كتاب صغير في حجمه، كبير في فائدته، حرص فيه مؤلفه الدكتور: أحمد بن راشد بن سعيّد أن يغوص في أعماق القلوب، وان يناقش قضايا عديدة هي من مشكلات المجتمع الراهن، بأسلوب الحوار ومبادلة الرأي، اسم الكتاب: بين قلبين: رسائل متبادلة، وهو اسم على مسمى حيث تخاطب هذه الرسائل خلجات القلوب. يقع هذا الكتاب المطبوع عام 1420ه في 106 مائة وست صفحات من القطع الصغير, عرف المؤلف بنفسه في صفحة الغلاف الخارجي الداخلية ومن ذلك انه استاذ مساعد بقسم الإعلام بجامعة الملك سعود بالرياض، حاز الماجستير ثم الدكتوراه في أمريكا في الاتصال الخطابي، وحاز في جامعة الملك سعود بالرياض، جائزتين: الشعر الأولى في المسابقة الجامعية بالرياض، وجائزة الخطابة,, وفي اثناء دراسته العليا في الولاياتالمتحدةالامريكية تولى رئاسة تحرير مجلة المغترب، حوالي اربع سنوات، ورئاسة تحرير مجلة الأمل عام 1988م ورئاسة تحرير مجلة الأسرة لأربع سنوات، وعمل مستشارا لتحرير مجلة المعرفة لمدة عام 1997م. كما صدر له ثلاثة كتب وله أبحاث ومقالات وقصائد منشورة,, فمن هذه السيرة الموجزة، ندرك تمكن الأدب في نفسه، وباكورته الشعرية المبكرة، وولوعه الإعلامي الذي سيطر على مشاعره حتى كان رئيسا لعدة صحف قبل استكمال تحصيله العلمي، ولم تشغله مهنة المتاعب وولعه بها عن المشاركة بكتاباته حيث تقول عنه الاستاذ الدكتور: ناصر بن سعد الرشيد، في تقديمه لهذا الكتاب: بانه يكتب أحياناً على سبيل الهزل، ولكنه في غاية الجدّ كما شهد له في مقالاته، بما يشبه قول محبي أدب ابن المقفع: سهل ممتنع,, عبّر عن ذلك ابن المقفع نفسه عندما سئل عن البلاغة فقال: هي التي اذا رآها الجاهل ظن انه يحسنها، فإذا حاولها عجز عنها,, ففي رسائله المتبادلة يغوص على ما يلامس اوتار القلوب ويجد لكل مشكلة حلا. ولذا يزكيه الدكتور ناصر بقوله: فمقالاته هذه متعة للروح والعقل معا، أي انها تتوخى المتعة والمنفعة معا (ص7) وتزكية الدكتور ناصر له شهادة ترفع من مكانة الكتاب، ومقدرة الكاتب، واستنتاج بأن يكون له في مستقبل أيامه مكانة أدبية إعلامية، برزت علائمها عليه مبكرة، وتكونت لديه الملكة، في قدرته على تصاريف الكلام، حيث ختم الدكتور ناصر مقدمته بشهادة الاستاذ القدير لتلميذه النجيب، المدبجة بعبارات الثناء، وشعور الإعجاب عندما قال: واخيراً فاني لا اخفي إعجابي الشديد بمقدرة الدكتور: احمد السعيّد اللغوية، وبثروته اللفظية، وبتمكنه في تصاريف الكلام، تصاريف المحترف الموهوب باستخدام أسلوب المقامة المسجوعة والمشعورة، ولا غرو فلقد اجتمع للدكتور احمد قدرة أدبية ومهارة اعلامية فهو أديب إعلامي يعرف كيف يصوغ الأسلوب ويصنع التأثير، ومن قرأ هذه المقالات سيجد صدق هذا الإدعاء والله الموفق (ص10). إن الاستاذ الدكتور ناصر بتقديمه هذا فتح الباب للقارىء ليسير مع الكاتب في موضوعه، وأعطى للكتاب حكماً، وأبرز للكتاب مكانة,, فماذا عسى أن يقول من يريد ان يتحدث عن هذا الكتاب، بعد ان شوّق التقديم للقراءة الممتعة والفائدة المتجددة من ثنايا عرض الكاتب الكريم: ما أرانا نقول إلا معاراً أو معاداً من قولنا مكروراً ولذا عندما حاولت الاعتراف بمكانة الدكتور الأدبية وقدراته على معالجة المشكلات الاجتماعية بأسلوبه المتميز، سميت ذلك تأملات في كتاب,, ذلك ان في معالجة الدكتور احمد لقضايا المجتمع نراه يطرحها بين ضدين، يجعل للطرف الأول: شجاعة المبادأة والافصاح عن مكنون النفس، قبل أن ينفجر ذلك المكنون فيحصل ما لا تحمد عقباه، مما يجعل الطرف الثاني: تلين عريكته ويفتح صدره لمبادلة رأي برأي وبسط ما كان خافيا، للبحث والمناقشة بصدر رحب,, مما يهدىء ثائرة النفوس ويئد المشكلات في مهدها. ولذا فقد وجدتني استفيد من هذا الأسلوب، واستعيد قراءة بعض الرسائل أكثر من مرة، متأملا في هيئة العرض، وأسلوب الحوار لدى المؤلف، مع قدرته على التفاعل مع القضايا المختلفة، زوجية واجتماعية وتربوية وإعلامية، وأسرية وغيرها,, مما يبين معه موهبة المؤلف الدقيقة، في الغوص إلى المعاني وإدراك ما يعتمل في المجتمع. وقد استرعى انتباهي في صفحة 4 قبل المحتويات عبارة صغيرة تحتل قلب الصفحة، لا بدّ ان يكون وراءها معانٍ عميقة لم يفصح عنها المؤلف وهي قوله: الى فائزة التي لولاها فقد تكون فائزة هذه أماً او زوجة، او اختاً أو بنتاً أو غير ذلك,, لكن من تأملي في ذلك، الذي تبلور الى ظن مستنتج من الرسائل المتبادلة التي جاءت في هذا الكتاب وعددها تسعة عشر رسالة ,,, أن هذه الفائزة قد تكون زوجة لأن الرسائل المتبادلة عنده بين الزوجين بلغت عشر رسائل مفردة. كما ان الغلاف الخارجي، الذي وردت فيه اربع لقطات من الرسائل كان من بينها لقطتان لزوج يرد على زوجته التي رمته بالبرود، وزوجة تناشد زوجها الاقلاع عن المخدرات,, ولا غرابة فقد قيل وراء كل رجل ناجح امرأة. كان في الكتاب ثمان وثلاثون رسالة مفردة وكل رسالة من هذا العدد بجانبها رسالة متبادلة معها,, فالرسائل حسب موضوعاتها تعتبر تسعة عشر موضوعا. الموضوع الأول رسالتان متبادلتان بين السيارة والجمل,, السيارة تتباهى بسرعتها وقدرتها وفوائدها العديدة, وتنقص من قدر الجمل والجمل يتهم السيارة بالغرور، ويتباهى بمكانته ودوره في حياة الإنسان, ويعدد مساوىء السيارة، وما جنته على البشرية من كوارث، يذكر ذلك الكاتب في أسلوب بديع يذكر بالمناظرات في الأدب العربي بين السيف والقلم، وبين العلم والجهل,, يجعل كل طرف يتعالى على الطرف الآخر فخرا واعتزازاً مع ذكر مثالب خصمه لينقص من قدره، ويحط من مكانته. والموضوع الثاني بين ضرتين: الزوجة الأولى والزوجة الثانية ليجعل كل واحدة منهما تتودد الى الثانية حتى تهنأ المعيشة، وتطيب النفوس، وتمتدح كل منهما الزوج بصفاته واخلاقه، وهذان القلبان يصفو كدرهما ويزول ما فيهما على الآخر, وفي هذا علاج مستمد من شريعة الإسلام,, ما احوج النساء الى تمعنه حتى تخف الغيرة من قلوبهن، ويرضين بحكمة الله في تشريع التعدد المقرون بالعدل وامتثال أمر الله في ذلك. ويأتي الموضوع الثالث في حوار تصوغه رسالتان بين عاملة وفدت من ديار بعيدة وربة المنزل, الأولى تشكو لربة المنزل متاعب العمل، وكثرة الأوامر واتكالية الأبناء والبنات، والأخرى تبدي تعاونا في المخاطبة التي تلين القلوب، والاستعداد لتحمل بعض أعباء المنزل ولا تنس اطراء النفس وتسكين ثائرة العاملة بان جميع اهل المنزل يحبونها ويحترمونها وتحثها على عدم التكاسل. والموضوع الرابع: يتضمن رسالتين بين أم وابنها سعد، الام تلوم ابنها الذي تراه تغيّر بعد زواجه وزاد الامر خروجه من بيت أمه التي تحبّ ان تراه دائما وترى أطفاله فابتعد عنها بسكنه الجديد, وتجتر معه ذكريات ما قبل الزواج عندما كان يستشيرها ويستودعها أسراره ويتحدث معها,, ويبرر الابن لأمه سبب تغيّره بمسؤولياته الجديدة: البيت والأولاد والعمل وعلاقاته بمن حوله,, ومع ابانته الأمور لأمه واعتذاره عن تقصيره، فإنه يرجوها تفهم الأمور وعدم اللّوم المتواصل، ويدعولها بمديد العمر ليريها مدى محبته لها لانها أم ولها حقوق. والموضوع الخامس: يتضمن موضوعا جريئا في رسالتين متبادلتين بين موظف ومديره، ينتقد الموظف مديره بفخامة المكتب وعبوس الوجه، وصعوبة الدخول عليه، او محادثته، ويطلب منه ان يغيّر أسلوبه: بأن يخرج المديرون من مكاتبهم الفاخرة ليسمعوا من موظفيهم ويحادثوهم، ويقربوا من مشكلاتهم وهمومهم, ويبصّر مديره بالصفات المطلوبة في المدير الناجح,, حتى يزول الغبار المفسد لجو العلاقة بين الرئيس والمرؤوس ويسهل معالجة ما يتبرم منه الموظفون. ويجيبه المدير بانه غضب وكاد ان يمزق الرسالة بعد ما قرأها لما بها من الجرأة والنقد ولكنه تأنّى وأعاد قراءتها مرات فوجد ما قاله حق لا مراء فيه,, ثم بدأ يلوم البيروقراطية المتشابكة في العمل الحكومي بعد ان كشف سرا من أسراره ثم يقارن بين المدير الناجح في القطاع الخاص، وما اتيح له من فرص في التدريب والتطوير وما منح من صلاحيات تجعل نجاحه عائدا على العمل، وفي نجاح العمل مزيد من المال, وبين المدير في القطاع العام الذي فيه المحسوبية والشللية في غالب الأحيان,, وتمنى ان تكون هذه الرسالة بداية صحية، وخطوة في الطريق الصحيح. والموضوع السادس: بين زوجين يلوم احدهما الآخر: لماذا لا يتزين له فكل يهتم بالآخرين وينسى رفيق دربه. والسابع بين زوجة وزوجها حول المصاريف ويلومها لماذا لا تعطيه راتبها، وتبرر هي انها تتحمل عنه أمورا كثيرة لها وللأولاد ومرتب الخادمة، وما ينقص من متطلبات المنزل, وتذكره بما حل به من أزمة مالية عندما أخذت إجازة. والثامن بين الزوجين أيضا حول البرود في عواطفهما وعلاقتهما,, وكلها قضايا زوجية تمر بكثير من الناس, وسيجدون في طرحها, وصراحة العلاج ما يعينهم على تخطي عقبات تمرّ بهم ولم يجدوا الشجاعة في حلها,, فكان في الرسائل المتبادلة ما يعين على فتح باب الحوار والنقاش لاذابة ما يعترض الحياة الزوجية من جليد، بإذابته يزول ما في النفوس من جفوة، ويعود الصفاء والوئام الى عش الزوجية، حيث السكينة والمودة والرحمة. ومن معاناة وتجربة المؤلف في عمله الصحفي: يأتي الموضوع التاسع الذي يدور بين كاتب يرفض رئيس التحرير نشر موضوع قدمه ليحتد ويغضب على هذا الاجراء، ويقابله رئيس التحرير برحابة الصدر، والحلم الذي يحتاج إليه كل إنسان، ولكنه يعز مثاله لدى بعض الناس,, مع انه سيد الأخلاق. وفي الموضوع العاشر: يتبادل الرسائل زوج مدمن مخدرات تسلط عليه قرناء السوء حتى فقد السيطرة على نفسه وأهل بيته وأولاده، وفصل من عمله، مع زوجته المغلوبة على امرها، في محاولة لانتشاله من الغرق لعله يرجع الى صوابه, وهذه قضية اجتماعية مهمة ليته ساهم بما وهبه الله من قدرة على النقاش والحوار بوجهات نظر تعين في القضاء على هذه المشكلة العويصة التي سلطها أعداء الإسلام على أبناء المسلمين، للقضاء على شبابهم واستلاب أموالهم وتفتيت مجتمعهم. وفي الموضوع الحادي عشر: ينتقل الى هموم المسلمين الذين تنتابهم المحن، وتتسلّط عليهم الأهواء بالفتن التي يراد بها القضاء على دين الإسلام في أوروبا فينصَّب الحوار في رسالتين متبادلتين بين فتاتين: شيشانية، وبوسنية، لتبث كل منهما أشجانها وما تجّرعتاه من غصص وما أصاب بلادهما من محن اوقد جذوة نارها الصرب والكروات وحلفاؤهم الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت على امتداد العالم النصراني. إنه يذكر هنا مأساة شعوب مسلمة تريد ان تنعم بدينها الحق عبادة وعملا لترتبط بالعالم الإسلامي في آسيا وأفريقيا ويرتفع اسم الله عاليا مدوياً في الهلال الإسلامي الممتد من شرق أوروبا الى حدود الصين ولخوفهم من هذا الهلال اجتمعوا على الخوف منه وكراهيته وعزموا على القضاء عليه وتدميره. وتختم عزيزة الشيشانية رسالتها لأختها في العقيدة والمصير: سميرة البوسنية بقولها: اختي الحبيبة: لا أدري هل اعزّيك أم أعزّي نفسي في مصائبنا وآلامنا: تقولين: إن البشناق هم وقود المحرقة، وأقول ان الوصف ينطبق علينا ايضاً، نحن جميعا وقودنظام عالمي جديد لا اعني نظامهم المبني على الظلم والنهب والعدوان، والاستغلال بل نظام عالمي نابع من العدل والحرية، والقوة والرحمة ذلك النظام الذي يتمخض ليرى النور بإذن الله,, نحن وقود ذلك الفجر والفجر لا بد آت (ص 65). وفي الموضوع الثاني عشر تأتي الرسالتان المتبادلان في حوار ديني عاطفي بين أب مسنّ مع ابنه بعد عودتهما من عزاء لصديق الأب الذي يراه الأب تقريبا لمسافة الرحيل للدار الآخرة، حيث ذهب طعم الحياة بعد وفاة ذلك الصديق العزيز,, وبعد ان عبّر الأب عن همومه وما تركه رحيل اقرب الناس الى نفسه، وما حاول الابن تسلية ابيه به قال: انا لا اقلل من برّك وحرصك يابني على نيل رضائي لكني اشعر ان طغيان المادة بدأ يجرف علاقاتنا الاجتماعية، وقيمنا الروحية، باختصار أشعر بالفراغ فراغ العالم الكبير من حولي، وفراغ عالمي الصغير الذي لا يقطعه إلا زياراتكم القصيرة، واسئلتكم الروتينية عن صحتي: هل زاد السكر؟ هل تماثلت ركبتك للشفاء؟ إلخ,, الحمد لله الذي وفقني لذكره، والأنس بطاعته، مما خفف عني وطأة الأيام وبرودتها، اجل انها باردة وثقيلة لولا فضل الله وبقية من دين وبرّ ولا ينبئك مثل خبير (ص 68). وبعد ان اورد موضوعات تعليمية وتربوية وغيرها استمدت من المحيط التعليمي بالجامعة، حيث عاش فيها طالبا وامتد معها استاذاً يربي الأجيال، وأورد شيئا من شجونهم في هذا المحيط,, ختم موضوعاته بالتاسع عشر المتمثل في رسالتين: بين جدّة عجوز تخاطب الدش وما احدث في المجتمع من تغيرات وثقافات مغرية بصور النساء والروايات والبرامج,, وهي مخاطبة بين جيلين القديم باساطيره ومحافظته وقيمه المستمدة من الدين والجديد المستمد من الدش وما ينقل من أمور تعتبر دخيلة على المجتمع الإسلامي. والحق يقال: لقد استمتعت بقراءة هذه الرسائل، وما تحمل من آراء ناضجة جديرة بان يهتم بها كل فرد، تعالج ما يعترض الحياة، وتضع الرموز لحقائق يجب ألا تنسى,, تأتي هذه الرسائل بأساليب أدبية تمزج بين الجديد والقديم: القديم كمقامات الحريري والهمذاني والجديد في الاسلوب الأدبي الرصين يصوغه ذلك المؤلف في قالب إسلامي يعطي كل حرب لبوسها، حيث أبدع في صياغته، وزان ذلك بشواهد شعرية تنطلق من ذوقه الفطري وهوايته المتمكنة فهو كتاب جدير بالقراءة على مختلف المستويات. إباء الضيم: جاء عند ابن الاثير: ان عمرو بن هند صاحب الحيرة قال يوما لجلسائه: هل تعلمون ان أحدا من أهل مملكتي من العرب يأنف ان تخدم أمه أمي؟ قالوا: ما نعرف إلا عمرو بن كلثوم التغلبي، فإن أمه ليلى بنت مهلهل وعمها كليب وزوجها كلثوم، وابنها عمرو، فسكت عمرو على ما في نفسه، وبعث الى عمرو بن كلثوم يستزيره ويأمره بأن تزور أمه ليلى أمه هند بنت الحارث. فقدم عمرو بن كلثوم في فرسان بني تغلب، ومعه أمه ليلى فنزل على شاطىء الفرات، وبلغ عمرو بن هند قدومه فأمر فضربت خيامه بين الحيرة والفرات، وأرسل الى وجوه أهل مملكته وصنع لهم طعاما، ثم دعا الناس إليه فقرب إليهم الطعام على باب السرادق، وجلس هو وعمرو بن كلثوم وخواص أصحابه في السرادق وليلى ام عمرو بن كلثوم مع هند في القبّة وقال عمرو لأمه: إذا فرغ الناس من الطعام ولم يبق إلا الطُّرف فنحّي خدمك عنك، واستخدمي ليلى ومريها فلتناولك الشيء بعد الشيء,, ففعلت هند ما أمرها به ابنها، فلما استُدعي الطُّرف قالت هند لليلى: ناوليني الطبق, قالت لتقم صاحبة الحاجة الى حاجتها: فألحّت عليها, فقالت ليلى: واذلاّه ياآل تغلب فسمعها ولدها عمرو بن كثلوم فثار الدم في وجهه, والقوم يشربون، فعرف عمرو بن هند الشرّ في وجهه، وثار ابن كلثوم الى سيف ابن هند وهو معلقّ بالسرادق وليس هناك سيف غيره أخذه ثم ضرب به رأس عمرو ابن هند فقتله وخرج فنادي ياآل تغلب, فانتهبوا ماله وخيله وسبوا النساء وساروا فلحقوه بالحيرة,, وفي ذلك قال ابن كلثوم معلقته التي منها: بأي مشيئة عمرو بن هند ترى أنا نكون الارذلينا بأي مشيئة عمرو بن هند تطيع بنا الوشاة وتزدرينا (الكامل 1: 231). ومثل ذلك ما جاء في الأغاني ان ابا الأسود الدؤلي حجّ ومعه امرأته، فبينما هي تطوف بالبيت إذ عرض لها عمر بن ابي ربيعة فأتت ابا الأسود فأخبرته، فأتاه فعاتبه فقال عمر: ما فعلت شيئا، فلما عادت للطواف عاد فكلمها: فأخبرت زوجها فأتى عمر وهو جالس مع قوم فقال له: وإني ليثنيني عن الجهل والخنا وعن شتم اقوام خلائق اربع حياء وإسلام وبقيا وانني كريم ومثلي قد يضر وينفع فشتان ما بيني وبينك انني على كل حال استقيم وتظلع فقال عمر له: لست أعود ياعمّ لكلامها بعد هذا اليوم، ثم عاد فكلَّمها فأتت أبا الأسود فأخبرته فجاء إليه فقال له: أنت الفتى وابن الفتى وأخو الفتى وسيّدنا لولا خلائق اربعُ نكولٌ عن الجلىّ وقرب من الخنا ونجلٌ عن الجدوى وأنك تُبَّعُ ثم خرجت للطواف وخرج معها زوجها أبو الأسود الدؤلي، مشتملا على سيف فلما رآهما عمر بن أبي ربيعة أعرض عنها,, فتمثل أبو الأسود: تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتّقي صولة المستأسد الحامي (الأغاني 1: 148).