بالتأكيد لم يكن العام المالي 2004م عاما عاديا بالنسبة لسوق الأسهم السعودي والذي شهد تطورات وأحداثاً هامة كبيرة سوف تكون مرجعية هامة في السنوات القادمة، سواء للمستثمرين أو للباحثين والمراقبين، والسؤال هو كيف ذلك؟ تطورات اقتصادية بارزة ومميزة، حيث انعكس هذا التميز والبروز من خلال لغة الأرقام ببلوغ الناتج المحلي الاسمي ما يقرب من 900 مليار ريال سعودي، كما قدر فائض الميزانية الحكومية بنحو 98 مليار ريال. في حين واصل مؤشر سوق الأسهم إلى مبلغ لم يلفظه أحد من قبل في المملكة وبدأ السوق يتجاوز مبلغ التريليون ريال حتى قبل نهاية العام 2004م بنمو تجاوز 86٪، وبطبيعة الحال غني عن القول تفاصيل هذه الأرقام وما تعنيه من كونها جميعا مؤشرات إيجابية كانت بالفعل أرقاما مذهلة تم تحقيقها خلال العام المالي 2004م، ناهيك عن العديد من التطورات الاقتصادية في القطاعات الأخرى والتي على رأسها أسعار برميل النفط والذي تجاوز في بعض فترات العام 50 دولارا للبرميل، ورغم ذلك أعتقد أننا ما نزال في حاجة إلى قرارات إستراتيجية تدعم تواجد المملكة خارجيا وكذلك تدعم فتح الأبواب الاستثمارية داخليا وتزيد من مستويات الثقة المنشودة للسوق المالي. ونأمل أن يكون ذلك في القريب العاجل. وعودة على موضعنا سوق الأسهم حيث تجاوز نمو مؤشر السوق نسبة 86٪ تقريباً، رغم ذلك يمكن القول بشيء من الاعتقاد الجازم وليس الظن أنه لم يكن سوق الأسهم المحلي يمثل مناخ استثمار بمعناه الحقيقي وإنما كان سوق مضاربة، حيث ان أساسيات السوق لم تكن مطبقة من ناحية التنظيم أو من ناحية المستثمرين وأساسيات قرارات البيع والشراء، وهذا حقيقة يصعب الابتعاد عنها بدليل التذبذبات والتقلبات التي تحدث للسوق دون وجود مؤشرات تدعم هذه التقلبات السلبية التي صاحبت السوق بين فترة وأخرى. فما حدث في سبتمبر 2003م وما حدث في مايو 2004م من تراجع حاد للسوق بنسب تتراوح بين 15٪ و19٪ مما أدى إلى خسارة المستثمرين في السوق ما يقرب من 200 مليار ريال دون وجود أدنى سبب يمكن لأي محلل مالي الاعتماد عليه لتبرير هذا التراجع الكبير من الناحية الاقتصادية، أيضا التراجع الحاد الذي كان ما بين نهاية نوفمبر ومنتصف ديسمبر 2004م. لكن وبكل أسف هناك سبب أدى إلى هذه التراجعات الحادة ولكنة غير اقتصادي أو مالي مبرر. أنهم بكل بساطة ما يمكن أن نطلق عليهم البازار أو هوامير السوق باللهجة المحلية الذين اتخذوا من سوق الأسهم ولسنوات طويلة مجالا للتلاعب، بما يتناسب مع توجهاتهم الخاصة دون اعتبار لتأثير ذلك على الاقتصاد السعودي أو على صغار المستثمرين الذين لم يكن لهم أحد يحميهم من سطوة هؤلاء البازار، بطبيعة الحال لن أضع اللوم كله على كاهل هؤلاء البازار بل على كل مستثمر في سوق الأسهم سواء كان صغيرا أو كبيرا في مضاربته، حيث ان السوق كان يصنف على أنه سوق ذو مخاطر عليه بسبب تلك التقلبات التي جعلت البعض يطلق عليه اسم سوق القمار وليس سوق الأسهم. وعلية فإن من دخل السوق عليه أن يتحمل النتائج ولا يطالب بالحماية لأن الذين يطالبون بهذه الحماية لم يطلبوها عندما كان السوق يسير في صالحهم وهم يضاربون بكل شي ودون سؤال أو تحليل وكانوا أيضا يعلمون أن هناك من يصنع السوق لصالحة ويمكن أن يتحرك في أي لحظة في اتجاهات مغايرة دون أدنى مبرر أو سبب حيث لم يكن هنالك ما يمنع حدوث ذلك، ولم يتخذوا التدابير المناسبة لحماية أنفسهم. وسيطرة هؤلاء البازار كانت واضحة وجلية، وأصبحوا في فترة من الفترات يتحكمون في السوق بحيث أن المقرب من هؤلاء كان يتحدث قبل أيام عن أن السوق سوف يتراجع أو ينمون بنسب كذا وكذا، كما وصل الأمر إلى أن يطلق على سوق الأسهم بأنه اليوم سوق فلان من المضاربين المعروفين الذين أصبحوا يتنافسون فيما بينهم على السيطرة على السوق والعمل على تحريك السوق للاتجاه الذي يرغب فيه كل يوم. بطبيعة الحال لم يكن المضاربون من هوامير السوق هم فقط الجانب السلبي الذي كان سائدا في سوق الأسهم قبل بداية تنظيم السوق وإنشاء هيئة سوق المال، وإنما يؤخذ أيضا على سوق الأسهم انه لم يكن يعكس بشكل واضح تقييم الشركات المساهمة التي يتم تداول أسهمها في السوق، فلفترات مضت كانت بعض أسعار الشركات المساهمة الخاسرة تسجل أرقاما قياسية دونما مبرر منطقي إلا بسبب المضاربات التي كانت تقاد من قبل من لهم مصالح معينة في أسهم تلك الشركات، أو بهدف استغلال المستويات الثقافية الاستثمارية المتدنية لشريحة كبيرة من المستثمرين الذين وجدوا أنفسهم بين أمواج سوق الأسهم المتلاطمة حيث يندفعون مع الأمواج الكبيرة (البازار أو الهوامير)، بشكل انقيادي أعمى من خلال بث الإشاعات والتي أصبحت بفضلهم علماً يجب أن يدرس ويتقن حتى يمكن أن يربح ويفهم ما بين أسطر السوق. ومما ساعد على ما تقدم انعدام الشفافية في سوق وصلت قيمته السوقية أكثر من تريليون ريال كما ذكرنا في المقدمة، وهو قصور كبير أدى إلى إشكاليات سوف نضطر إلى دفع قيمتها لاحقا. ومن أهم تلك الإشكاليات في سوق الأسهم استمرار العديد من الشركات المساهمة في الانحراف عن السبب الذي أنشئت من أجله وعدم تحقيقها الأهداف المنشودة لعدم وجود من يحاسبها على عدم قول الحقيقة وإظهارها للمساهمين في الوقت المناسب، وبالتالي تفشي الفساد المالي والإداري في تلك الشركات على نحو كبير بكل أسف. كما أن التنظيمات السابقة للسوق لم تساعد على معالجة تلك المشكلة حيث لم يكن هناك آليات واضحة لإيقاف تداول أسهم شركات معينة أو إدراجها بسبب مستويات الشفافية أو بسبب التجاوزات. كما يؤخذ على سوق الأسهم في الماضي محدودية الشركات المتداول أسهمها ومحدودية أسهم تلك الشركات المتاحة للتداول في السوق بسبب النسب العالية التي تمتلكها الدولة و المستثمرون الإستراتيجيون مما خفض نسبة الأسهم المتداولة من أصل الأسهم المصدرة إلى نحو 50٪ فقط، وهو أمر كان وما زال يؤخذ على سوق الأسهم خصوصا في السنوات الأخيرة مع توافر سيولة نقدية واضحة في السوق المحلي. أما فيما يخص محدودية عدد الشركات فإنه على سبيل المثال لا الحصر لا يوجد شركة مساهمة واحدة تعمل في مجال تقنية المعلومات أو شركة متخصصة في التخصصات الطبية، أو توريد التقنيات الحديثة المختلفة محليا. بينما توجد شركات تتنافس على إنتاج منتجات معينة بشكل أضر بجميع هذه الشركات. ولكن وفي تصوري أن تلك المشاكل والإشكاليات في طريقها إلى الحل، وما نزال في حاجة إلى كثير من الجهد في هذا السبيل، خصوصا مع بدايات أخذ هيئة سوق المال مكانها الطبيعي للقيام بالمهام المنوطه بها. ويجب أن يدرك الجميع وعلى رأسهم بازار السوق أن سوق الأسهم السعودية لم يعد كما كان لقمة سهلة يمكن الاستحواذ عليها وتشكيل مساره بشكل الذي يتمنونه. سوق الأسهم أصبح مؤشرا مهما على متانة الاقتصاد السعودي ويجب المحافظة عليه من التلاعب أو التحايل، حيث انه من المفترض أنه يعكس كمؤشر الحالة الصحية الاقتصاد لا عمليات المضاربة وتحقيق أرباح خيالية خلال فترات لا تتعدى الساعات في بعض الأحيان. اعتقد ان ما كان من ممارسة في السابق في سوق الأسهم في طريقها إلى التوقف التدريجي المنهجي، ويجب أن يتكيف المستثمرون وعلى رأسهم المضاربون وكذلك الشركات المساهمة والمحللون الفنيون والمحللون الماليون مع أنظمة السوق وطبيعة الدور الذي سوف تلعبه هيئة سوق المال والذي يتوقع منها أن تكون السد المنيع في مواجهة من يحاول استغلال السوق خارج نطاق الأنظمة والتنظيم. هناك توجه واضح لزيادة مستويات الشفافية وهو ما يجب أن يكون أولوية في تنظيم سوق الأسهم، كما أن زيادة عدد الشركات بطريقة مدروسة حيث ان سوقا مثل السوق السعودي يجب أن لا يقل عدد الشركات المساهمة فيه عن 300 شركة إذا ما قارنها بالأسواق المجاورة والأسواق العربية الأخرى، مع أهمية التفكير بوضع آليات جديدة لدخول وخروج الشركات من التداول إذا لزم الأمر. يضاف إلى ذلك قضية المحاسبة على السلوكيات أصبحت بعد صدور اللوائح واقعا ويجب تفعيلها بشكل دقيق حتى يتم الحد من التجاوزات وسيطرة المضاربين. وكذلك قضية صناع السوق والذين بكل أسف كانوا في السابق هم المضاربون أنفسهم، ونأمل أن نرى قريبا جهات معتمدة تقوم بالدور المناط بها كما هم في بقية الأسواق العالمية. وأخيرا وليس آخرا فإننا يجب أن نكون متفائلين بأننا سوف نرى سوق الأسهم السعودي في العام 2005م بثوب جديد يناسب الجميع سواء كانوا كبار المستثمرين أو صغارهم، وسواء كانوا مستثمرين إستراتيجيين أو مضاربين. وكل عام والجميع بخير. ٭ محلل مالي