هذا الترقب والهدوء الذي تشهده الساحة العربية وخصوصاً في الأراضي الفلسطينية.. حقيقة ليس مؤشراً على الخوف من وفاة رئيس الوزراء الإسرائيلي آريئيل شارون أو حزناً على فراقه.. لكنها خوف وترقب شديدين لمن سيأتي بعده خصوصاً في الأراضي الفلسطينية التي تشهد هذه الأيام حركة سياسية وفلتان أمني تنظر إليه الدول العربية بحال من الحيرة والترقب للآتي بعد شارون. بالنسبة للإسرائيليين.. شارون لا يمكن تعويضه وإن اعتبره بعض المتشددين اليهود خائناً وبائعاً لأراضي إسرائيل بعد إعادته غزةللفلسطينيين وإجلاء ثمانية آلاف مستوطن من خارج غزة.. إلا أنه كان مهندساً للاستيطان الإسرائيلي في فلسطين انطلاقاً من مبدأ أمني لإسرائيل وشعبها المحتل وليس دينياً.. لقد دمر شارون مستوطنة (يميت) في سينا بعد توقيع معاهدة سلام مع مصر سنة 1979م ليس حباً في العرب أو تلطيفاً لسياسة الاحتلال وإنما حفاظ على أمن إسرائيل. فتسمية شارون (البلدوزر) لم تأتِ من فراغ فالرجل لا يعرف شيئاً اسمه ضوء أحمر. لقد عمل شارون بغطرسته وبقوته المدعومة وعدم خوفه أو تعبيره لأي انتقاد لصالح إسرائيل فعلاً.. فمن مذابح صبرا وشاتيلا وجنين وحصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مدينة رام الله حتى وفاته.. مروراً بالشروع في بناء الجدار الإسرائيلي الفاصل حتى سياسة الاغتيالات المستمرة في صفوف القيادات الفلسطينية.. حقيقة الإسرائيليون سيبكون شارون بكل حرقة وأسف بعكس الفلسطينيين الذين يرون في رحيله راحة لهم وتخليصهم من ويلات العذاب اليومي غير أن الواضح غير ذلك فالبرغم من ما عمله شارون والذي يظن البعض أنه لصالح الفلسطينيين عندما سلم غزة لهم وأجلى ثمانية آلاف مستوطن فضلاً عن الهدنة الموقعة بين الفصائل وإسرائيل غير أن سياسة الاغتيالات وتدمير المنازل والمزارع واقتلاع الأشجار والاعتقالات مستمرة. لا شك أن شارون سياسياً انتهى ولكن الاحتلال وسياسة الإجرام اليهودية باقية فشارون لم ينشق عن حزب (الليكود) ليشكل حزباً جديداً بزعامته (حزب كاديما) من فراغ بل تمهيداً للانتخابات التشريعية الإسرائيلية المقبلة ونظراً لما يحظى به شارون من دعم كبير من قبل الرأي العام الإسرائيلي ونظراً لأن من سيخلف شارون من خلال هذا الحزب سيحذو حذوه، ففي هذه الأيام ضل هذا الحزب (كاديما) محافظاً على قوته.. بالرغم من مرض شارون والمؤشرات كلها تصب في صالحه أي فوزه بالانتخابات التي ستجرى في آذار مارس وذلك من خلال نائب شارون أيهود أولمرت الذي يتولى رئاسة الوزراء حالياً بالوكالة وهو رجل يخطو بخطا شارون وينفذ سياساته وإن كانت المنافسة الانتخابية ستحتدم بينه (أولمرت) وبنيامين نتنياهو (يميني قومي) فسيكون الوضع أكثر خطورة فسياسة نتنياهو معروفة تجاه المنطقة العربية فهو يميني متطرف لا يعترف بالسلام مع العرب لكنه في الوقت نفسه ليس مهندساً للاحتلال كما شارون الذي أطاح به في انتخابات 1996م واعتزل بعدها العمل السياسي حقيقة قد يسبب غياب شارون حالة من الاضطرابات الجديدة وربما تنقلب الأمور رأساً على عقب وكلها مسجله على حساب السياسة الشارونية وخصوصاً في ظل ما تعانيه منطقة الشرق الأوسط من تدهور أمني وسياسي في فلسطين نفسها والوضع السوري وقطيعته الظاهرة على ما يبدو مع ولبنان والوضع في العراق.