أصدرت صديقتي الشاعرة سوزان عليوان مجموعتها الشعرية الجديدة (كراكيب الكلام ).. وحملت إلينا نجمة مضيئة وأهدته لقرائها. ولسوزان وجهة نظر مختلفة، حيث رسمت غلاف ديوانها وأسمته بشارع المطر.. فهي لا يتوقف حديثها بالجملة عن المطر الذي كانت ترى فيه الحلم.. الشجن.. والدمعة.. والمدينة.. والغيمة.. المدرسة.. صور عديدة تصنفها ثم تجمعها في حفنة يدٍ واحدة وتلقي بها لتفرغ هذه الشحنة المتأصلة في ذاتها. وفي النهاية تفرغ الكلام من كراكيبه الكثيرة على حد قولها. وتحملنا أجواء قصيدتها: قلبي وردة ظلٍ جسدي شجرة غياب لأن الحبر ليسَ دماً لأن صوري لا تشبهني والقمر المعلّق في الخزانة لا يصلح قميصاً لروحي لأنني أحببت بصدقٍ لا قيمة له على الإطلاقْ وفقط حين انكسرتُ أدركت حجم المأساة لأن هذه المدينة تذكّرني بصوت امرأة أعجزُ عن نسيانِ انكسارِها لأن الله والموت لا يُحصىَ ولأننا لم نعد نتبادل الرسائلْ تُحدثُ المطر مخيلة شعرية واسعة لصور متراشقة. وها هي سوزان تظهر لنا مستوى واع من الإحساس عبر سيكولوجية ارتبطت بحاجة الحس لديها. أعلمُ أن يدي ليست مِطرقةً لكنني أتخيلها تنهالُ كغضبٍ بلا نهاية مُهمشةٍ رأس الفراغِ حيثُ الدمعُ الحبيس والصرخةُ في المرآة. أعلم أن سوزان ترتدي قميص الشعر وهي تبدأ بكتابة قصيدتها. هذا المشهد في كراكيب الكلام وثق لحظات العلاقة ما بين المطر والمدينة. الأسماء، الأصوات، الوجوه. المعاطف التي تعتم المعنى بعبورها. الظلال التي تُغبشُ الكلماتْ. الآخرون الكتابةُ السوداءُ على جلدي وجدراني. كابوسُ المطرِ المتكرر. في الجزئية مشهد حزن سطرته الشاعرة بعمق، حيث أشعلت جذوة الألم فيه. كنت في أعماقي أبكي دونَ أن يلحظَ انكساري أحدٌ سواها. كما لو أنَّ بيننا مطراً تفتحتْ كما لو أنها تبتسمُ وأطمئنُ. أزهارُ المخملِ في معطفِكْ. صور حسيَّة تنداح من فيض عاطفة متأججة، ولا أعلم لماذا لمست شفافية موسم المطر وارتباطه بالشاعرة ووضعته في قلب الحدث. ها هي سوزان تقفز أخرى وتصنع من حواسها ليكون مظلة تحمي النجمة والبنفسج، والقمر، والمطر ومدت وسادة أحلامها لتغفو الحكاية. رماد الحكاية لا يكفي لإشعال شمعة يدُنا لا تقوى على إسدال ِغروب. كانت الأمطار بصفحاتها الناصعة تتوالى كتاباً غادرتهُ الكلمات إلى حيثُ لا تطولُها أصابعُ ولا يقوى على جَرْحِها في صميم المعنى سأتوقف قليلاً في سمو الشعر وهيبته لتفرغ ما لديها إذا تقول: بقدر ما حلمتُ بالصحوِ وأقواس قُزحِ كانت الأمطار غزيرة ً وأحضانُهُمْ شائكة. أتمنى يا صديقتي أن يكون ذاك البوح الذي حمله قلمك وألقى به عبر الصفحات البيضاء ما هو إلا - كراكيب كلام - أفضى بكل ما لديك حتى لا يطوله الصقيع ليجمد رقة مشاعرك الناصعة بضبابه القاتم. وما زلت أرى صور عالمك الوردي.. فراشاتك الملوّنة.. نجومك المتلألئة طفولتك الوادعة المغلفة بألوانِ قوس قزح لتعيدي إلينا بعضاً من شفافيتها.