هذا هو اليوم الثاني لسمو ولي العهد في سنغافورة؛ يوم حافل بالعمل والجهد ومواصلة الاجتماعات والمباحثات مع المسؤولين.. إذ كان الاهتمام من سمو الأمير بأن يختتم زيارته متوجاً إياها بما سعى لتحقيقه في هذه الزيارة من إيجاد قواسم مشتركة لعلاقة ثنائية بين البلدين.. وهو جهد أثمر - كما سنرى - في الوصول إلى ترحيب سنغافوري كبير بكل ما عرضه سموه عليهم، وتناغم مع التوجهات المستقبلية بين ما يفكر فيه سلطان ونظائره هناك.. وكان ولي العهد حريصاً على إنجاز ما كان يدور في خلده قبل أن ينهي زيارته الرسمية لهذا البلد الجميل، بانتظار أن يُمضي بعد ذلك يومين للراحة قبل أن يتوجه إلى باكستان، حيث ستكون هي المحطة الأخيرة في هذه الرحلة التاريخية. وسنغافورة - ومثلما قال عنها وزير خارجية أمريكا الأسبق والأشهر هنري كيسنجر - لم تكن قبل أربعين عاماً سوى مستعمرة صغيرة وفقيرة وعاجزة، لتتحول بعد ذلك إلى حاضرة متلألئة وغنية وحديثة.. وهذا ما رأيناه في سنغافورة خلال صحبتنا للأمير سلطان بن عبدالعزيز، حيث النظافة والأشجار والزهور التي تحف كل شوارعها وميادينها، وحيث الأسواق التجارية التي لا مثيل ولا منافس لها، وحيث ما رأيناه في أهلها من دماثة خلق ومعاملة حسنة.. وضيف سنغافورة الكبير كان في رأي السنغافورييين صديقهم، مثلما عبر عن ذلك رئيس وزرائهم بقوله: إن سلطان بن عبدالعزيز صديق تُكِنُّ له بلادنا التقدير والاحترام، وأن المملكة تتنامى بمصداقية في أقوالها وأفعالها، وهذا التصريح كان بمثابة الكلمات الأولى التي اُستقبل بها سلطان بن عبدالعزيز في سنغافورة. الأمير سلطان اتفق مع السنغافوريين خلال الزيارة على رفع مستوى التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والخدمات المالية والعلمية والسياسية.. وقبل أن ينهي زيارته كانت وثائق التصديق على الاتفاقية العامة للتعاون بين البلدين قد تم تبادلها، وكان هذا - كما لاحظنا - المؤشر الأول عن ارتياح الجانبين لما تشهده العلاقات الثنائية من تقدم.. في الزيارة توصل الأمير سلطان مع السنغافوريين إلى مذكرة تفاهم للتشاور السياسي بين وزارتي الخارجية في البلدين، ومذكرة أخرى لبرنامج التعاون التجاري، مع توقيع اتفاقية حماية وتشجيع للاستثمارات العامة، وتشكيل مجلس الأعمال السعودي السنغافوري، وافتتاح مكتب للهيئة العامة للاستثمار في سنغافورة. هذه بعض مكاسب الزيارة الأميرية لجمهورية سنغافورة، يمكن أن تضاف إلى الموقف الموحد الذي توصل إليه سموه مع مضيفيه حول المنافع الناجمة عن حرية التجارة الدولية واتفاقيات التجارة الإقليمية، وتطابق وجهات النظر بين البلدين حول أهمية تعزيز التعاون الدولي، والالتزام بمبادئ الأممالمتحدة ومقاصدها، وقرارات الشرعية الدولية في معالجة النزاعات الإقليمية والدولية، والعمل على تعميق السلام والحوار ونشره بين الأمم والشعوب.. سنغافورة على لسان قادتها، ووفقاً للبيان المشترك الذي صدر في ختام زيارة سلطان بن عبدالعزيز لها أعربت عن تأييدها ودعمها لدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإدانة الصدام بين الحضارات، واستبدال فكرة التعايش السلمي به، وأن تكون المرحلة القادمة في العلاقات بين الدول والأمم مرحلة حوار حقيقي يحترم كل طرف فيه الطرف الآخر. ولا شك أن الأمير سلطان كان أكثر ما شغله في هذه المرحلة هي قضية فلسطين، وقد توصل مع القيادة السنغافورية إلى توافق في الرأي إزاء ضرورة إيجاد حل عادل ودائم وشامل للقضية الفلسطينية يستند - كما ورد في البيان المشترك - إلى قرارات الأممالمتحدة ذات العلاقة، ومبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للسلام التي تبنتها القمة العربية في بيروت وخارطة الطريق. كما لم يكن موضوع الإرهاب غائباً عن اهتمام الأمير، فقد اتفق السنغافوريون مع الأمير على العزم باستمرار التعاون بين الجانبين لمكافحته، حماية للأمن واستقرار العالم من شروره، مستذكرين التوصيات التي صدرت عن المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي عقد في الرياض العام الماضي، وبهذه النتائج اختتم سموه هذه الزيارة التاريخية لجمهورية سنغافورة التي امتدت خلال الفترة من 10 إلى 12 من إبريل عام 2006م. يتبع