المواكبة والتقدم وتطوير الذات، لا يعني فقط الإلمام بوسائل التقنية ومجاراة كلِّ جديد ووافد على مختلف جوانب الحياة، بل يعني أيضاً مسايرة روح العصر بما يخدم الأهداف والقضايا والمصالح، دون تفريط في القيم والمبادئ التي يعتز بها كلُّ فرد أو جماعة، وفي إطار الأخلاق والمنافسة الشريفة ووسائل الكسب المشروعة .. هذا ما استوعبه بعض شبابنا، وكسروا به حواجز ظلّت تحول بينهم وبين الكسب عشرات السنين، وكأنّها أغلال وُضعت في أيديهم لمنعهم من اكتساب الرزق وجعلهم اتكاليين وعالة على ذويهم حتى بعد بلوغهم سناً يفترض فيها أنّهم من يقومون بإعالة غيرهم، ولقد ظلّ الكثير من الشباب بعيدين عن الكثير من المهن الشريفة، وذات المردود المالي العالي والسريع، منذ أن عرف الناس (الطفرة الكبرى) وحتى وقت قريب، وظلّت تلك المهن تدر أموالها الطائلة في جيوب ليست أحق بها من أبناء الوطن، الذين هم أولى من غيرهم بخيرات بلادهم، وبقيت عائداتها المغرية مرتعاً للناس من كلِّ جنس إلاّ أصحاب الشأن، ولكن مع مرور الأيام وتغيُّر ظروف الحياة، كسر العديد من الشباب ذلك الحاجز النفسي ووطّنوا أنفسهم للقيام بأعمال شريفة ونظيفة وذات مردود مالي مغر، بل الكثير منها يحتاج إلى الإبداع والفكر وإعمال العقل، وليست فقط مجرّد أعمال عضلية .. مودعين بذلك مفاهيم عفا عليها الزمن وتجاوزها العصر، ولم تعد تسمن أو تغني من جوع. المتتبِّع لواقع الحياة العملية، يشاهد الكثير من أبناء الشعب السعودي في معترك الحياة العملية بكلِّ تنوُّعها وتشعُّب مهنها، فها هم في ورش صيانة السيارات، وفي مبيعات الشركات، وفي الفنادق والمطاعم الشهيرة، وفي أقسام التسويق، والبيع في الكثير من شركات الأغذية والسوبر ماركتات، فضلاً عن قيادة سيارات الأجرة، والعمل في الكثير من المستشفيات، كلٌّ حسب مؤهّلاته وقدراته، وغيرها من المواقع التي ظلّت محرمة عليهم عشرات السنين بحجة أنّها لا تناسب أبناء البلد، أو أنّها من الوظائف الخاصة بأجناس معيّنة، وغير ذلك من المبررات الواهية والمفتعلة التي يروِّج لها المستفيدون من ورائها... الآن انطوت تلك الصفحات المظلمة من تاريخنا المهني، وفتح الشباب صفحات ناصعة بيضاء، تعكس مدى الوعي والمواكبة، ومدى إدراكهم لأهم الوظائف التي تعود عليهم بالعائد المادي الجيد، وتبرز قدراتهم ومهاراتهم، وتؤكد في ذات الوقت حرصهم على الكسب، وعدم الاعتماد على غيرهم (حسب المفهوم والاعتقاد السائد)، وهذه النظرة الجديدة ستغيِّر العديد من المفاهيم وترسِّخ وتجذِّر لثقافة وتوعية مهنية جديدة، تصب في خانة دعم المشروع الوطني للسعودة، وتوطين الوظائف بطريقة تلقائية، لتسير جنباً إلى جنب مع خطة التوظيف والسعودة التي تقودها وزارة العمل، ليجني المواطن والوطن ثمار كلِّ الجهود الرامية لتوفير أفضل سبل العيش لأبناء الوطن، كهدف استراتيجي تسعى القيادة الرشيدة - أيّدها الله - لتحقيقه، وتضع الخطط والبرامج والسياسات من أجل الوصول إليه.