لا يخفى التأثير الإيجابي الذي تتركه بداية كل عام دراسي في نفسيات أبنائنا وبناتنا الطلاب عندما يشتري كل واحد منهم بصحبة والديه مستلزمات الدراسة من دفاتر وأقلام وأدوات؛ نظراً لأنهم هم من يختارها بحسب رغباتهم وميولهم، وتزداد الفرحة والبهجة عند مشاركة آبائهم وأمهاتهم في ذلك الاختيار ومباركته، وتكتمل فرحتهم عند مشاركتهم لزملائهم في أول يوم دراسي ومقابلتهم لمعلميهم ومعلماتهم؛ فرسالتي هنا موجهة إلى كل أخ وأخت جمعني بهم حقل التربية والتعليم.. نعم التربية والتعليم التي نسعى من خلالها كتربويين ومعلمين إلى تحقيق النمو الشامل وبناء الشخصية المتزنة المتكاملة لأبناء وبنات وطننا الغالي. هي شعارات جذابة ومغرية ولا تكاد تخلو منها مكتبة، أو قرطاسية، أو مراكز خدمات المعلمين والطلاب في بداية كل عام دراسي جديد، بل في بداية كل فصل دراسي، ففي هذا العام ذهبت بصحبة أبنائي لشراء حاجاتهم الدراسية من إحدى المكتبات، وبحكم عملي في مجال التربية والتعليم شد انتباهي جملة من العبارات المعلقة على جدران هذه المكتبة، حيث كان منها - على سبيل المثال -: (التحضير الجاهز على سي دي)، (لن تحتاج سوى 10 ثوانٍ لتحضير الدروس)، (حضِّر درسك بسهولة تحضير قهوتك)، (تحاضير المناهج الدراسية على سي دي). لا أخفيكم كم تألمت من تلك العبارات التجارية الخالية من كل المعاني التي تسعى التربية إلى تحقيقها في بلادنا، وأدركت أن عمر فرحة طلابنا ستنتهي بنهاية يومهم الدراسي الأول؛ لأن من المعلمين والمعلمات من سيقتل طموح ودافعية هؤلاء الطلبة بسبب أن هذه الفئة المنتسبة إلى التربية والتعليم أراحت عقلها وجعلت غيرها يفكر عنها. تألمت لذلك لأن هذه الظاهرة بدأت بالانتشار في الأعوام السابقة وزاد انتشارها مؤخراً في تلك الأماكن والمواقع التربوية والتعليمية على شبكة الإنترنت باختلاف توجهاتها. ومما يؤسفنا كمربين أن بعض معلمينا ومعلماتنا يعتبر التخطيط والإعداد للدروس - كما يحلو لهم - تحصيل حاصل وضياع وقت وجهد وعبئاً إضافياً على أنصبتهم التدريسية في المدارس. فمن هذا المنطلق، أقول - مستعينا بالله - إن من أهم السبل التي يستطيع المعلم والمعلمة استخدامها لبناء الشخصية المتزنة المتكاملة للمتعلم حسن وجودة التخطيط والإعداد لكل ما من شأنه تحقيق هذه الشخصية؛ فما يسمى ب(دفتر التحضير) ما هو إلا أداة تخطيط وإعداد لتسهيل بلوغ الهدف الأسمى من التربية والتعليم. قد يبدو لكثير من المعلمين والمعلمات - للوهلة الأولى - أن التخطيط وإعداد الدروس أمر شاق لا فائدة منه، خاصة الذين أمضوا أعواماً عديدة في مجال التربية والتعليم؛ وذلك بسبب النظرة الضيقة وقلة الوعي بأهمية التحضير القبلي للدروس؛ فالتحضير اليومي عبارة عن خريطة يعدها المعلم والمعلمة دليلاً لضمان نجاح الدروس؛ فلعل من أهم الفوائد التي يمكن أن يجنيها المعلمون من التحضير - على سبيل المثال لا الحصر - الآتي: 1- المساعدة في تنظيم طرح المعارف والمعلومات بتسلسل منطقي بعيد عن العشوائية. 2- المساعدة في التغلب على المواقف الطارئة والمحرجة التي قد تحدث داخل الغرفة الصفية. 3- تنمية خبرات ومهارات المعلمين عاماً بعد عام؛ نظراً للتغيرات المتسارعة والمتلاحقة في مجتمع كالمجتمع السعودي التي تجبرهم على مواكبة هذه التغيرات. 4- المساعدة في تحديد الأهداف التربوية الخاصة بكل منهج دراسي والسعي لتحقيقها. 5- التأكد من مناسبة وموافقة الأهداف المحددة مع طبيعة المحتوى المعرفي والأنشطة والوسائل التي سيتم استخدامها أثناء تنفيذ الدروس. 6- التأكد من فاعلية أساليب وطرق التدريس المناسبة لطبيعة الدروس وملاءمتها لطبيعة المتعلمين وميولهم. 7- أخيراً.. المساعدة في اكتشاف الأخطاء العلمية وتحديد الصعوبات الموجودة في المنهج الدراسي فيما يتعلق بالأهداف التربوية، والمحتوى المعرفي، والأنشطة والتطبيقات. ولكي نلمس ثمرة الفوائد المذكورة آنفاً، فإنه لا بد من أن يستشعر المعلمون أن ما يقومون به من تحضير وإعداد ليس مجرد واجب أو أمر مفروض عليهم، إذ لا بد أن يعتبروه جزءاً أساسياً ومحوراً لا يمكن إغفاله وتجاهله لضمان نجاحهم في مهنتهم التي ينتسبون إليها. لا بد من الاندماج الكامل عند التحضير؛ لأن الهدف منه ليس ممارسة الروتين التقليدي والنسخ المتكرر بمرور الأعوام وتغيير خانات التواريخ وتسميات الحصص فقط، وإنما الهدف أسمى من ذلك، حيث لا بد أن تتجلى قدرة المعلمين في توظيف ما لديهم من مهارات إبداعية ومحاولة الإتيان بالجديد لرفع دافعية طلابهم تجاه التعلم. لعلي بعد ذكر أهمية وفوائد التحضير الجيد للدروس اليومية أتطرق إلى بعض السلبيات والمساوئ التي تنعكس على عمليتي التربية والتعليم الناتجة من قوالب التحضير الجاهزة التي أعتقد أن من أهمها الآتي: 1- ضياع هوية المعلم: عندما نقولب العملية التعليمية فإننا نعمل على تغييب هوية المعلم والرسالة والقيم والمبادئ التي يؤمن بها؛ فتقديم هذه القوالب الجاهزة لمعلمينا على مختلف تخصصاتهم يؤدي إلى حرمانهم من صبغ ما يقدمونه من معارف ومعلومات بصبغة تعليمية وتربوية تتناسب مع قدرات طلابهم ومهاراتهم وميولهم وتشبع رغباتهم، بعيدة كل البعد عن أفكار وآراء من يقوم بإعداد هذه القوالب. وهنا يجب الإشارة إلى أنه قد يفهم من هذا أنني ضد الاستفادة مما هو موجود ومجرب. كلا، بل يجب الاستفادة من كل شيء نعتقد أنه مفيد في تحقيق أهداف التربية والتعليم؛ لأن الحكمة ضالة المؤمن أنِّى وجدها فهو أحق بها، ولكن من غير المنطقي والمقبول نهائياً أن نتبنى كل ما تقع عليه أيدينا كما هو الحال في مثل هذه القوالب الجاهزة، حيث لا بد من توظيف ما فيها من فوائد وأفكار لتخدمنا كمربين ومعلمين بطرقنا الخاصة. 2- تعطيل التفكير والإبداع: من المعلوم أن لكل معلم طريقته وأسلوبه في التدريس اللذين لا يشاركه فيهما أحد وإن تشابهت أسماء هذه الطرق والأساليب؛ فأعتقد أن الميل إلى مثل قوالب التحضير الجاهزة - وإن كانت معدة بطريقة تربوية من خبراء تربويين مختصين - يقتل روح الإبداع والتجديد لدى المعلمين ويقلل فرص النجاح والثقة بالنفس للمبتدئين منهم، كما أن هذه القوالب تحدّ - وربما تعطل - عقول المعلمين وقدرتهم على توليد الأفكار؛ لأنهم أصبحوا مجرد آلات تكرير لأفكار وآراء غيرهم بالرغم من عدم رضاهم وقبولهم التام لما يقومون به، والدليل على ذلك عدم قبولهم أن يقوم طلابهم بنسخ الواجبات المنزلية من أحد الطلاب المميزين والمتفوقين.. فيا ترى ما الفرق هنا؟ هل ما يقوم به هؤلاء المعلمون من استنساخ لأفكار وآراء غيرهم حلال لهم ومحرم على طلابهم؟ ترى كيف انقلبت الموازين؟ 3- إغفال تنوع المواقف التعليمية: لا شك أن طرق وأساليب إعداد الدروس تختلف من معلم لآخر، وهذا معلوم عقلاً ومنطقاً، حيث يظهر ذلك في الاختلاف والتباين في تسلسل الأفكار وطرق العرض للمحتوى المعرفي حسب الأولوية والأهمية التي بالطبع تختلف من معلم لآخر، بل تختلف عند المعلم نفسه من درس لآخر. بالإضافة إلى ذلك يرجع هذا التباين إلى عدد من العوامل التي من أهمها اختلاف الفروق الفردية بين الطلاب فيما يتعلق باكتساب المهارات وسرعة الإدراك، وتنوع البيئات الصفية، وتنوع الأهداف التربوية للدروس، واختلاف الوسائل التعليمية والإمكانات المادية، وتنوع الأنشطة والتطبيقات العملية، وتنوع أساليب التقويم وأدواته؛ فكل هذه العوامل تحتم على المعلمين أن يوظفوا أساليبهم الخاصة داخل غرفهم الصفية ليتمكنوا من التعامل الصحيح مع المواقف التعليمية باختلاف أنواعها، كما أن هذا التباين سيجعل المعلمين قريبين من المنهج المدرسي، وعلى اطلاع شامل على محتوياته؛ لأن هذا سيجنبهم العشوائية في التدريس، كما ذُكر سابقاً. فخلاصة القول: إن ما يصلح لفئة معينة من الطلاب تحت ظروف مكانية وزمانية ليس بالضرورة أن يكون قابلاً للتعميم لغيرها من المواقف التعليمية الأخرى. ختاماً.. عزيزي المعلم.. عزيزتي المعلمة.. أتمنى أن أكون قد وفّقت في نقل فكرتي التي تهم كل منتمٍ إلى التربية والتعليم والتي يجب أن نحرص عليها كمربين ومعلمين تربويين عندما نشرع في تحضير دروسنا اليومية؛ فيجب علينا جميعاً من مسؤولين ومشرفين ومعلمين أن نحارب مثل هذه الأفكار التجارية التي لا تعود على تربيتنا وتعليمنا لأبنائنا وبناتنا بمنفعة فعلية وثمرة حقيقية، كما يجب علينا أن نسعى لتطوير مهاراتنا وزيادة الثقة بأنفسنا وأن ما لدينا من أفكار وإبداعات غير محدودة يغنينا عن هذه القوالب الجاهزة. أعزائي المعلمين.. هذه همسة في أُذن كل واحد منكم: (أنت الأصل فلا تكن صورة تقليدية لغيرك). رئيس قسم المناهج وطرق التدريس - كلية المعلمين في الرياض [email protected]