نشر في صحيفة الجزيرة الغراء العدد رقم 12462 الصادر يوم السبت المصادف العشرين من شهر شوال لعام 1427ه في الصحفة الثانية والثلاثين مقال بقلم الدكتور المؤرخ عبدالرحمن الفريح العفنان التميمي تحت عنوان (مسلسل خالد بن الوليد ووقفة مع تاريخ صدر الإسلام). وقد تطرق الدكتور إلى حرب الردة بحيث نفى الردة عن قبائل بني تميم وألصقها في قبائل ربيعة، وأنكر نسب سجاح من تميم واثبته في قبيلة تغلب الربعية، وأخذ في بعض أقوال المؤرخين وأهمل البعض الآخر، وتجاهل دور قبائل ربيعة في محاربة المرتدين مثل قبيلة عبدالقيس الربعية، وغيرها من قادة الإسلام. ولذلك لا يخفى على الدكتور عبدالرحمن الفريح أن التاريخ أمانة ويجب أن يذكر في ايجابياته وسلبياته لأخذ العبر من الماضي وما كان يحدث بين القبائل العربية من تقاتل قبل الإسلام في أيام العرب في الجاهلية خصوصاً بين قبيلتين من عتاة العرب وهما ربيعة وتميم مثل (يوم الوقيط وثيتل وجدود وزرود وذي طلح والأياد والغبيط وقشاوة وزبالة ومبايض والزورين وعاقل والشيطين والوقبي والشباك)، كما أن لربيعة أياماً بينها وكذلك أيام العرب في الإسلام منذ بداية فتنة عبدالله بن سبأ في مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه ومروراً بالجمل وصفين وحروب الردة ثم موقعة الجحاف بالبشر حروب القيسية واليمانية وظهور الفرق في عهد الدولة الأموية والعباسية وغزو التتار وغيرها من الأحداث الأليمة والمحن التي مرت بالمسلمين. ولسيت بمعرض التحدث عن تلك الأحداث فقد كتب عنها في مصادر كثيرة منها: تاريخ الرسل والملوك للطبري والكامل في التاريخ لابن الأثير وجمهرة النسب لابن هشام الكلبي ومروج الذهب للمسعودي وأيام العرب في الجاهلية والإسلام تأليف محمد أبو الفضل ابراهيم وعلي محمد البجاوي. والمصادر التي ذكرت حروب الردة كثيرة. وإنني على ثقة بأن الدكتور يعرف تمام المعرفة أن سجاح هي بنت الحارث بن سويد بن عقفان من بني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وهي من قبيلة بني تميم صليبة، وليس من تغلب كما ذكر الدكتور في مقاله، وإنما كانت متزوجة في تغلب وكانت تغلب أخوالها كما أن رهطها بنو عقفان كانوا مع تغلب حلفاً، وهذا لا ينكر، فلماذا سعادته ينسبها لتغلب بن وائل؟ وقد قال عطارد بن حاجب التميمي عندما تنبأت سجاح: اضحت نبيتنا انثى نطيف بها وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا وقد جاء في خبر يوم البطاح سنة 11ه وهو من أيام العرب لخالد بن الوليد على نبي تميم حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر على بطون بني تميم أمراء فرقهم فيهم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم وتولى أبوبكر اختلف هؤلاء أيؤدون الزكاة لأبي بكر أم يقسمونها في الناس. وكان فيمن أدى الزكاة صفوان بن صفوان التميمي، وفيمن منعها مالك بن نويرة التميمي في قومه بني يربوع وهم بطن من بني حنظلة من تميم. وبينما القوم في اختلافهم قدمت إليهم سجاح بنت الحارث من الجزيرة بالعراق، فأقبلت ومعها الهذيل بن عمران في بني تغلب بن وائل وعقة بن هلال في بني النمر بن قاسط وتاد ابن فلان في أياد والسليل بن قيس في بني شيبان، فأتى بني تميم أمر دهي هو اعظم مما فيه الناس لهجوم سجاح عليهم ولما هم فيه من اختلاف الكلمة والتشاغل بما بينهم قال عفيف بن المنذر في ذلك: ألم يأتيك والأنباء تسري بما لاقت سراة بني تميم تداعى من سراتهم رجالاً وكانوا في الذوائب والصميم والجوهم وكان لهم جناب إلى أحياء خالية وخيم وكانت سجاح قد تنبأت بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجزيرة فأقبلوا معها هؤلاء الرؤساء لتغزو المدينة وأن تقاتل أبا بكر. فلما رأى بنو تميم وهم على اختلافهم عزمها على قتال أبي بكر أزدادوا اضطراباً بين الردة والإسلام ووقف سجاح في جندها على حدود بني يربوع وأرسلت إلى زعيهم مالك بن نويرة تطلب الموادعة وأنبأته بعزمها على غزو المدينة فأجابها مالك بالموادعة ولكنه صرفها عن غزو المدينة إلى اليمامة وحرضها على قتال من اختلف معه من أحياء بني تميم واقتنعت سجاح برأيه وقالت: نعم فشأنك بمن رأيت فإني إنما أنا امرأة من بني يربوع وإن كان ملكاً فالملك ملككم ثم أرسلت إلى بني مالك بن حنظلة تدعوهم إلى الموادعة فأبوا ثم أرسلت إلى وكيع بن مالك فأجاب إلى ما أجاب به مالك بن نويرة واجتمع مالك ووكيع وسجاح فسجعت لهم وقالت: أعدوا الركاب، واستعدوا للنهاب، ثم أغيروا على الرباب، فليس دونهم حجاب. فاستعرت الحرب بين بني تميم واقتتل القوم ومات من الجانبين خلق كثير، ثم أنهم تصالحوا وعاد السلام إلى بني تميم. ولما رأت أن أمرها لم يتم في بني تميم قالت لجندها من ربيعة وأياد وسواهم: عليكم باليمامة ودفوا دفيف الحمامة فإنها غزوة صرامة لا تلحقهم فيها ملامة. ثم نهدت بمن معها إلى بني حنيفة وبلغ ذلك مسيلمة فهابها وخاف أن هو شغل بها أن يغلبه ثمامة على حجر أو شرحبيل بن حسنة أو القبائل التي حولهم فأهدى لها ثم أرسل إليها يستأمنها على نفسه حتى يأتيها فنزلت الجنود على الأمواء وأذنت له وآمنته فجاءها وافداً في أربعين من بني حنيفة وكانت راسخة في النصرانية قد علمت من علم نصارى تغلب، فقال مسيلمة لنا نصف الأرض وكان لقريش نصفها لو عدلت وقد رد الله عليك النصف الذي ردت قريش فحباك به وكان لها لو قبلت فقالت: لا يرد النصف إلا من حنف فأحمل النصف إلى خيل تراها كالسهف ثم تزوجته ولما رأى مالك بن نويرة ما صنعت سجاح ندم وتحير في أمره وعرف وكيع وغيره من رؤساء بني تميم قبح ما صنعوا فرجعوا رجوعاً حسناً واخرجوا الصدقات واستقبلوا بها خالد بن الوليد ولم يبق من بني تميم إلا مالك بن نويرة فقد اعتصم بالبطاح وعلم خالد بأمره فعزم على المسير إليه فترددت الأنصار وتخلفت عنه ولم يلبث أن جاءت الخيل بمالك بن نويرة فقتل ضرار بن الأزور مالكاً. ولأخيه متمم بن نويرة مراثي من الشعر به، أما سجاح فإنها بعد أن تزوجت مسليمة وأقامت عنده ثلاثة ثم انصرفت إلى قومها، فقالوا ما عندك؟ قالت: وجدت مسليمة على الحق فاتبعته فتزوجته، قالوا: ارجعي إليه فقبيح بمثلك أن ترجع بغير صداق. فرجعت فلما رآها مسليمة أغلق الحصن وقال: مالك؟ قالت: أصدقني صداقاً، قال: من مؤذنك، قالت: شبيث بن ربعي الرياحي، قال: عليَّ به فجاء فقال: ناد في أصحابك أن مسيلمة بن حبيب قد وضع عنكم صلاتين مما أتاكم بها محمد وهي: صلاة العشاء وصلاة الفجر، قال: وكان من أصحابها الزبرقان بن بدر وعطارد بن حاجب وعمرو بن الأهتم وغيلان بن خرشة وشبيب بن ربعي ونظراؤهم من تميم، قال حكيم بن عياش الأعور الكلبي وهو يعيّر مضر ويذكر ربيعة: أتوكم بدين قائم وأتيتم بمنتسخ الآيات في مصحف طب ثم إن سجاح خرجت في جنود الجزيرة بعد أن صالحها مسيلمة على أن يحمل إليها نصف غلات اليمامة فاحتملته وأنصرفت به إلى الجزيرة فلم تزل في بني تغلب حتى نقلهم معاوية عام الجماعة في زمانه وكان معاوية حين أجمع عليه أهل العراق بعد علي أخرج من الكوفة المستغرب في أمر علي وينزل داره المستغرب في أمر نفسه من أهل الشام وأهل البصرة وأهل الجزيرة وهم الذين يقال لهم النوافل في الأمصار فأخرج من الكوفة القعقاع بن عمرو بن مالك إلى إيليا بفلسطين فطلب إليه أن ينزل منازل بني عقفان وينقلهم إلى بني تميم فنقلهم من الجزيرة إلى الكوفة وأنزلهم منازل القعقاع وبني أبيه وجاءت معه سجاح وحسن إسلامها. انتهى