كعادته عند كل حدث أو أمر جلل، فإن أستاذنا الفاضل جاسر بن عبدالعزيز الجاسر يصدع بالحق ولا يخشى فيه لومة لائم، وشدني عموده اليومي في جريدة الجزيرة بتاريخ 5 - 1 - 1427ه، حول مأساة العبارة المصرية السلام 98، ولازلت أذكر أصداء تحذيراته السباقة إبان زيارة قام بها لمصر واستخدم خلالها إحدى العبارات، وقدم آنذاك مشاهداته حول نذر الكارثة دون أن تلقى تلكم الإرهاصات آذاناً صاغية من لدن الاختصاصيين. أما جمال فوزي وهو نموذج للإنسان المصري البسيط الطيب والذي ما فتئ يحدثني عن هذه العبارة واصفاً إياها بأنها في مهب الريح.. إهمال.. تسيب.. عبثية.. لقد أسهب في الحديث غير مرة حول هذه العبارة بالذات، ويعود ليقسم في كل مرة أنه لن يمتطي ظهر هذه العبارة أبداً... ودعني أباهي وأفاخر أننا الوحيدون أنا وجاسر وجمال نعلم بحقيقة هذه العبارة والتي دخلت الخدمة قبل ست وثلاثين عاماً.. هل نحن فقط من يعي تهتك تلك العبارة؟ وهل الاستخفاف بأرواح الأبرياء وصل إلى حد الفجور؟ لم أتمالك نفسي من هول الصدمة والدموع تنهمر حزناً على هؤلاء الكادحين والذين كان بعضهم وجبات لأسماك القرش الإرهابية، نعم ذرفت الدموع على الضحايا الأبرياء.. ضحايا الإهمال.. ضحايا التسيب، ولعلكم معشر القراء الكرام تستحضرون مقولة الفاروق رضي الله عنه (والله لو تعثرت بغلة في العراق لسألني ربي لماذا لم تفسح أمامها الطريق يا عمر)، عليك سلام الله يا أمير المؤمنين وعصرنا يتعثر فيه الآلاف. حقيق بالمرء أن يتساءل ألم يدق ناقوس الخطر عند غرق العبارة سالم اكسبريس عام 1991م؟ ألم تفض نتائج التحقيقات آنذاك إلى وجوب اعتماد المعايير الدولية لمثل هذه العبارات؟ لقد كثرت الشكاوى من هذه العبارات والقائمين عليها ولم يحرك ذوو العلاقة ساكناً، ومن أمن العقوبة أساء الأدب.. إننا - ولله الحمد والمنة - نؤمن بالله وقضائه وقدره وأنه لا مرد لقضائه.. ولكن شريطة (أعقلها وتوكل). وإثر هذه الحادثة المفجعة التي أدمت القلوب أتمنى على فخامة الرئيس حسني مبارك والذي اختاره الشعب المصري ثقة في قدراته الإدارية والسياسية أن يشكل لجاناً فنية وأخرى وزارية للتحقيق الدقيق والمتأني، لبحث أسباب غرق العبارة مع الأخذ في المقام الأول بشهادة الناجين، ومن ثم العمل على تفعيل المقصلة ليعلم الذين أهملوا واستهتروا أي منقلب ينقلبون، ويعلم الجشعيون أن أرواح هؤلاء الأبرياء تستصرخهم صباح مساء، ويجب أن يطال التحقيق وبكل شفافية أولئك الذين تأخروا في الإنقاذ وكان تأخرهم مدعاة لإزهاق أرواح عديدة، تصوروا معي يا سادة لو تأخرت رواتب هؤلاء، لأقاموا الدنيا وتقوم قيامة النقابات ويبدأ الشجب والاستنكار. وبهذه المناسبة أرجو أن تكون هذه الحادثة عبرة، وقد يكون من المناسب استلهام التجارب منها والعمل على تشكيل فريق إدارة أزمة مدرب ومتمرس، يتولى إسداء النصح للركاب وتوجيههم نحو طرق وآليات السلامة، ومن شأن هذه الفرق التعرف على مصادر الأخطاء والمبادرة إلى إبلاغ الجهات المختصة أولاً بأول. أحر التعازي لذوي الضحايا، أسر الشهداء، والشفاء العاجل للمرضى، والصبر للمكلومين، وأسأل الله العلي القدير أن يقي أمتنا شرور النوائب والنواصب واللأواء.