أرواح تلهث خلف أماني.. وأماني تنادي مستقبلاً.. ومستقبل يذرف الدمع على حاضر كئيب.. أجساد تتراقص على ماضي أخاذ.. وعقول تتأمل في صحاري الأحلام وتبني فيها قصوراً شاهقات.. أعياد تلي أعياد وآمال تصارع آلام.. العيد مفردة ألذ من الشهد وأجمل من القمر في ليلة اكتماله.. ترانيم الفرح بين دقائقه تبحث عن ناي يعزف لها.. ولياليه الحالمة تنشد فجر الحب تسكن إليه وتنادي العاشق الصب أن أقبل، صمت المسافات يبكي كمداً ومسافات الصمت تتقاصر تفاؤلاً.. مراكب الشجن تتلقف العيد.. وقلوب العاشقين تنظر العيد وأنفاس التائهين تستعطر عبق العيد. العيد يوم فرح وسرور، ولربما كان ألم وحرقة وتعثر أمنيات وانكسار أرواح! في هذه المقالة سنأخذك أخي القارئ في سياحة أدبية ماتعة مع جميل الحرف وعذب المعاني حيث سنبحر سوياً مع رائع ما جادت به قرائح الشعراء في العيد ومن أروع ما قيل وأشهر ما نظم أبيات لكبير الشعراء وشمسهم أبوالطيب المتنبئ في قصيدته الشهيرة التي هنأ فيها سيف الدولة بالعيد حيث بدأ القصيدة بقوله: لكل امرئٍ من دهره ما تعودا وعادة سيف الدولة الطعن في العدا ثم تلطف مهنئاً مادحاً بقوله: هنيئاً لك العيد الذي أنت عيده وعيد لمن سمَّى وضحى وعيّدا ولا زالت الأعياد لبسك بعده تسلم مخروقاً وتعطي مجددا وللمتنبي قصيدة تسلب الألباب ويرق لها القلب، يبث فيها الشكوى ويندب عاثر حظه ويبكي عظيم أمنياته التي لم تتحقق يقول فيها وهي دالية شهيرة: عيد بأية حال جئت يا عيد بما مضى أم بأمر فيك تجديد أما الأحبة فالبيداء دونهم فليت دونك بيداً دونهم بيد النعم لا تدوم والليالي من طبعها التلون والأيام لا أمان لها. (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (140) سورة آل عمران. ما من إنسان قد عُصم من نوائب الزمان وصروفه، وليس ثمة مركب يسير في لجة الأيام إلا وقد دفعته رياح النوائب.. إليكم قصة المعتمد الشهيرة الملك العظيم الذي عاش مترفاً كأحسن ما يمكن أن يُعاش وذاق ألذ ما عساه أن يُذاق من المتع وقال عنه الشاعر ابن اللبانة: ملك المعتمد من الحصون مائتي حصن وولد له 173 ولداً، وكان لمطبخه في اليوم ثمانية قناطير من اللحم أي قرابة ثلاثمائة وخمسين كيلوجراماً. وقد عاش ابن عباد في أيام ملوك الطوائف وهم ملوك تقاسموا الدولة الأموية في الأندلس وحكمَ كل واحد منهم جزءاً أو دويلة حتى بلغ مجموع تلك الدويلات إحدى وعشرين دولة، لكل دولة منها عرش وملك وقد انتهى أمر المعتمد - رحمه الله - أن وقع في قبضة ابن تاشفين فحبسه في سجن أغمات في تونس فقيراً مجرداً من ماله، وأظله عيد وهو في السجن فقدم إليه نفرٌ، بناته فرأين سوء حاله في السجن والقيد، فقال رحمه الله يصف هذا المشهد الذي يقطع نياط القلوب ويفتت صم الصخر: فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً فجاءت العيد في أغمات مأسورا ترى بناتك في الأطمار جائعة يغزلن للناس ما يملكن قطميرا برزن نحوك للتسليم خاشعة أبصارهن حسيرات مكاسيرا يطأن في التراب والأقدام حافية كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا من بات بعدك في ملك يسر به فإنما بات الأحلام مغرورا وحال الأمة الآن حال لا يسر فهي للأحزان صديقة للمواجع قرينة.. تسكب الدمع وتحمل الألم وما زال لنا في كل بقعة جرح نازف بعد ذاك العز الغابر ويهل علينا عيد جديد، ومن قبله أعياد جاء العيد قفر يباب ونهار بلا خيوط شمس دافئة وربيع بلا ورود.الأمة في غربة وكربة، والأوجاع والآلام، فكيف نفرح، ولا نشعر بمتعة، ما دامت القدس في يد الأعداء، وهذا ما عبر عنه الشاعر الكبير عمر بهاء الدين الأميري - رحمه الله - بقوله: ما العيد والقدس في الأغلال رازحة والمسلمات سبيات لفساق وأستجير برب البيت في قلق على (المدينة) من فتك وإزهاق وأرسل الدعوة الحرى على ثقة بالله في صبر فذ العزم عملاق فالنصر في قدر الله الحكيم على وعد مع الصبر في إيمان سباق وللشاعر (المبدع) الدكتور عبدالرحمن العشماوي أبيات كتبها بمداد من ألم وحرقة حيث يقول في قصيدته (عندما يحزن العيد) راثياً حال الأمة الإسلامية بما يشاهده من معاناتها: أقبلت يا عيد والأحزان نائمة على فراشي وطرف الشوق سهران من أين نفرح يا عيد الجراح وفي قلوبنا من صنوف الهم ألوان؟ من أين نفرح والأحداث عاصفة وللدمى مقل ترنو وآذان؟ وعندما سئل الشاعر الراحل محمد المشعان عن حال العيد معه ماذا يقول له؟ أجاب محاوراً العيد متحسراً على حال الأمة متألماً لأوضاعها قائلاً: ماذا تقول لهذا العيد يا شاعر؟ أقول: يا عيد ألق الرحل أو غادر ما أنت يا عيد والأتراح جاثمة إلا سؤال سخيف مر بالخاطر ما أنت يا عيد والعربان قد ثلكوا جمالهم والمراعي وانتهى الماطر؟ ما أنت يا عيد في قوم يمر بهم ركب الشعوب وهم في دهشة الحائر أسأل الله أن يقبل من المسلمين صالح أعمالهم وأن يعيد عليهم العيد بنصر وتمكين وعزة ورفعة إنه ولي ذلك والقادر عليه. [email protected]