وحدة قاتلة.. إلا من جثمان مترنحة.. دم نازف.. دون جرح منكأ.. هواء طلق.. ليل موحش.. ذئاب عاوية.. وأرواح قد استثارها زمهرير البرد القارس.. وصمت مخيم.. صمت يلف المكان.. لا يخترقه سوى نبضات ساعة موقوتة.. بل وربما تزيد من ثمالتها ما تريد من الدقائق وتنقص من الثواني ما تهفو إليه.. الصباح المعذب ينتظر نوره الغائب.. ليعود إلى عرشه وسط صدر السماء.. الطيور هاجرت.. لم تعد تريد المكان.. هاجرت دون عودة.. بل ودون إنذار مسبق.. وما زال الصمت راسخا.. حب عابر يقف على زاوية الرصيف.. ينتظر حافلة القلوب الرومانسية.. لتأخذه إلى شلالات حمراء.. ولكنه تحول إلى رفاة ممزق من طول الانتظار.. والصمت مرافق له ليسير في جنازته. عاشق ينظر إلى السماء.. يناجي نجمة حورية.. لتترجل من الغيوم وتنزل إليه لتضيف لحياته شيئاً من ذلك السحر.. يرمق.. حتى تطفرت مقلتاه.. فأدرك أنه يبحث عن وميض تحت الرماد.. وصمت يلائمه كالحمأ المسنون. صمت.. وصمت.. وصمت... في عالم الإنسانية.. يعيش ويتأقلم.. يرسل شراراته عبر أهازيج الطيور.. لا يموت.. ولكن أرواحه تجوب العالم بأسره.. تنزع الحروف المتطايرة.. لتحل محلها بالأفواه المحروقة.. أرواح الصمت تقتلني.. حناياي تمزقت.. قلبي استرق.. وجداني تفطر.. وما زال الصمت يسوده ويمتص شغافه.