أصبح الفضاء يعج بالقنوات الفضائية، المتخصصة منها والعامة، تشكيلة متنوعة من البرامج تبث على مدار الساعة فيها من الخير القليل، ومن الشر الكثير، مع استثناء بعض المحطات الجادة التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة. إلى عهد قريب، سيطرت محطات الأخبار والمنوعات على فضائنا العربي مستأثرة بنسبة كبيرة من المشاهدين، وهي السيطرة التي باتت محل مراجعة وتمحيص بعد أن دخلت القنوات المتخصصة حلبة المنافسة، ومنها القنوات الاقتصادية. دخول القنوات الاقتصادية المتخصصة أدى بمحطات الأخبار والمنوعات إلى إعادة تشكيل خريطة برامجها للحفاظ على حصتها في سوق المشاهدين. دون أدنى شك تم التركيز على البرامج الخاصة بالأسهم الخليجية، والسعودية على وجه الخصوص. أثبتت بعض المحطات الإخبارية كفاءة عالية في تقديمها لبرامج أسواق المال، واستطاعت أن تستقطب الخبراء والأكاديميين الذين أثروا الساحة وساعدوا كثيرا في تثقيف الرأي العام، والمستثمرين على وجه الخصوص، وحرصوا على تطبيق المعايير الخاصة التي تكفل العدالة والنزاهة لكل ما يصدر عنها من أخبار أو تحليل. وفي مقابل ذلك، ابتلي الوسط الإعلامي بانتشار محطات، وبرامج متخصصة لا علاقة لها بالمهنية الإعلامية، أو التخصص الاقتصادي. بعض تلك القنوات، والبرامج المتخصصة في أسواق المال أصبحت تشكل معول هدم للسوق السعودية من خلال ما تبثه من برامج سلبية يغلب عليها طابع التوجيه المتعمد. بعض هذه القنوات نجحت في تصنيف المحللين الماليين المتعاونين معها، ومقدمي برامجها على أساس رؤيتهم التشاؤمية أو التفاؤلية للسوق، التي يمكن من خلالها تحقيق الأهداف المستقبلية الخاصة. قد يعترض البعض على ما أقول، ولكنها الحقيقة التي لا يود الآخرون سماعها. نحن نتعامل مع سوق ضخمة يبلغ متوسط حجم التداول اليومي فيها 22 مليار ريال، يمكن من خلالها تحقيق ثروات طائلة للمحترفين الذين يمتلكون رؤوس الأموال الضخمة، والمدعمة بالوسائل الدعائية الحديثة التي تأتي في مقدمتها المحطات الفضائية، والبرامج المتخصصة. هناك أكثر من ثلاثة ملايين مستثمر ومستثمرة، غالبيتهم من البسطاء الذين يثقون ثقة تامة فيما تبثه الفضائيات، ويعتمدون كثيرا على آراء المحللين وأطروحاتهم الاقتصادية. يتدافعون للشراء مع أول إشارة إيجابية يتلقونها من محللي الأسهم، ويتقافزون من السفينة مذعورين بعد سماعهم لجرس الإنذار الوهمي الذي يطلقه المرجفون. هم أدوات بشرية تتحول مع مرور الزمن إلى وقود لإشعال السوق وتهيئة الوجبات الدسمة لكبار المضاربين. الأمر لا يمكن حصره في تحقيق المكاسب المالية، بل يمكن أن يتجاوز ذلك إلى تحقيق الأهداف الإستراتيجية التي تعتمد على زعزعة الأسواق المالية وضرب الاقتصاد من الداخل. بتجرد تام، أعتقد أن بعض القنوات الفضائية أصبحت مصنعا ضخما لترويج الشائعات، والضغط على المتداولين، وتوجيه السوق حسب أهداف محركيها، بل إن بعض تلك المحطات تمادت في تبني أدوارا أكثر عدائية لاقتصادنا الوطني من خلال مطالباتهم الصريحة للمتداولين بسحب استثماراتهم المحلية وتوجيهها نحو أسواق أخرى يجزمون بأنها أكثر ملاءمة من السوق السعودية. أرجو أن تتحرك هيئة السوق المالية لسن قوانين إضافية يمكن لها أن تتعامل بشمولية وحزم مع التجاوزات غير القانونية التي تصدر عن بعض المحطات الفضائية، ومحلليها الماليين، حماية للسوق والمتداولين. القانون وحده هو القادر على وقف التجاوزات غير الأخلاقية الملوثة لفضائنا الإعلامي، ومحيطنا الاستثماري النزيه. أخشى أن نصل إلى اليوم الذي يصر فيه المضاربون على إنشاء قنوات الأسهم الخاصة بهم، خصوصا وأن تكلفة إنشائها أقل بكثير مما يدفعونه لمروجي الشائعات، والمتعاونين من أصحاب الاختصاص!.