كان السيف يتلألأ عاكساً أنوار الشمس فوق رأسه، وكان السيّاف يرفع يده لتنفيذ حكم القصاص الشرعي ولم يتبقّ من حياة ذلك الشاب سوى مسافة ما بين يد السيّاف المرفوعة للأعلى وبين رقبته وهو يجلس على الأرض، ربما كان لا يصدِّق بأنّه سوف يصبح في هذا الموقف، ولكن بعد مشاهدة ذلك أيقن بأنّ الموت قاب قوسين أو أدنى منه، ربما لا يمتلك في تلك اللحظات سوى النطق بالشهادتين واعتبارهما آخر كلامه من الدنيا، أخذت صفحات سنين العمر تنقضي من أمام عينيه بلمح البصر وكأنه لم يعش يوماً واحداً .. موقف يصعب على المشاهد وصفه فما بالكم بالذي سوف ينفذ به الحكم، ليس ظلماً وعدواناً له بل هو الذي جلب على نفسه ذلك في لحظة كان الشيطان حاضراً بها، يزوّل ويزين كل شيء أمام الفاعل وبعد انتهاء كل شيء يفلت منه وكأنه يقول لا دخل لي، هكذا هي نزعات الشيطان دائماً في كل المواقف، جلس ذلك الشاب وربما لم يبق عنده بصيص أمل بأن يعود للحياة مجدداً، وبعد الفراغ من إعلان البيان ووسط الساحة التي اكتظت بالمواطنين لمشاهدة عملية التنفيذ التي لم يبق لها سوى نزول السيف من يد السيّاف على رقبة الشاب ... عندها تظهر ابنة بلدي صاحبة العفو والقلب الحنون وصاحبة الإنسانية وابنة الصحراء ابنة القيم والشيم هي الأم العطوفة وهي الأخت الحنونة وهي الزوجة المطيعة وهي ربة البيت المريبة الفاضلة وهي المتعلمة المثقفة ... وهي وهي وهي. ماذا عساي أن أقول عنها يكفيني فقط بأن أقول بأنّها (المرأة السعودية المسلمة)، تظهر وتقول له في مرآى من الملأ (عفوت عنك لوجه الله)، بل وتمسح على رأس ذلك الشاب وكأنها تقول ها هي يدي التي حرمتها من لمس رأس ابني .. ها هي تمسح على رأسك بدلاً منه، وها هو قلبي الذي حزن لفراق ابني يعفو عنك لتسعد بالدنيا ويسعد ذووك من ورائك أما أنا فأرجو الثواب من الله عز وجل ولا غير ذلك، هنا كانت بداية حياة جديدة لذلك الشاب. عندما ضربت والدة هشام الغامدي أروع الصور لأبناء الأُمّة، وعندما قالت للعالم بأسره بأنّ النساء شقائق الرجال في كلِّ شيء، فلله درك أيتها الوالدة الحنونة وأكثر الله من أمثالك وعوّضك خيراً في الدنيا والآخرة وجعل ذلك في موازين حسناتك وهنيئاً لأبناء محافظة الطائف بوجود مثل تلك الوالدة، بل هنيئاً لنا كشعب واحد ملتف حول قيادته الحكيمة ومستمدين من القرآن والسنّة نبراساً ومنهجاً لنا.