الحمد لله الذي قضى بالموت لحكمة {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} سورة الملك (2). لقد آلمنا وفاة الشيخ المربي الفاضل عثمان بن ناصر الصالح -رحمه الله- بعد عمر مديد قضاه في التربية والتعليم، حيث تخرج على يديه أجيال ممن هم اليوم في مجالات متنوعة، ووصل بعضهم إلى أعلى المناصب، وكلهم يذكر المربي الفاضل عثمان الصالح، بل إنهم يعدونه والداً لهم، ويظهر ذلك من خلال ثنائهم عليه في جميع المحافل، وزيارتهم وتواصلهم معه -رحمه الله-. لقد كان المربي الفاضل -رحمه الله- صديقاً قديماً لوالدي -رحمه الله- وأذكر زيارته لنا منذ كنت صغيراً، حيث كانت علاقتهما قديمة تصل إلى ما يقارب نصف قرن، وكانت هذه العلاقة أخوة حقيقية حيث تتميز بأنها حب في الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم. (ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ولم يفرق بينهما إلا الموت، رحمهما الله وجمعهما في جنات ونهر على سرر متقابلين). وأذكر أنه في زواجي حرص والدي -رحمه الله- أثناء عقد النكاح أن يكون الشاهد على الزواج هو الشيخ عثمان الصالح -رحمه الله- فكان هو، فنعم الصديق ونعم الشاهد. وقد كانت علاقة الشيخ عثمان بالشيخ زيد لا تخلو من الشعر والأدب، وقد كتب الشيخ عثمان الصالح قصائد عدة بخط يده -رحمه الله-. مما قاله في أخيه زيد بن فياض وذلك في 1-3- 1412ه: أخي زيداً لكم منا حقوق مدى الأيام ليس لهُنَّ عَدُّ إذا ما زرتنا يوماً فإنا نرى هذا وفاءً لا يُحَدُّ وحقك نَحْرُ خرفانٍ وحاشٍ على التبسيّ منظرها يَشُدُّ تجنبنا هنا سَرَفاً معيباً ومقصدنا من الإنفاقِ قَصْدُ وهل كالاقتصاد لدى سماطٍ عليه من المآكل ما يَجدُّ لذيذ في اللسان وفيه نوع يشوقك ما له شكل وَندُّ طهته من النساء فتاة بيتٍ غذاها والد وأخ وجَدُّ لها خلقٌ وأمجاد وسمتٌ لها في خدمة الأضياف جِدُّ ورب العالمين لديه عدلٌ وللتكريم عند البذل حَدُّ ولم يتمكن -رحمه الله- من حضور الزواج نظراً لسفره في رحلة استشفائية فأرسل أبياتاً بخط يده وذلك في 2-1- 1411ه قال فيها: لكم مني التهاني في زواج لطارقِ من بنات الشيخ صالحْ (وآل الراجحيّ) همو كرامٌ لهم أحسابهم والكل فالحْ من الأسر التي عرفت (بنجدٍ) ومنهُم آل (فياض) النواجحْ وتهنئة بعامٍ فاح مسكاً وتوفيقاً لمن أمسى يكافحْ ومن شعر الشيخ عثمان الصالح -رحمه الله- والذي كتبه بخط يده وهو مما يحتفظ به الشيخ زيد بن فياض - رحمه الله- قصيدة طويلة، ومما جاء فيها: شحارير علت في الطلح غصناً تُرَدِّد في ذرى الأدواح لحنا فأطربت النفوسَ مرنَّماتٍ ولا عيبٌ علينا إن سكرنا يقول البعض من طربٍ تغنِّي وبعضٌ ظنَّ هذا اللحن حُزنا ولكنّ الربيع له رُواءٌ خزامى نبتِهِ تزداد حسنا فما الشحرور إلا في غناءٍ بواحاتٍ سقاها الله مُزنا لذا غنى بإطرابٍ وصوتٍ يردده لنا فَنّاً فغنَّا (كزيدٍ) حين صاغ لنا شعوراً بشعرٍ من بلاغته استفدنا تمنته العذارى في صدورٍ عقوداً يا (ابن فياض) لمعنا ولم أرَ كالقريض غداة نحتٍ له في الفكر إمَّا طابَ معنى له الأصحاب أهل حِجَى وعلمٍ إذا نثروا دراريهم لقطنا على يمناه ذو شرفٍ وفضلٍ به وبهم على شرف سعدنا ونحن ببيتِ ذي كرم ونبلٍ بنادٍ في (مربعه) جلسنا أخيراً شيخنا في كل شهرٍ بأي زيارة أخرى فعدنا (وزيدُ) الشعر يوم شدا بشعرٍ بدا سبباً لذلك فاجتمعنا يصور (بندرٌ) هذا بقولٍ به ياشيخنا الوافي هَزَجْنا وإن يك ليس ذا صوغٍ لنظمٍ وما اتخذ القريض لديه خِدْنا ولكن يا (حقيلُ) أَمَرْتَ أمراً له يا شيخنا القاضي خضعنا أرانا يا (ابن فياضٍ) حرينا وفي دنيا القريض لقد أفضنا فإن تك قد أجدت لنا نظيماً فما في سبكه يوماً أجدنا كذا حكم الحكيم (أبو كريمٍ) ولم أكُ أو سواي بذا حكمنا لقد امتاز الشيخ المربي عثمان الصالح - رحمه الله- بمزايا كثيرة، فالحلم والكرم والأدب من صفاته، ولكنه تميز بشيء فاق فيه كثيرين ألا وهو حسن الخلق، حيث كان جَمَّ الأدب والخلق، فلم أسمعه في مجلس يغتاب أحداً أو يسب أو يسيء إلى أحد، فهو إلى الثناء أقرب، فيثني على الشخص بما يميزه، ويعرض عن زلله وخطئه.. وكما قال شوقي (وقديماً جّمَّلَ المَرءَ الأدب).رحم الله الشيخ المربي عثمان الصالح وغفر الله له وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وأبناءه الصبر والسلوان والرضا بما قضى إنه سميع مجيب.