أُنبئت أن المستحيل ثلاثة (الغول) (والعنقاء) (والخِل الوفي) ويقول العرب في أمثالهم إذا أرادوا الحكم على أي شيء بالاستحالة المطلقة جداً (إن هذا من رابع المستحيلات). قد لا يهمني مطلقاً مسألة (الغول) و(العنقاء) لأنها قضية لا تعنيني بتاتاً.. وبالتالي لا أجد مبرراً لمناقشتها أو التفكير فيها. الذي يهمني مسألة (الخِل الوفي) أو الصديق المخلص. ويبدو لي أن العرب.. أو الشاعر العربي ينطبع بحالة تشاؤمية مغرقة إلى أبعد الحدود في التعمُّق داخل النفس.. وداخل الإحساس.. ويبدو لي أن نفسية الإنسان العربي مضطربة في أكثر الأحوال.. وغير واثقة في كل الأحوال.. إذ ليس من السهل أن نفترض.. أو نؤمن.. أو نؤكد استحالة الصديق المخلص الوفي الذي يحفظ لك العهد.. ويقدم من أجلك التضحية.. صحيح أن الحياة المعاصرة تتسم في أغلب مظاهرها.. وفي كثير من حالاتها بالماديات.. وأن الإنسان المعاصر أصبح إنساناً يعيش حياة لاهثة وراكضة بحيث لم يعد يفكر إلا في مشكلاته الكثيرة والمتعددة.. وأنه إنسان يعيش حالة قلق.. وحالة خوف.. حالة قلق من مشكلات العصر.. وحالة خوف من المستقبل والحاضر، لكن مع هذا أثق أن الإنسان لا يزال يحتفظ بكثير من القيم والأخلاق والمثل الجيدة. إن الإنسان مهما بلغ أو بلغت به الحياة من تعقيد.. ومن منغصات.. ومن مكدرات فلن يتخلى إطلاقاً عن كثير من الأمور الجيدة.. والتعامل النظيف.. والتعايش الممتاز.. والتفاهم والترابط والحب.. نحن نظلم أنفسنا كثيراً جداً.. بل نقسو عليها إلى درجة عنيفة.. ودرجة ظالمة إذا ما كنا نعتقد باستحالة وجود الصديق الوفي. نحن نتهم أنفسنا اتهاماً ظالماً وجائراً وقاسياً ورهيباً إذا كنا نحكم من خلال نفسيات متشائمة بأننا جاحدون.. وأننا وصوليون.. وأننا انتهازيون. نحن نمارس بهذا الاتهام مع أنفسنا نوعاً من العقوق.. ونوعاً من الظلم.. لأننا لسنا في كل الأحوال - على الأقل - رافضين لإنسانياتنا ورافضين لكراماتنا.. ورافضين لمعنى وجودنا.. إن المجتمعات البشرية لا تزال بألف خير.. ولا تزال تتعامل بكل حب وصفاء وود.. والإنسان عملاق في مفاهيمه.. وعملاق في تعامله.. وعملاق في حبه.. ووده.. إن وجود الصديق الوفي.. أو الخِل الوفي متوفر إلى درجة نطمئن أننا لا نزال نعيش كمجتمع نظيف وجيد.. وسنظل كذلك.. إنني أعتز كثيراً باحتفاظي بكثير من الصداقات المخلصة والوفية والرائعة.. التي أجد أنها رصيدي في مسيرتي الحياتية. إن أحكامنا ليست مصيبة في أكثر الأحيان.. ** النهاية.. (يا أصدقاء لشد ما أخشى نهاية الطريق)..