اطلعت على ما كتبه الأستاذ عبدالرحيم محمود جاموس مدير عام مكاتب اللجنة الشعبية الفلسطينية في صحيفة الجزيرة العدد 12266 بتاريخ 29 إبريل 2006م تحت عنوان: (حماس والعزل السياسي) وذهلت حقيقة لما وجدته في المقال - إن جاز أن نطلق عليه مقالاً - وزاد من ذهولي أن الكاتب ينتمي إلى فلسطين على الرغم من أن كل ما يحمله جوف الموضوع لا يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني وإليكم ما يدلل على ما أزعمه. أخذ (المقال) طابع الخطاب الدعائي السياسي، وهو يصلح كذلك أكثر من كونه مقالاً موضوعياً سياسياً يتناول وقائع يعرفها حتى الطفل الصغير في عصر اتصال الكون وتدفق المعلومات، فمن الواضح أن المقال يحتوي على تباكٍ فاضح على كراسي السلطة التي جلست عليها فتح حتى دارت الدورة عليها ولم يرَ الشعب الفلسطيني ما يطالب به السيد جاموس حماس اليوم من انفراج معيشي أو سياسي ولا حتى من الناحية الأمنية، إذ كانت الأيام تمضي ثقيلة في تاريخ الفلسطينيين، ولم يكن يحدث في الواقع ما يبرهن أن السلطة معنية بأمر الشعب أو مستقبله، إذ أجهضت (أوسلو) القضية المحورية للعرب جميعاً، وأسقطت ما بعدها من الصفقات الخاسرة وجعلت القضية تتقهقر الى الوراء. أما ما تروجه كتابات عبدالرحيم جاموس وأمثاله، فهو يتناغم مع الحصار السياسي الدولي الذي تواجهه حماس وليس الذي تدخل فيه كما يزعم (جاموس)، أما الفوز فلم يكن مفاجئاً، إذ إنه جاء عبر صناديق الاقتراع التي تشرف عليها السلطة ومراقبون دوليون على رأسهم الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، وعبر الشعب وهو وحده الذي يميز الفرق بين السلطتين؛ وبذلك انتفت مقولة ان (م ت ف) ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني والحديث بتلك المقولة البالية مثل حديث صدام حسين أمام القضاة بأنه رئيس العراق، وتجيء الدعوة إلى الاندماج أشبه بالبحث عن الغنائم دون المشاركة في القتال!! كيف يتحدث الأستاذ جاموس عن نضال شعبه لاستعادة حقه من حماس وكانت المنظمة تدين كل عملية فدائية ينفذها الفلسطينيون؟ وأغرب ما في الأمر أنه يحمل حماس مسؤولية المأزق السياسي، وكأنه من صنع يديها، فهل هي المسؤولة عن (أوسلو) أم عن بقية المآزق التي كبلت القضية وكبلت الشعب؟ ويريد لحماس أن تنأى بنفسها عن السياسة، ليس خوفاً عليها وعلى القضية بل لكي تعود (فتح) الى المقاعد مجدداً ثم تبدأ (الموال) الرتيب، تماماً كمن يقول: لا تفعلوا هذا الشيء ويفعل مثله، يريدون لحماس ان تنشغل فقط بالأعمال الخيرية وتترك غنائم السلطة (لرجال للسلطة الأشاوس). ويقول الكاتب جاموس لن تجد حماس لنفسها تغطية سياسية وطنية، لكنه ينسى ان هذا هو الذي حملها الى البرلمان، فأي تغطية أكثر وطنية من هذه؟ وقد أسهب (المقال) في الحديث عن فلسفة العزل السياسي للذات وللآخر وان ذلك يترك المجال سهلاً وخاليا أمام الطرف القوي لينفذ سياسته تجاه الآخر وجعلها واقعاً سياسياً على الأرض، وكأن الأمر لم يكن حادثا الآن.. بل هكذا كان الواقع في عهد السلطة!! كما أن الأستاذ جاموس يعيب على حماس (المنتخبة) ان تقرر سياستها، ويقول ان التفويض الممنوح لا يخول لها ذلك، وبينما ينسى او يتناسى ان (فتح) اشترت وباعت ووقعت دون تفويض من أحد، بل أحياناً في السر حتى لا يعلم أحد قبل ان يكون الجميع أمام الأمر الواقع الذي يأبى الفلسطينيون أن يكون واقعاً أبداً!! لأن المفاوضات السرية التي ذبحت القضية من الوريد الى الوريد بنقلها من إطارها الدولي والإسلامي والعربي، الى قضية حكم ذاتي لأقلية داخل إسرائيل؛ أي مجرد قضية محلية تخص إسرائيل، وأي جريمة في التاريخ أكبر وأشنع من هذه؟ هل يريد جاموس أن تبتعد حماس لكي تعود (فتح) لتجهز على ما تبقى من القضية أم ماذا يريد من حنينه الى السلطة طالما آمن بالخيار الديمقراطي الذي أتى بصوت الشعب؟ أما ما جاء في (المقال) من تهديد بأن الشعب الفلسطيني سيقول كلمته إذا لم ترعوِ حماس لتطلعات (فتح) التي لا تختلف عن تطلعات القوى الدولية، فيجد المرء فيه رائحة انقلاب على الشرعية والعودة إلى انتخابات جديدة يصعد بموجبها رجال (فتح) بعد ان يتم تجويع الشارع، وبث الفوضى، والخوف من المجهول، وهذا أيضاً ينسجم مع السيناريو والتكتيك الدولي ضد الفلسطينيين ممثلين في سلطتهم المنتخبة (حماس)، ويتمنى الأستاذ جاموس ان تقطف (حماس) ثمار نضالها الطويل 18 سنة من خلال انخراطها في مضمار السباق الدولي نحو إرضاء إسرائيل وليس من خلال مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته، لكنه لم يسأل نفسه ماذا انتج نضال (فتح) طويل الأمد المزعوم في هذا المضمار؟ وماذا جلب للقضية وللشعب غير الخزي والعار والانحدار المزري لقضية كانت على رأس اهتمام المحافل الدولية كافة، وصارت اليوم في أضابير السياسة الإسرائيلية وحدها ولا أحد سواها يستطيع ان يقرر متى وكيف وأين يجتمع من بمن. هذه هي الحقيقة مهما تعامينا عنها، وشيء مؤسف ان يقرأ المرء ما قرأناه في مقالة الكاتب جاموس وان يكون هذا المنطق مصدره شخص فلسطيني ويرأس لجاناً شعبية، فمتى يا ترى نستطيع ان نتجرد من نزواتنا الضيقة عند الحديث عن قضية بحجم القضية الفلسطينية التي تهم الأمة بأسرها وليس الشعب الفلسطيني وحده، ألم نقرأ ونسمع ما قاله بيريز My country is before my party وطني قبل حزبي) حينما ترك حزب العمل الذي قام على أكتافه وانتقل الى حزب كاديما من أجل إسرائيل (الوطن)، فكيف بنا نناكف بعضنا، ونحن ندرك ان النتيجة يقطفها العدو وليس أحدنا.. ألا نتعلم من الأيام ومن الدروس التي تتلى أمامنا صباح مساء؟ إنها مأساة كبرى ان توجه جهود أبناء الشعب الفلسطيني الى نحور بعضهم وان يتصيد البعض أخطاء الآخرين ويلغي أخطاءه، والأخطر من ذلك ان يركب البعض موجة الاستعداء الدولي ضد الشعب الفلسطيني في شخصية الممثل الشرعي له من حيث يدرون أو لا يدرون، بدعاوى عدة تخدم في مجملها التوجهات الدولية لطمس معالم القضية وتشتيت الشعب الذي ناضل من أجلها عقوداً عدة، فمتى يستيقظ الناس من غفوتهم ويفيقون من تأثير تخدير الميول الحزبية والسياسية ليضعوا القضية على رأس أولوياتهم بغض النظر عمن يتولى السلطة، مثلما يفعل الآخرون في خدمة قضاياهم، مع العلم ان القضية الفلسطينية هي الأكثر عدلا ومنطقاً. صلاح عمر شنكل