يراد بالحقوق السياسية هنا: تمكين المرأة من تسنّم المناصب القيادية في البلد من رئاسة ووزارة وقضاء ونحوها، وما زال موضوع حقوق المرأة السياسية يشكل هاجساً مقلقاً لدى قطاع كبير من الصحفيين والإعلاميين وبعض المفكرين في عالمنا الإسلامي، حتى إن الكثير منهم ليربط بين مستوى المرأة وحريتها وسعادتها في أي مجتمع كان وبين إمكانية وصولها لهذه المناصب، فالبلد الذي لا يجيز للمرأة تولي الرئاسة والوزارة هو بلد تعيش فيه المرأة الظلم والحيف والقهر والجبروت، وتفقد طعم الحياة والسعادة والرضا الذي تجده المرأة في بلدان أخرى تتولى فيه المرأة هذه المناصب. إن الربط بين تولي المرأة لهذه المناصب وبين حريتها وحقوقها وهمٌ كبيرٌ صدره لنا النقاد الغربيون المتحيزون وتلقفه الإعلاميون وكرروه وأعادوه حتى لقد غدا من المسلمات لدى قطاع من الكتاب والمفكرين، فلا يفهم من منع المرأة من تولي المناصب القيادية إلا الظلم للمرأة، والتجني عليها، ويجتهد في تأويل ما يعارض ذلك لأنه لا يليق بالشريعة الإسلامية. إن المناصب السياسية ليست حقوقاً للمرأة ولا للرجل، بل هي وظائف لخدمة المجتمع يقوم بها الأقوياء الأمناء، يطالبهم المجتمع بالأداء الأمثل لهذه الوظائف، وليست حقوقاً يطالب بها أحد أو جنس. إن وصول أو عدم وصول بعض النساء للمناصب القيادية لا يمكن أن يكون معياراً لحقوق المرأة في ذلك المجتمع، بل ولا يمكن أن يقدم في الحقيقة أي شيء يذكر لحقوق المرأة، فالمناصب القيادية لا يمكن أن تتسع إلا لأعداد قليلة لا يمكن أن تسجل نسبة ضمن عدد النساء الكبير في البلد، فأي قيمة تحس بها الملايين من النساء من وصول خمس أو ست ممن هو من جنسهن إلى هذه المناصب؟! ماذا سيضر المرأة في المجتمع المسلم لو تم استبدال النساء الموجودات في رئاسة بعض الوزارات برجال أكفأ منهن؟ أي حق سيضيع؟ وأي مكانة ستزول؟ غير الوهم المتبدد. إن وجود الرجال في المناصب القيادية لا يعطي بقية الرجال في مجتمعهم قيمة ولا مكانة، فالاتفاق بينهم في الجنس الذكوري لا يمكن أن يحقق لهم مكانة أو يعني لهم حقاً، وما زال الرجال الأكفاء وغير الأكفاء يتولون المناصب فلم يضف الأول شيئاً إلى جنس الذكور، ولم ينقص الثاني شيئاً عن جنس الذكور، وإنما الذي أضافه الأول، وضيعه الآخر هو العدل والحقوق اللذان هما غاية الولايات. ها هي المرأة في الغرب، فمع أن الفرص بينها وبين الرجل في المجال السياسي متساوية، والتعليم واحد، وثقافة المجتمع لا تفرق بينهم، وتجرم أي تفريق بينهم، ومع ذلك فحضور النساء في المجالس البرلمانية لا يتعدى في أعلى الأحوال 13% وتوليهن في المناصب الإدارية لا يتجاوز ال6%، وأما منصب رئاسة الدولة فأعلى حضور لهن عالمياً كان عام 1994م بنسبة لا تتجاوز 5.6% فقط وأما حضور النساء في البحوث السياسية فهو أقل من هذا بكثير، وهو دون أن يدخل ضمن النسبة المئوية. هذه هي نتيجة تولي المرأة للمناصب القيادية، وهي مسألة حسمتها الشريعة الإسلامية من قبل أن تتجه الدول الغربية إلى السماح بها للنساء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيح: (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، وجرى عليه عمل المسلمين فلم تتولَ المرأة المسلمة أي منصب قيادي طيلة عهود الإسلام، وما ذاك تنقصاً للمرأة، ولا هضماً لقدرها، بل مراعاة لطبيعة خلقها وتكوينها (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). وعمل المسلمين على ذلك هو من الإجماع العملي القطعي الذي يفوق الإجماع القولي، فلم تتولَ المرأة قضاء ولا رئاسة ولا وزارة ولا سفارة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم- ولا عهد خلفائه، ولا من جاء بعدهم من التابعين ولا في أي عصر من عصور الإسلام، فما عرف أن امرأة تولت أي ولاية مطلقاً، بل ولا عرف حتى مجرد الترشيح والاقتراح، فلقد اختلف الصحابة يوم السقيفة فيمن يتولى الخليفة، ثم عهد بها أبو بكر لعمر، وجعلها عمر في ستة، وحدثت اقتراحات واعتراضات وفتن فما نقل في رواية صحيحة أن أحداً ولى أو رشح امرأة لأي منصب قيادي، مع وجود الفضليات العاقلات الكُمَّل من نساء الصحابة، فماذا بعد الحق إلا الضلال.