سجل البيان المشترك الذي صدر في ختام زيارة سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز لسنغافورة ما يمكن إيجازه من نتائج عن رحلة سموه، باستخلاص ما تم الاتفاق عليه بين الجانبين في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية وبقية القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك. ومن يقرأ البيان، ويستعرض نقاطه الإحدى عشرة التي أحاطت بكل ما تطرقت له الزيارة والمباحثات التي أجراها سموه مع القيادات السنغافورية، لا بد أنه قد خرج بانطباع إيجابي لكل التوقعات التي كانت تدور في ذهنه منذ أن قام سموه بالزيارة وإلى أن اختتمت يوم أمس. فقد التقى سموه برئيس الجمهورية إس آل ناثن وبحث معه مجالات التعاون الثنائي إزاء عدد من القضايا الدولية والإقليمية، وعبر كل منهما عن وجهة نظره حول ذلك، كما تمخض الاجتماع الذي عقده سموه مع رئيس الوزراء السنغافوري عن تأكيد الجانبين على الروابط السياسية والاقتصادية التي تشهد نمواً مطرداً بين الدولتين، وناقشا في جولة المباحثات هذه العلاقات الثنائية وتحقيق شراكة اقتصادية شاملة وطويلة المدى. ومن بين النجاحات التي حققتها الزيارة وعبر عنها البيان المشترك، ذلك الاتفاق الذي تم بموجبه رفع مستوى التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والخدمات المالية والعلمية والسياسية اعتماداً على أن البلدين يملكان من الإمكانات الكبيرة ما يمكنهما من تحقيق ذلك، وفي ضوء ذلك فقد تبادلا وثائق التصديق على الاتفاقية العامة للتعاون بين البلدين وتوقيع مذكرة التفاهم للتشاور السياسي بين وزارتي الخارجية في كل من المملكة وسنغافورة، وكذلك توقيع مذكرة برنامج للتعاون التجاري وتوقيع اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات العامة وتشكيل مجلس الأعمال السعودي السنغافوري، وافتتاح مكتب للهيئة العامة للاستثمار في سنغافورة. فإذا أضفنا إلى هذه الإنجازات الكبيرة التي أسفرت عنها زيارة سمو ولي العهد لسنغافورة بعد جولات من المباحثات أجراها مع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الدفاع وقيادات سنغافورية أخرى، اهتمام سموه بموضوع حرية التجارة الدولية، ووضع هذا الموضوع على طاولة النقاش حيث نوه الجانبان في نهاية المباحثات بالمنافع الناجمة عن ذلك، واتفقا على زيادة التنسيق والتعاون بين الطرفين في إطار منظمة التجارة الدولية وفي إطار التكتلات الاقتصادية الإقليمية. وقد ظهر اهتمام المسؤولين السنغافوريين بانضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، بما أظهروه لسموه وللوفد الرسمي المرافق من مشاعر طيبة، ومن تهنئة على هذا الانضمام، وقد قابل سمو الأمير ذلك بالإعراب عن دعم المملكة لاتفاقية التجارة الحرة المزمع إبرامها بين سنغافورة ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهو ما أشار إليه البيان المشترك الذي أعلن أمس من الرياضوسنغافورة على موضوع البترول، ومع أن الأمير سلطان بن عبدالعزيز تعرض له في أكثر من مناسبة خلال الزيارة، بما في ذلك إعلان سموه عن أن المملكة سوف ترفع طاقتها اليومية من إنتاج البترول بما يصل إلى 12.5 مليون برميل في اليوم، بعد أن تم رصد أكثر من خمسين بليون دولار أمريكي لإنفاقها على توفير القدرات الفنية للوصول بإنتاج المملكة إلى هذا السقف، إلا أن البيان المشترك وبرغبة من السنغافوريين أشار إلى أن سنغافورة تثمن ما تقوم به المملكة من جهود لتحقيق الاستقرار في سوق البترول انطلاقاً من حرصها على دعم نمو الاقتصاد العالمي. ولا شك أن الجانبين يشتركان في الهم والشعور بالمسؤولية إزاء النزاعات بين الدول، وهو موقف مسؤول لخصه البيان المشترك بالقول: إن الجانبين يؤكدان على أهمية تعزيز التعاون الدولي والالتزام بمبادئ ومقاصد الأممالمتحدة وقرارات الشرعية الدولية في معالجة النزاعات الإقليمية والدولية والعمل على تعميق ونشر السلام والحوار بين الأمم والشعوب. وقد عبرت سنغافورة عن تأييدها ودعمها لدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإدانة الصدام بين الحضارات واستبدالها بفكرة التعايش السلمي بين كل الحضارات، وأن تكون المرحلة القادمة في العلاقات بين الدول والأمم مرحلة حوار حقيقي يحترم كل طرف فيه الطرف الآخر. وفي هذا الصدد فقد أشار البيان إلى تأكيد الجانبين دعمهما للحوار الآسيوي الشرق أوسطي وارتياحهما لما تحقق من تقدم بما يعزز التفاهم والتعاون البناء بين هاتين المجموعتين. ولا يمكن لسمو ولي العهد أن ينهي زيارته لسنغافورة ويغادرها بعد عدد من جولات المباحثات دون أن تكون القضية الفلسطينية في قائمة المواضيع المدرجة في جدول القضايا التي طرحت لكسب الموقف السنغافوري إلى جانبها، ومن تابع البيان المشترك سيرى أنه قد أشار إلى ما يتم التوصل إليه بين الجانبين بالتأكيد على أن موقفهما واحد إزاء ضرورة ايجاد حل عادل ودائم وشامل لهذه القضية الهامة، استناداً في هذا الموقف على قرارات الأممالمتحدة ذات العلاقة ومبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للسلام التي تبنتها القمة العربية في عام 2002م وخارطة الطريق وصولاً إلى تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وفي العالم، وهي رؤية أعلن عنها سمو الأمير سلطان خلال المحاضرة التي القاها أمس الأول ونشرت بالكامل في عدد الجزيرة الصادر يوم أمس. ويظل هاجس الإرهاب يخيم على أجواء الزيارة انطلاقاً من أن المملكة عانت منه كثيراً كما عانت منه دول كثيرة، وأن تطويقه والقضاء على من يقدم به أو يدعمه أو يساعد عليه يحتاج إلى تعاون بين الدول كافة، فقد عبر البيان عن عزم الجانبين على استمرار التعاون لمكافحة الإرهاب باعتباره آفة عالمية يهدد الأمن والاستقرار في العالم، وقد أعرب الجانب السنغافوري عن تأييده للتوصيات الصادرة عن المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي عقدته المملكة عام 2005م بما في ذلك مقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب. وهكذا نرى أهمية ما توصل إليه الأمير سلطان بن عبدالعزيز مع مضيفيه من قرارات واتفاقيات وتطابق في وجهات النظر في كثير من القضايا التي تهم البلدين، ولأن مثل هذا التطابق يحتاج إلى الاستمرار في مراجعته للاطمئنان على أن ما تم الاتفاق عليه يسير تنفيذه بصورة جيدة، فقد أشار البيان إلى أن الجانبين اتفقا على استمرار اللقاءات وتبادل الزيارات على مستوى رفيع بين البلدين بما يخدم المصالح المشتركة، ولا أعتقد أنني بحاجة إلى شرح مدلول مثل هذه العبارات وما يعنيه كل ما أشار إليه البيان المشترك من اتفاق على مجمل القضايا المطروحة، إذ إن البيان قد ركز وبإيجاز على ما ينبغي اطلاع شعبي البلدين عليه، وترك التفاصيل للجهات التي ستبدأ بالتنفيذ والمتابعة. لقد أحاط السنغافوريون رئيساً ورئيس وزراء وحكومة وشعباً زيارة سمو ولي العهد والوفد المرافق له بكثير من الحفاوة وكرم الضيافة والاهتمام، بما جعل الجميع يشعرون وكأنهم في بلدهم وبين أهليهم بحسب ما وجدوه من حسن تعامل واهتمام. وإذ أشير إلى هذا فأنا أنسبه إلى السمعة الحسنة التي تتمتع بها المملكة قيادة وشعباً في المحافل الدولية، بما أعطاها مثل هذا التميز في المعاملة والاهتمام بناء أوثق العلاقات معها، ويحسب هذا للسياسة الحكيمة التي يقودها الملك عبدالله والأمير سلطان في تعامل المملكة وعلاقاتها الدولية مع الغير.