تمثل ظاهرة العنف ضد الأطفال ما يشبه رواية من روايات الرعب التي كثيراً ما تظل محبوسة في طي الصدور؛ إذ يُستَخدم العنف ضد أضعف أفراد المجتمع وأعجزهم عن حماية أنفسهم، وهم الأطفال في المدارس، يواجه الأطفال العنف والضرب حتى يصبح العنف جزءاً معتاداً من تجربته في المدرسة؛ ففي كثير من البلدان لا يزال العقاب البدني مسموحاً به كأسلوب لفرض الانضباط في المدارس، حيث يتعرض الأطفال للضرب الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى إصابات خطيرة والعقاب البدني يُعلِّم الأطفال أنه طريقة مقبولة لحل المشاكل. وعلى مستوى التعليم لا زال الحرص على ضبط الطلاب يدفع بعض المعلمين في مدارسنا على استخدام العصا للمساهمة في حفظ النظام وإعادة الهيبة للمعلم، وفئة أخرى من (التربويين) لا زالوا ممسكين بوسائل القمع المعروفة (اللي الأحمر) وفئة أخرى أشد رحمة لا تستطيع الدخول على الطلاب إلا بالمسطرة الخشبية، ونظام الفلكة الذي ظل ردحاً من الزمن وذاقه الآباء وربما الأجداد لا زال ضارباً أطنابه في مدارس كثيرة. ورغم قرار وزارة التربية والتعليم بمنع الضرب بل ومنع استخدام العصا لجميع منسوبي المدرسة والاستعاضة عن وسائل العقاب الجسدي بوسائل تربوية جاءت فكرة تطبيق لائحة المشاكل السلوكية على الطلاب ولكن المدارس رغم تطبيقها هذه اللائحة إلا أنها لم تلغ وجود العصا والضرب. وقد حفلت صحفنا المحلية خلال الفترة الوجيزة السابقة ببعض هذه الحوادث فضلاً عن حوادث مماثلة داخل أروقة إدارات التعليم وشعب التحقيق والمتابعة والتي لم تصل للصحافة. الحلقة الأولى بطولة وإخراج معلم، والضحية طالب صغير في المرحلة الابتدائية يفتح يديه الصغيرتين ليتعرض للجلد بسلك كهربائي، وإليكم تذكير بسيناريو هذه الحلقة: لم يجد معلم في المرحلة الابتدائية طريقة لمعاقبة طالب سوى ضربه مرات عدة بواسطة سلك كهربائي، على رغم منع وزارة التربية والتعليم الضرب في المدارس. وصور معلم زميله الذي ظهر في مقطع فيديو، مدته نحو دقيقتين، وهو يوجه ضربات للطالب الذي بدا خائفاً ومرتبكاً ويصرخ بشدة من الألم وهو يتلقى ضربات معلمه الذي لم يظهر وجهه في المقطع إلا أنه ظهر عديم (الرحمة) و(الشفقة) خصوصاً أن الطالب راح يتوسله للتوقف عن ضربه. ولم يتبين السبب الذي دفع المعلم إلى معاقبة الطالب بهذه الطريقة القاسية، على رغم أن الطالب كان يحاول إظهار براءته من الذنب الذي يُعاقب من أجله. ويبدو أن المعلم حصل على السلك من جهاز حاسب آلي في المدرسة، ولم يتوقف عن تسديد الضربات إلى الطالب على يديه أولاً ثم على أي مكان في جسمه عندما منعه الألم من فتح يده مرة ثانية، وواصل المعلم ضربه حتى تمكن من فتح الباب والفرار من الغرفة، فتبعته ضربة أخيرة عندما رمى عليه المعلم السلك الذي كان يضربه به. إلا أن قيام كثير من المدرسين بضرب الطلاب يشبه السلوك اليومي، وهذه المخالفات مستمرة بعلم إدارات التعليم والمشرفين ومديري المدارس. ويظهر في المقطع أن عمر الطالب لا يتجاوز 11 سنة، كما يظهر الطالب وهو يتلوى أمام ضربات المعلم التي تتوالى على يديه وباقي جسمه. وفي نهاية المقطع يعطي المعلم الطالب فرصة للخروج من الغرفة، بينما يحاول توجيه الضربة الأخيرة له، متوعداً إياه بعقاب آخر، وسط بكاء الطالب، الذي خرج مذعوراً من الغرفة. مر عام على هذه الحادثة واكتفى المسؤولون في التربية بالتفاعل النظري على نحو ما قاله المدير العام لإدارة التربية والتعليم في المنطقة الشرقية (بنين) الدكتور عبد الرحمن المديرس تعليقاً على الحادثة: (إن أي إساءة نفسية أو جسدية يقوم بها معلم ضد طالب مرفوضة من جانب الوزارة). وأكد أنها (تلقى اهتمام المسؤولين). وأضاف: أن الأنظمة واضحة في هذا الجانب، فهي تؤكد على أن أسلوب الضرب أو توجيه الإهانات مرفوض جملة وتفصيلاً، وهي من الأمور التي لا نرتضيها في مدارسنا. وأن التعليمات المعطاة إلى الجميع (تؤكد أن العلاقة بين المعلم والطالب يجب أن تنحو منحى الود والتفاهم والتقيد بالأخلاق الحسنة التي يوصينا بها ديننا الحنيف). وأشار إلى أن الدليل الإجرائي الخاص بهذا الشأن يوضح العلاقة بين الطالب والمعلم، وكيفية التصرف المناسب الذي يتخذ حيال أي أمر. الحلقة الثانية بطولة معلم والضحية كالعادة طالب ابتدائية لم يتجاوز الثامنة من عمره.. السيناريو مرة أخرى (رفع مواطن شكوى إلى المدير العام للتربية والتعليم في منطقة القصيم، ولشرطة بريدة، ضد معلم في مدرسة ابتدائية في حي الفايزية في مدينة بريدة، ضرب طفله الذي يدرس في الصف الثاني الابتدائي فشج رأسه بمسطرة خشبية ذات طرف حديد حاد على رأسه، فسبب له جرحاً استلزم نقله إلى مستوصف، وإجراء خياطة للجرح بثلاث غرز). مرت سبعة أشهر على هذه الحادثة والتفاعل الرسمي من التربية على نحو ما قاله مساعد مدير إدارة التربية والتعليم في منطقة القصيم فهد الأحمد بوجود الشكوى، وأن (الإدارة مهتمة بالموضوع، وأحيلت شكوى المواطن إلى إدارة المتابعة لإجراء تحقيق موسع، مؤكداً أن الإدارة ستحاسب المعلم إذا ثبت خطؤه، وستحميه إذا ثبت عكس ذلك). الحلقة الثالثة بطلها وكيل مدرسة والضحية طالب لم يتجاوز عمره 12 سنة نعيد تفاصيلها من باب التذكير في شكوى تقدم بها والد الطالب مصطفى مليس 12 سنة بالصف الخامس الابتدائي ضد وكيل مدرسته بعد أن عاد إلى منزله في حالة غير طبيعية وعندها اشتبهت والدته بحالته وعندما كشفت عن جسده لاحظت آثار الضرب على جسمه، وقام والده بنقله إلى المركز الصحي وتمت احالته إلى مستشفى السليمي بعد أن اعد المركز تقريرا بالحالة. وابان التقرير الطبي أن الطالب تعرض للضرب المبرح مما نتج عنه ضربة بأعلى اليد اليمنى وانتفاخاً وجرحاً سطحياً وورماً في اعلى الكتفين تغير لون الجلد إلى اللونين الاحمر والاخضر الذي يبين أنه تعرض للضرب بشدة وعنف في منطقة اسفل الظهر وعن يمين ويسار العمود الفقري واليد اليسرى في الاعلى قبل المفصل ضربة قوية بطول 5سم وضربة عرضية بطول 4سم ومنطقة القفص الصدري في الجهة اليمنى ضربة عنيفة بطول 10سم بشكل طولي. وعن أسباب هذا الاعتداء من قبل الوكيل تشير المعلومات إلى أن ستارة النافذة في الصف سقطت فاتهم وكيل مدرسة الحليفة السفلى الطالب مصطفى بأنه تسبب فيها فانهال عليه ضربا بسوط بلاستيكي كان يحمله داخل مكتب الإدارة واعاده إلى الصف حتى نهاية اليوم الدراسي، وبعد مرور وقت طويل لا زالت إدارة التربية والتعليم بحائل تحقق في الموضوع ولم تعلن رسمياً أي نتيجة للتحقيق!!. الحلقة الرابعة إلى العاشرة بطلها معلمون وضحاياها طلاب لا يكاد يمر أسبوع من دون وقوع حوادث ضرب في مدارسنا. وتكثر تلك الحوادث في مدارس البنين. في الأسبوع الماضي حفلت متوسطة جعفر بن الزبير بحادثة ضرب معلم الرياضيات لأحد الطلاب مما أدى إلى إصابته في الفك والأسنان كما تعرض طالب آخر في إحدى المدارس شرق الرياض للجلد على ظهره من معلم وافد وتحوي سجلات إدارات التربية والتعليم في المناطق حوادث عنف بين معلمين وطلابهم. ولا تقتصر حوادث الضرب على ما يرتكبه المعلمون ضد طلابهم، فهناك طلاب يقدمون على ضرب معلميهم، خصوصاً في المرحلة الثانوية. وصدر أخيراً قرار بفصل طالب اعتدى على معلم لغة عربية في إحدى مدارس منطقة الجوف، بعد أن وجه له ضربات عدة ب(العقال)، وحرم الطالب من الدراسة لمدة عام كامل. ووزع القرار على جميع المدارس بالمملكة، مع اسم الطالب ورقم بطاقة أحواله المدنية. وفي المقابل قام معلم في إحدى مدارس النعيرية، بالاعتداء على طالب في المرحلة الابتدائية، حين صفعه على وجهه ب(العقال) أيضاً. وتسبب تصرف المعلم في (عقدة نفسية عنيفة للطالب)، الذي يعتبر (واحداً من أكثر طلبة المدرسة تفوقاً واجتهاداً) على حد قول أحد أقاربه، الذي أكد أن أسرة الطالب تقدمت إلى إدارة المدرسة بشكوى ضد المعلم. في حين قال مدير المدرسة أن (الحادث ليس هو الأول للمعلم، بل سبق له أن ضرب طلاباً آخرين). وشهدت مدرسة (السرايا) المتوسطة في مدينة الدمام العام المنصرم حادث اعتداء معلم على طالب يدرس في الصف الثاني المتوسط، بواسطة قضيب ألمنيوم، انهال به على ظهر الطالب، ما تسبب له بكدمات وجروح. والسبب شجار وقع بين الطالب وزميل له. فيما تقدم والد طالب قبل عام بشكوى إلى إدارة التربية والتعليم في المنطقة الشرقية ضد معلم ابنه الذي يدرس في إحدى مدارس تحفيظ القرآن الكريم، لأنه ضربه ضرباً مبرحاً، تأديباً له، لضحكه أثناء شرح الدرس. ولم تكن مدارس البنات بعيدة عن حوادث الضرب، حيث أوقفت مديرة إحدى المدارس المتوسطة في القطيف سبع طالبات من الصباح وحتى نهاية الدوام، وضربت بعضهن بغصن شجرة، لأنهن تغيبن في اليوم السابق عن الحضور. فيما استخدمت معلمة في إحدى مدارس جدة حقيبتها الحديدية في ضرب طالبة في الصف الثاني الابتدائي، وأثرت الضربة على عينيها. وتحظر تعليمات أصدرتها وزارة التربية والتعليم منذ سنوات طويلة الضرب واستخدام العصا وفي تعميم حديث بعد صدور ميثاق أخلاقيات مهنة التعليم وجه وكيل وزارة التربية والتعليم للتعليم والشؤون المدرسية علي بن ناصر الوزرة إدارات تربية وتعليم البنين والبنات في المناطق والمحافظات إلى الاهتمام بتكوين شخصية الطالب والطالبة لتحقيق النمو السوي والمتناسق والكامل لشخصياتهم ودعا إلى حماية الطالب من أي شكل من أشكال الإساءة النفسية أو العقلية أو البدنية لإيجاد شخصية سوية، من خلال تطبيق التعاميم المنظمة لذلك والخاصة بمنع الضرب، وحمل العصا داخل المدرسة إضافة إلى تفعيل لائحة قواعد تنظيم السلوك والمواظبة في مراحل التعليم العام وميثاق أخلاقيات مهنة التعليم في المملكة. ودعا المشرفين التربويين ومديري المدارس والمعلمين والمرشدين الطلابيين إلى إعداد برامج إثرائية تعاونية بينهم من شأنها تعزيز مكانة الطالب والصورة الإيجابية له ومبدأ احترامه ورعاية حاجاته للتقدير. وشدد على المربين من معلمين ومديري مدارس للاهتمام بإعداد أنفسهم علميا وتربويا وثقافيا ليكونوا المربين القدوة، مؤكداً أن ذلك من أنجح الوسائل لإقامة علاقة احترام وتقدير متبادلة مع الطالب، مشيرا إلى تحقيق هذه العلاقة عبر إعداد المربي الإعداد العلمي لموضوع الدرس بالتحضير الذهني والكتابي الجيد والفهم المتكامل لمفرداته مع عرض الدرس بالطرائق الحديثة للتدريس التي تقوم على تفعيل دور الطالب ومشاركته الإيجابية في الدرس وملء مفردات وقته بالعمل المخطط. وأكد على ضرورة تقديم المشرفين التربويين لبرامج إثرائية وتدريبية في مجال إدارة الصف والاتصال الفاعل والعلاقات الإنسانية وطرائق التدريس الحديثة التي تمكن المعلم والطالب من التفاعل في بيئة تربوية سليمة. مطالبا المشرفين التربويين بمتابعة مدى تفعيل المدارس للتعميمات الصادرة من الوزارة والمنظمة للتعامل بين المعلمين والطلاب مع رصد ما يحدث من تجاوزات واتخاذ الإجراءات المناسبة لعلاجها. وتفعيل دور اللجان التربوية في المدرسة وخاصة لجنة رعاية السلوك، ولجنة التوجيه والإرشاد، ولجنة التوعية الإسلامية. وتعتبر الوزارة أن مبدأ الضرب والعقاب البدني يتعارض مع الدور التربوي المفترض للمعلم لذا قدمت بديلاً للعقاب، مثل الخصم من درجات المادة الدراسية، أو من علامات (السلوك) و(المواظبة). وفي حال كان خطأ الطالب شنيعاً، فبالإمكان فصله أو إيقافه عن الدراسة موقتاً، وحتى تحويله إلى الجهات الأمنية للتعامل مع الحادث، إذا كان له طابع جنائي. بيد أن عدداً من المعلمين لا يبدون حرصاً كبيراً على تطبيق تعليمات الوزارة، التي ينشط مشرفوها التربويون في ملاحقة المعلمين والمعلمات في الالتزام بها.