الإمام تركي بن عبدالله حتى عهد الإمام فيصل بن تركي (1260ه). وتولى قيادة الدفاع عن الرس أيام حصار إبراهيم باشا للرس سنة 1232ه عند مرض أميرها منصور العساف الذي أبدى بسالة وشجاعة، فأبلى الشيخ بلاء حسناً في الشجاعة وسداد الرأي حتى اضطر إبراهيم باشا للصلح، وقام الشيخ بالمفاوضة عن أهل الرس، وكان الشيخ إماما وخطيباً للمسجد الجامع بالرس بالسوق القديم المعروف بالمفرق، (وكان حسن الخط جداً.. كما توجد وثائق بعقارات في المدينة بقلمه وكان عمدة بالتوثقات فيها وفي الرس، أفنى عمره في الكتابة، خط كتباً كثيرة وهمش عليها من تقارير مشايخه ومما يمر عليه أثناء مطالعته) (10). تلاميذه 1- محمد بن إبراهيم السناني 1208 - 1269ه. 2- علي بن محمد الراشد 1222 - 1303ه من قضاة عنيزة. 3- محمد بن عمر بن سليم 1421 - 1308ه. 4- عبدالله بن صقيه .... - 1256ه. 5- محمد بن عبدالله بن سليم 1240 - 1323ه من قضاة بريدة. 6- ابنه محمد بن قرناس 1209 - 1276ه. 7- عبدالله الخليفي 1210 - 1298ه من قضاة الرس والبكيرية والخبراء. 8- عثمان الصالح. 9- سليمان بن علي بن مقبل 1221 - 1305ه قاضي بريدة. 10- علي بن سليمان الجليدان 1240 - 1310ه. 11- محمد بن عبدالله بن حميد مفتي الحنابلة في مكة (1266 - 1295ه). (11) وظل الشيخ في قضاء الرس 43 سنة كان فيها مثالاً للعدالة والنزاهة. آثاره حسب ما اطلعت عليه من مراجع وكما هو مشهور في بلده لم أعلم أن له مؤلفات مكتوبة، إنما المعروف أنه كان ينسخ الكتب، قال البسام: (وكان يكتب كتابة حسنة، ونسخ بيده عدة كتب) (12)، وقال القاضي: (وكان حسن الخط جداً وتوجد لدينا مخطوطات بقلمه النير الفائق الحسن.. أفنى عمره بالكتابة فخط كتبا كثيرة وهمش عليها من تقارير مشايخه ومما يمر عليه أثناء مطالعته (13). وخلف مكتبة حافلة بالكتب والمخطوطات الأثرية النفيسة آلت إلى ابنه محمد القرناس، (ثم آلت إلى ابنه صالح) ثم آلت إلى أبنائه، الذين ليس فيهم طلبة علم، فتلفت بسبب الأمطار التي سقطت على الرس سنة 1376ه وسقطت دار محمد وهم في سفر وبقي المنزل، سنتين لم يحرك وعند بناء البيت لم يهتموا بالمخطوطات التي تلفت بل رميت مع النفايات (14). وجل هذه المكتبة بخط يده وخط بعض علماء الرس وطلبة العلم لبعض علماء الحنابلة لم يبق منها إلا نماذج قليلة منها: 1- إرشاد أولي النهى لدقائق المنتهى لمنصور البهوتي بخط الشيخ رشيد بن زامل خطها عام 1085ه. 2- شرح الآجرومية للمكودي بخط الشيخ رشيد بن زامل عام 1055ه. 3- الرسالة للإمام أحمد بن حنبل كتبها الشيخ عبدالعزيز بن رشيد عام 1098ه. 4- عقد الفرائد لابن عبدالقوي المشهورة بمنظومة بن عبدالقوي بخط الشيخ قرناس. 5- رسالة في الفقه كتبها الشيخ سعود بن عبدالعزيز بن رشيد. 6- قليل من الرسائل. 7- بعض المخطوطات لعقود مبايعات وأوقاف منازل ومزارع في الرس وغيرها بخطه رحمه الله (15). وفاته توفي الشيخ قرناس بن عبدالرحمن - رحمه الله - في 6 رجب سنة 1262ه وله من العمر سبعون عاماً قضاها في التعلم والتعليم والقضاء، وللشيخ من الأولاد سبعة: محمد وصالح قاضياً الرس بعده، وحمد، وسليمان، وعبدالرحمن (16)، وعبدالعزيز، وعبدالله. رحم الله الشيخ العالم الفارس قرناساً. الهوامش (1) الرس بين ماضيها وحاضرها، فهد الرشيد، ص16 (2) روضة الناظرين عن علماء نجد وحوادث السنين لمحمد القاضي، ج2، ص461. (3) علماء نجد للبسام، ص1، ص814. (4) روضة الناظرين مصدر سابق. (5) روضة الناظرين مصدر سابق، ج2، ص661. (6) علماء نجد للبسام، ج5، ص814 - 914. (7) عنوان المجد لابن بشر، ص163. (8) ابن بشر ص481. (9) روضة الناظرين، ج2، ص661. (10) نفس المصدر السابق ص661. (11) نفس المصدر السابق، ص312. (12) علماء نجد، ج5، ص914. (13) روضة الناظرين، ج2، ص561. (14) القاضي، مصدر سابق، ص961. (15) جريدة الجزيرة، عدد 12301 الأحد 5-1-1421ه مقالة للكاتب بعنوان مكتبات مفقودة. (16) روضة الناظرين، ص171 - 271.