في أول حديث لوسيلة إعلام إسرائيلية منذ اغتيال قائدي حماس أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتسي في 2004م، يقول الدكتور محمود الزهار زعيم حركة حماس في قطاع غزة لصحيفة (هاآرتس): (إن اختطاف الإسرائيليين سيتزايد إذا لم تفرج إسرائيل عن سجناء فلسطينيين). ورغم أن حماس تعتزم المشاركة في الانتخابات البرلمانية، فإن الزهار يدعي في الحديث أن حركته لم تغير سياستها، وأوضح الزهار أن حماس لن توافق على نزع سلاحها إلا إذا حظيت هذه الخطوة بإجماع وطني. كانت خلية من حماس قد اختطفت قبل شهر تقريباً المواطن الإسرائيلي ساسون نوريئيل، وبعد العثور على جثته بُثّ أيضاً شريط فيديو بدا فيه نوريئيل وهو مكبل بالقيود في الأسر. وفي تعقيبه على عملية الاختطاف والقتل، قال الزهار: (إن هذه العملية لم تكن قراراً مركزياً من حماس، بل كانت قرارا من القيادة الميدانية. نحن في غزة لم نكن نعلم بالعملية، ولكن الاختطاف يحظى بتأييد واسع في السجون، وفي المنظمات المختلفة وفي الشارع الفلسطيني. إسرائيل تحتجز اليوم نحو 9 آلاف سجين، ولو أنها أفرجت عن عدد كبير من السجناء كما تعهدت، لما حدث ذلك. إذا لم يُفرج عنهم، فإن هذه العمليات ستتزايد لتصبح ظاهرة). ورداً على سؤال حول ما إذا كان إجراء الانتخابات في يناير المقبل يعد شرطاً لتمديد التهدئة الأمنية إلى ما بعد فترتها الأصلية التي تنتهي في آواخر 2005م، قال الزهار إنه (كانت هناك ثلاثة أسباب دفعت حماس إلى الموافقة على التهدئة: الإفراج عن السجناء، ووقف العمليات العسكرية الإسرائيلية - بما في ذلك عمليات الاجتياح للمدن الفلسطينية والاعتقالات، وإجراء الانتخابات وتنفيذ الإصلاحات في السلطة الفلسطينية. كل هذه التعهدات لم تُنفذ بعد، وفي حالة عدم تنفيذها حالياً فلن يكون هناك جدوى منها. إذا كانت إسرائيل تفهم بعض الشيء في السياسة، فإن عليها أن تفرج عن سجناء، وإذا كانت السلطة الفلسطينية تفهم في السياسة، فإن عليها أن تفي بتعهداتها بالنسبة للانتخابات. وإذا لم تكن هناك ردود إيجابية على هذه المسائل، فإننا لن نبقى ملتزمين بالتهدئة). حرص الزهار في الحديث على الإيضاح أن حماس تحترم بشدة مبادئها ولا تقبل أي عنصر للمفاوضات مع إسرائيل: (أعتقد أن اتفاق أوسلو سيقود الفلسطينيين إلى صفر سياسي كبير، وهو ما قلته علنيا. ولكن الوضع اليوم مغاير: يوجد إجماع فلسطيني على حدود 1967م. يعتقد البعض أن هذا بديل استراتيجي ونهاية القصة، ولكن حماس تتعامل مع هذه الحدود كمرحلة في النضال فقط. ومن ناحيتنا، فإن هذا الموقف لن يتغير أبداً. ربما نوافق على تسويات مؤقتة، ولكننا لن نتخلى عن مبادئنا). يحتمل أنه في غضون ثلاثة أشهر ستشارك حماس في واحدة من أبرز مظاهر ذلك (الصفر) عندما يُنتخب ممثلوها في البرلمان الذي أقيم بموجب اتفاقات أوسلو، وربما يكونون أعضاء في الحكومة. (لسنا شركاء في هذا الصفر التاريخي. لقد سقط اتفاق أوسلو وانتهى. شارون الذي لم يعترف باتفاقات أوسلو عندما كان في المعارضة صفاها عندما أصبح رئيسا للوزراء. لقد انتهت اتفاقات أوسلو مع إعادة احتلال الضفة وغزة في الانتفاضة ومع ظهور خريطة الطريق. لسنا نحن مَنْ خلق هذا الصنم الذي يسمونه أوسلو ونحن لا نعبده. في اللحظة التي تحطم فيه الصنم، تجدنا نريد التحرك في اتجاه آخر. إذا نجحنا في الانتخابات، فإننا أيضاً سنصفي أوسلو وعقلية الحكم الذاتي. ليس هذا اتجاها جديدا لحماس، بل ميدان لعب جديد نشارك فيه نحن أيضا). أولم يكن موت عرفات والتفتت الداخلي في فتح هو الذي أقحم حماس في السياسة الفلسطينية وفي الانتخابات؟ (في حياة عرفات، بعثت إليه عشر رسائل بشأن الانتخابات المحلية. ولكننا عرفنا جيداً أنه ليس معنيا بها خشية من نتائجها). تقرير الأمن الوقائي الذي كتبه محمد دحلان أجمل لعرفات هذا الخطر وجاء فيه (لا توافقوا على إجراء انتخابات السلطات المحلية لأن حماس لن تتحول إلى سلطة موازية للسلطة الفلسطينية، بل ستصبح سلطة بديلة سترثها). ما ردك على الأصوات المنادية في إسرائيل إلى منع حماس من المشاركة في الانتخابات؟ (ينطوي هذا الأمر على لعبة قذرة. تدعي إسرائيل أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ولكنها تتدخل بشكل مكثف وفاضح لمنع حماس من المشاركة في الانتخابات المزمع إجراؤها. على كل إسرائيلي أن يخجل من ذلك. إنه أمر مثير للغضب واليأس. لو كنت مكان السلطة الفلسطينية لاستجديت الإسرائيليين ألا يفعلوا أمراً كهذا. من الناحية العملية، فإن هذا التدخل الإسرائيلي يأتي لصالح السلطة الفلسطينية ضد حماس. هذا غباء سياسي). - هل في نيتك وفي نية زعماء حماس الآخرين الجلوس بعد ثلاثة أشهر حول طاولة الحكومة الفلسطينية والانشغال بالسياسة الداخلية أو بالمفاوضات مع إسرائيل؟ (لو قلت لك إن حماس تعتزم الدخول إلى الحكومة أم لا فإنهم سيستخلصون من ذلك على الفور استنتاجات سياسية ويتهموننا باتهامات باطلة بخصوص رغبتنا في البقاء. سننتظر ما ستسفر عنه الانتخابات وعندها سنقرر كيف سنتصرف. من ناحيتنا، المفاوضات هي مجرد وسيلة. أما موقف السلطة، الذي جعل المفاوضات هدفا، فهو جريمة). - هل أفهم من ذلك أنك ترى أمرا طبيعيا أن تشارك حماس بإحدى يديها في البرلمان وفي الحكومة، بينما تنشغل اليد الأخرى بالعمليات الانتحارية وبعمليات الاختطاف؟ (أنت تطرح هنا افتراضا لم يتحقق، ولكن يجب أن ندرس الأهداف من ناحية منطقة. فعندما قامت ألمانيا باحتلال فرنسا في الحرب العالمية، أقامت حكومة فيشي التي تعاونت وسلمت السلاح. الهدف من ناحيتنا - مثلما في حالة ديجول - هو الدفاع عن الأرض والشعب. وإذا كان السلاح يُستخدم لهذا الغرض، فيجب أن يظل موجوا. طالما هناك احتلال، فسيكون هناك سلاح). - لقد أصبح السلاح الذي في أيدي حماس مسألة دولية يطالبونكم بنزعه. المطلب الدولي ليس قولاً إلهياً منزلاً. دول العالم تحاول الدفاع عن إسرائيل والمساس بالشعب الفلسطيني. يُظهر الأوروبيون موقفاً مزدوجاً: يعرفون أن حماس ليست منظمة إرهابية، ولكنهم يخضعون للضغوط الصهيونية والأمريكية. أما الشعب الأمريكي، فإنه لا يعرف بالضبط ماذا تفعل إدارته الغارقة في حربين فاشلتين. هذه الإدارة ليست خالدة، وعلى أية حال فإن الولاياتالمتحدة وأوروبا ليست الله الذي يجب طاعته. - في هذه اللحظة توجد موجة اعتقالات في صفوف حماس في الضفة، وتم اعتقال نحو 700 شخص. خطوة كهذه كانت تقود في الماضي إلى رد فعل. أما اليوم فتمتنع حركتك عن القيام بخطوات كهذه. فهل الانتخابات مهمة لحماس لدرجة أنها تمتنع عن الرد خشية أن تؤدي مثل هذه الخطوة إلى إلغاء الانتخابات؟ هذا فهم مغلوط للواقع. موجة الاعتقالات الحالية ليست استثنائية. فقد اعتقل الآلاف في موجات سابقة، وجميعهم كانوا من القيادات الاجتماعية والسياسية والعسكرية لحماس. دوما ما كانت لنا توازنات وحسابات ربح وخسارة. في هذه الحالة، توجد مواقف مصرية ومواقف أردنية تعطي رعاية للتهدئة. وقد أثبتت التجربة أن التزامنا بالتهدئة سرَّع جدا عملية الانسحاب من غزة. - هل ميثاق حماس الداعي إلى إبادة إسرائيل يعد أيضا معتقدا ومبدأ دينيا؟ ميثاق حماس هو موضوع يمكن أن يكون موضع تفسيرات. فهو يعبر عن موقف سياسي واجتماعي، يستند بشكل غير مباشر إلى القرآن. لا جدال في القرآن نفسه ولكن الميثاق هو موقف ورؤية سياسيين. لو قلت لك إنه يمكن تعديل الميثاق سيفسر ذلك على الفور بأنه تنازل وانهيار لمبادئ حماس. لا أحد يفكر الآن في تعديل ميثاق حماس، ولكن هذا ليس مستحيلاً من ناحية المبدأ. هاآرتس 26-10-2005