قد يتساءل البعض بخصوص نظامية الحسم من الموظف المتغيب دون إجراء تحقيق معه.. ولعل الاجابة على هذا التساؤل قد تساعد الموظف في معرفة النظم الوظيفية التي تحكمه وما تضمنته من قواعد وأحكام لأجل التقيد بها في حياته الوظيفية وتجنب كل ما يخالفها حتى لا يقع تحت طائلة المسؤولية. إن أهم الواجبات الوظيفية التي يجب على الموظف مراعاتها هي الانتظام في العمل واحترام أوقات الدوام الرسمي، فالمادة (11-ج) من نظام الخدمة المدنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم 49 وتاريخ 10-7-1397ه أكدت أنه (يجب على الموظف تخصيص وقت العمل لأداء واجبات وظيفته). هذا الواجب يقتضي من الموظف أن يكون في عمله طيلة الساعات التي يقتضي تواجده فيه وأن يتجنب كل ما من شأنه مخالفة هذا الواجب كالغياب أو الحضور متأخرا أو الخروج بدون إذن لما يترتب على تلك الأفعال من أضرار بالوظيفة العامة وتعطيل لمصالح الناس. ولكن التساؤل المطروح في هذا السياق، هل يلزم التحقيق مع الموظف المتغيب عند الحسم من راتبه؟ بالرجوع إلى المادة 21 من نظام الخدمة المدنية التي عالجت حالة غياب الموظف دون عذر حينما نصت على أنه (مع مراعاة ما تقتضي به الأنظمة لا يستحق الموظف راتباً عن الأيام التي لا يباشر فيها عمله)، فإنه يتضح لنا من قراءتها إنها لم تشر إلى ضرورة التحقيق مع الموظف المتغيب وإنما أكتفت فقط بإجراء الحسم من الراتب عند الغياب. وهذا يفهم منه أن الموظف الذي يغيب عن عمله دون سبب مشروع يحسم عليه فقط الأيام التي لم يابشر فيها دون الحاجة إلى إجراء تحقيق معه أو سماع أقواله كتابيا لأن الحسم في هذه الحالة لا يعتبر عقوبة تأديبية وإنما إجراء نظامي نصت عليه المادة سالفة الذكر. فالقاعدة العامة في هذا الخصوص أن الأجر مقابل العمل وما دام الموظف لم يباشر عمله فإنه لا يستحق أجره عن تلك الأيام أو الساعات التي تغيبها وهذا ما أكده حكم لديوان المظالم رقم 29- د-2 لعام 1416ه الذي أشار فيه إلى (... وهذا الحسم من الراتب لا يعد جزاء تأديبياً ومن ثم يجوز إيقاعه دون الحاجة إلى إجراء تحقيق مع الموظف). وقد جرى العمل في الجهات الحكومية على استدعاء الموظف المتغيب إلى وحدة المتابعة وأخذ إفادته بشأن غيابه للتأكد من توافر السبب المشروع من عدمه وفق محضر (إفادة عن الغياب) وهذا المحضر لا يعد من وجهة نظري محضر تحقيق يستلزم فيه توافر بعض الشكليات التي أكد عليها نظام التأديب لأن الحسم في هذه الحالة لا يعد عقوبة. ويجب التنويه في هذا الشأن إنه إذا تكرر من الموظف واقعة الغياب أكثر من مرة ونتج عنه كما أسلفت تعطيل لمصالح الناس فإن يجوز للجهة الإدارية التابع لها الموظف إذا رأت بأن الحسم من الراتب لا يحقق النتيجة كإجراء رادع فإنه يجوز لها تطبيق إحدى العقوبات المنصوص عليها في نظام تأديب الموظفين الصادر بالمرسوم الملكي رقم 7 وتاريخ 1-2-1391ه بما فيها عقوبة الحسم من الراتب المنصوص عليها في المادة (32-3) مع الاستمرار في حسم أيام الغياب طبقاً للمادة (21) المشار إليها سلفاً. وطالما كانت العقوبة منصوص عليها في نظام التأديب، فإن الجهة الإدارية تكون مقيدة بضرورة إجراء تحقيق كتابي مع الموظف المتغيب طبقا للمادة (35) من ذات النظام التي أكدت على (لا يجوز توقيع عقوبة تأديبية على الموظف إلا بعد التحقيق معه كتابة وسماع أقواله وتحقيق دفاعه واثبات ذلك في القرار الصادر بالعقاب أو في محضر مرفق به). ونخلص من ذلك أن تطبيق المادة (21) من نظام الخدمة المدنية لا يستلزم فتح محضر تحقيق مع الموظف المتغيب إلا إذا أرادت الجهة الإدارية بالإضافة إلى الحسم تطبيق إحدى العقوبات المنصوص عليها في نظام التأديب فإنه في هذه الحالة يتحتم عليها إجراء التحقيق مع الموظف وإلا عد قرارها باطلا لمخالفته المادة (35) سالفة الذكر. أحمد بن عبدالرحمن الزكري