ترتبط الغيرة بالإنسان بشكل متلازم، بحكم التكوين، والتصاق هذه الطبيعة الفطرية من مهده حتى مثواه الأخير، وترتفع نسبة الغيرة وتنخفض تبعاً للمسببات والمؤثرات المختلفة، وتشبه تقلباتها، تقلبات الطقس، أو بمعنى أدق في حالة البحر من هادئ إلى معتدل إلى هائج، أعاذنا الله من هيجان البحر والغيرة، وكثيراً ما يفقد الإنسان توازنه وسيطرته على مشاعره، حينما يسهم الإفراط في الغيرة، في نشوء التراكمات السلبية المؤذية نظراً لارتفاع المنسوب المؤدي بطبيعة الحال إلى إغراق المشاعر بتوجسات وأوهام، نسج منها الخيال تصورات متورمة لا تلبث أن تحيل الأخضر إلى يابس. وللغيرة جانبان، فهناك الجانب الإيجابي المحفز للابتكار وشحذ الذهن للارتقاء إلى المستوى الذي بلغه الشخص المتميِّز، غير أن الاحتكاك بالصفات المؤذية وتحديداً في مرحلة الغيرة كالحسد والحقد، يبيت تلقائياً، لارتباط هذه المؤثرات بالنفس، وهذا الاحتكاك الحتمي يتم بسرعة متناهية، لذلك علّمنا ديننا الحنيف كيفية التعامل مع النفس الأمَّارة بالسوء، ولجم آثارها المؤذية، ومنها الكلمة العظيمة (ما شاء الله) والمبادرة في قولها لحظة العلم بالشيء، إذ إنها لا تبرح أن تفصل التفاعلات السلبية المنبثقة من هذا الوضع، أو بمعنى آخر فلترة المشاعر وتنقيتها، ليستقر الجانب الطيب المضيء في النفس مشعاً بنور الإيمان، وقدرة المولى تبارك وتعالى في تفضيل طرف على آخر لحكمة بالغة، غير أن أجل وأجمل وأرقى غيرة هي بلا ريب الغيرة على الدين، لأنه الأساس والمرتكز، فالإنسان يملك كل شيء، إلا أنه وما يملك ملك لدينه، عبد مطيع مخلص لربه الذي خلقه في أحسن تقويم. ومن الغيرة كذلك الغيرة على الشرف والكرامة، فحينما ينافح الإنسان عن قيمه ومبادئه، فإن هذا تجسيد لعلو همته، وحفاظ على عزته ومكانته، ولعل أخطر ما في الغيرة هو انتفاء التحكم في الكم، فبقدر ما تكون الحاجة لها ملحة كما أسلفت بقدر ما تتحول إلى كرة ملتهبة تحرق من يقابلها وخصوصاً في العلاقة الزوجية، في حين أن ارتفاع المنسوب سيضخ زخماً هائلاً من الظنون، ليقف الشك على أهبة الاستعداد، متربصاً للفتك بالأسرة وتشريد الأطفال، فكم من أسرة تفككت تبعاً لوشاية مُغرضة أو نتيجة لقراءة متسرّعة تفتقر إلى الانضباط السلوكي، بمعزل عن التثبت والتحقق من صحة الفرضيات التي يحيلها العقل القاصر إلى واقع لا يمت للحقيقة بصلة، ويبدو أن العلاقة الزوجية في إطار هذه القياسات المتسرِّعة تسير عكس التيار، فمن المعلوم أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، بيد أنه في العلاقة الزوجية في الغالب مذنب حتى تتم براءته، فيما يكون سوء الظن في هذه الحالة مهيمناً وفارضاً سطوته البغيضة، تسير الأمور بشكل متسارع وتأخذ منحى عدائياً، في حين أن الوقت، والمتهم في هذه الحالة مصادر حقه حتى في الدفاع عن نفسه، حتماً سيئد مبدأ إتاحة الفرصة لإثبات براءته من جهة، ويخل بمبدأ حسن الظن في إطار هذه الوتيرة المتسارعة والمنغلقة في ذات الوقت من جهة أخرى، ولا ريب أن رد الفعل، سيكون أعتى من الفعل، وبالتالي تجهز الشكوك على أي بارقة أمل لتحسين الوضع، وإعادة المياه إلى مجاريها، لأن المياه قد تسربت بشكل يستعصي على الإعادة، إذ إن الفائض في الشعور السلبي وانتفاء السيطرة على الأحاسيس بشكل متوازن، ومتعقّل قد تحول إلى إعصار لا يتوانى في هدم أركان البيت الهادئ المستقر، وإذا كنا نتعلَّم المفاهيم الجميلة والعبارات اللائقة اللبقة ونستقي الكلمات حفظاً لا مضموناً، لتتبخر دلالاتها المعنوية والمعرفية، فما جدوى تعلمنا إياها إذا لم يتم تفعيلها وقت الحاجة إليها، وفي هذه المراحل الحرجة خصوصاً، كالصبر، والتريث، والأناة والتؤدة والمروءة والشهامة، وغيرها كثير، فلم تكن هذه الكلمات الأخاذة بسحر مفعولها تتلاشى في خضم ضيق الأفق وانحسار الإدراك، لو أن الثقة بخالق الأسباب كانت نصب الأعين لتجهيز قوة الإيمان على الشكوك المؤذية، كما أمر ربنا تبارك وتعالى في كتابه القويم بالتبيّن لكيلا يحيل التسرع الواحة الخضراء الوارفة إلى أرض جدباء مقفرة وفقاً لتصورات لحظية ينبري لها الاندفاع كشاهد زور بائس في قضية خاسرة، الكاسب منها إبليس اللعين وأعوانه، واللافت أن نقاط الالتقاء في العلاقة الزوجية تفوق نقاط الاختلاف أضعافاً مضاعفة، غير أن الغضب وقَّانا الله شره وشروره، يمارس نفوذه التعيس بصيغ تنحو إلى تضخيم الأمور وتهويلها من ناحية، وحجب الرؤية المتزنة في تضليل يؤدي إلى إبراز نقاط الاختلاف، وتكبيرها من ناحية أخرى، فتجد كل طرف يتربص بالطرف الآخر مستعيناً بالمخزون القليل من الجوانب السلبية تبعاً لتصيد الأخطاء ونحو ذلك، ما يكرس وتيرة المقاطعة والجفاء، فبات حرياً تحري الدقة والإنصاف في التعامل بمنظور متسامح تبحر به المرونة نحو آفاق التطلع إلى إزالة التشوهات الرامية إلى خدش الحس الجمالي للروح المؤمنة، وجمال الروح يكمن في تفعيل الصفح والعفو كأنماط سلوكية بديعة ترفع القدر وتكسب الأجر، وتنقل الميزان يوم تُوفى كل نفس بما كسبت. ابتسامة ذات صلة: سأل القاضي الزوجين: إذن فأنتما تصران على الطلاق لأنكما غير متفقين في الميول والآراء. فأجاب الزوجان في آن واحد: أجل يا سيدي القاضي. وإذ ذاك قال القاضي: إذن كيف تتفقان على الجواب الآن. وتقبلوا تحياتي،،، شركة اليمني للسيارات [email protected]