قرأت بكل سرور كلمات صادقة وحروفاً معبرة خطها قلم كاتبة متمرسة وصحفية نشيطة، تلكم هي الأستاذة وسيلة الحلبي التي كتبت وعبر صفحة الرأي يوم الاثنين 16- 12-1426ه مقالاً عنوانه (عمل المرأة خارج منزلها = التصحر العاطفي) وقد أعجبني كثيراً وحرّك مشاعري ودفع قلمي أن يسكب من مداده شكراً وثناءً للكاتبة، وهذا أقل واجب نقدمه لها مع دعائنا لها بدوام التوفيق والنجاح، وإنه من حق المحسن أن يقال له أحسنت.. هذا المقال تميز بروعة الأسلوب وحسن الصياغة وجمال الألفاظ وبراعة التصوير مع قوة في الحجة وتميز في الإقناع ولا عجب ولقد تطرقت -وفقها الله- إلى ضرورة التوازن في عمل المرأة خارج بيتها بحيث لا يكون على حساب وظيفتها الأساسية في بيتها من التحبب إلى زوجها وخدمته ومشاركته شؤون الحياة وشجونها، مقتدية بأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها التي سجلت موقفاً مشرقاً تجلى فيه دور المرأة العاقل تجاه زوجها تثبيتاً ودعماً ومؤازرة، وكانت أول مناصرة لهذا الدين العظيم إذ جاء حبيبنا صلى الله عليه وسلم إليها من غار حراء في مبدأ الوحي يرجف فؤاده وقال لها زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع وقال يا خديجة لقد خشيت على نفسي بعد أن أخبرها الخبر، فقالت رضي الله عنها: كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.. ولم تقتصر على تلك الكلمات الرائعات المهدئات بل أخذت رسولنا صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان على علم بالإنجيل فثبته وطمأنه.. كم نحن بحاجة أن تدرس نساؤنا سيرة أم المؤمنين خديجة وغيرها من الزوجات المثاليات كي يتخذنها نبراساً ومنهاجاً. ومن وظيفة المرأة الأساسية في بيتها تربية أولادها تربية إسلامية، فالأبناء والبنات في مرحلة الطفولة التي هي مرحلة التكوين والبناء والغرس في حاجة ماسة للمسات الحنان والعطف والمشاعر الدافئة التي لا يملكها إلا الأم هبةً من الله فإذا فرّطت المرأة في ذلك وبخلت على أولادها مبتعدة عن منزلها واهبة عملها ووظيفتها الإدارية جُلَّ اهتمامها فإن لذلك آثاراً سلبية على الأولاد وبالتالي على المجتمع الذي سيمتلئ بأفراد ذوي نزعات عدوانية وأخلاق غليظة وطباع جافة، وكما قيل (فاقد الشيء لا يعطيه).. إننا وبكل صدق وصراحة نحتاج للسخاء في مشاعرنا بكلمات رقيقة وعبارات لطيفة وثناءات جميلة تسد فراغاً عاطفياً يعيشه الكثير من أبنائنا كي يعيشوا استقراراً نفسياً وعاطفياً في ظل المتغيرات التي يحفل بها عصرهم من حروب وفتن ومشكلات وصعاب وإغراءات وأحداث مزعجة وأمور مؤلمة، ولن يكون لذلك أثر فيهم إلا إذا ربطوا بكتاب الله العزيز الذي هو مصدر الأمان والاطمئنان النفسي.. (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) وصدق الله سبحانه حين قال: (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ).. ولك أن تتأمل أخي القارئ خطاب لقمان لابنه حين خاطبه بألطف العبارات وأرقها حاملة توجيهات سامية انسابت إلى قلبه بكل سهولة ويسر بل كل من قرأها أو سمعها فإنه يقف معجباً بها، لقد صدر خطابه بلفظ البنوة المصغرة كلمة (بُني) والتي نشعر فيها بالدفء والحنان والعطف والحب الكبير.. (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ)، (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ)، (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا)، (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ). هذا نموذج واحد والنماذج كثيرة لمن أراد أن يُنمي غريزة العاطفة في قلبه كي يكون شلالاً متدفقاً حباً ورحمة وحناناً لأولاده وللآخرين. إذن ما علينا معاشر الآباء والأمهات خصوصاً إلا استشعار المسؤولية الكبرى الملقاة على عواتقنا تجاه أبنائنا تربية وتوجيهاً وإغداقاً عليهم من مشاعر الحب، حتى لا يعيشوا في أجواء التصحر العاطفي، بل يرفلوا في واحات من السعادة والسكينة، متدفقة فيها جداول الحب وجارية فيها أنهار الرحمة ومغردة فيها بلابل العطف، هذه الآمال فأبناؤنا ثروة سنكون في أمس الحاجة إليهم إذا كبرنا، فازرع تحصد، وابذر تقطف إن خيراً فخير وإن شراً فشر. وللجميع عاطر التقدير وللجزيرة جزيل الشكر. عبدالله سعد الغانم تمير - ص ب 42 [email protected]