من الصور الحضارية للمجتمعات المتقدِّمة والمثقفة كثرة إقبال أفرادها بمختلف مستوياتهم العلمية والفكرية والاجتماعية على ممارسة القراءة، حيث تعد القراءة مفتاح التقدم للأمم والشعوب. ومن هنا فإن كثيراً من الأمم والشعوب تسعى إلى نشر ثقافة القراءة بين أفرادها؛ طلباً للرقي والتقدّم ومنافسة الأمم الأخرى، ولأن القراءة تنمي الإدراك وتعزِّز الثقافة، وتنشر الوعي بين أفراد المجتمع. وحيث إن القراءة - كمفتاح للثقافة - بهذه المنزلة، فإن سؤالاً مهماً يجب طرحه والإجابة عليه وهو: هل هناك حاجة وضرورة لثقافة الرياضي؟ وهل هناك أهمية لوجود مكتبة ثقافية في مقرات الأندية ومعسكرات الرياضيين على اختلاف أنواعها ودرجاتها؟ أعتقد جازماً أن ثقافة الرياضي مهمة وضرورية، وهي بلا شك تؤثِّر في مهاراته وأدائه وأخلاقه، مما سينعكس على سلوكه حينما يزاول رياضته داخل الملعب وخارجه. إن الملاحظ أن الرياضيين في الدول المتقدِّمة يتمتعون بقدر كبير من الاطلاع في جوانب الحياة المتعددة؛ مما يجعل ثقافتهم واسعة حديثاً ونقاشاً، وهذا بلا شك ينعكس على سلوكهم أثناء ممارستهم الرياضية، كما ينعكس على علاقتهم بحكم المباراة، وعلاقتهم بزملائهم لاعبي الفرق الأخرى. وقد يعترض قائل بأن ثقافة رياضيي الدول المتقدِّمة إنما هي ثقافة مجتمعية وليست ثقافة أفراد، إذ إنهم متأثرون بثقافة المجتمع المحيط بهم بشكل عام. وأقول نعم هذا صحيح، لكن علينا أن نبدأ بتشكيل وتطوير ثقافة الأفراد ليتكون لنا في الأخير المجتمع المثقف بجميع أفراده. ومن هذا المنطلق، فإني أدعو أن يكون هناك مكتبات ثقافية في مقرات الأندية الرياضية، وفي معسكرات منتخبات الألعاب المختلفة، لأن ذلك يعد أمراً ضرورياً في تطوير ثقافة رياضيينا. يستطيع اللاعب أن يطلع في هذه المكتبة على رواية تقول له: إن تمثيل الوطن يلغي الفردية ويركّز على الجماعية. كما يقرأ قصة تحكي أن تعمّد إصابة اللاعب الخصم يعد فكراً متخلفاً. كما يقرأ كتاباً يقول له إن التفاهم مع الحكم يكون بشكل حضاري وحواري بعيداً عن العنف والتعنّت. لقد أكَّدت الباحثة الأمريكية Mary Leonhardt على أن القارئ يكتسب المهارات المتعدّدة، فهو يكتب ويتحدث ويتعامل مع الأفكار المعقدة بصورة أفضل من غيره. أصدقكم القول إن سعادتي كانت غامرة عندما رأيت في إحدى الصحف - في أثناء فعاليات كأس العالم لكرة القدم في ألمانيا - أحد لاعبي منتخب المملكة العربية السعودية وهو يشتري مجموعة من الروايات والقصص، وأدركت حينها أن ثقافته حديثاً وكتابةً لم تأت من فراغ، بل هي محصلة منطقية لحرصه على قراءة ما هو جديد ونافع. إنها دعوة إلى المسؤولين في الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى تفعيل هذا الأمر المهم، ويمكن ذلك بالتعاون مع وزارة الثقافة والإعلام، وكذلك التعاون مع المكتبات العامة والخاصة. إنها مسؤولية مشتركة بين القطاعات التي تعنى بالشأن الثقافي لتنشيط ثقافة الرياضيين. إن الأمل كبير بأن نشاهد قريباً كتباً وروايات وقصصاً ومجلات في مقرات الأندية الرياضية، وفي معسكرات منتخباتنا المختلفة؛ لتكون بديلاً ولو لبعض الوقت عن لعبة (البلوت). وإذا حدث هذا، فإننا سنقول جميعاً بصوت عال ومسموع: لقد تحقَّق الثالوث الذي يتربع على مقدمة أبواب أنديتنا الرياضية (رياضي، ثقافي، اجتماعي). [email protected]