إن مشكلة إدمان المخدرات لا تقتصر معاناتها على الشباب والرجال فقط، ولكنها امتدت لتطال النساء والأطفال أيضاً، خصوصاً في الدول الغربية، ولكن في مجتمعاتنا العربية المسلمة لم تصل إلى هذا ولله الحمد، والسبب في ذلك قوة الوازع الديني، بالإضافة إلى دور المرأة وموقعها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، الأمر الذي يجعلها بعيدة عن مشكلة التعاطي والإدمان، ولكن يبقى هناك ثغرات في أوساط المجتمعات النسائية في عالمنا العربي، رغم أن تلك الانحرافات مما يرفضه الدين أولاً والعادات والتقاليد ثانياً. نسبة غير مقلقة فقد أوضح الدكتور هشام فايد أن مشكلة التعاطي غير المشروع للمواد المخدرة عند النساء أهملت في مختلف الدول العربية، وهذا الإهمال متعمد نظراً لخصوصية المرأة، حيث يعد المجتمع العربي مشكلة الإدمان مقصورة فقط على الذكور.. ولكن لا بد من الوقوف على تلك المشكلة بين صفوف النساء رغم أن هذه المشكلة لا تدعو للقلق والرعب. أما الدكتور عادل صادق أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس فقال حول ظاهرة الإدمان خلف أسوار الجامعة: إن إدمان بعض الطالبات يرجع إلى محاولات البعض إقامة علاقات مع هؤلاء الطالبات، حيث إن المخدر يقضي على أي وازع من ضمير قد يمنع الفتاة من السقوط. وقد لُوحظ أن النساء المدمنات وذويهن حريصون أشد الحرص على التكتم والصمت وإخفاء المشكلة حتى إنكارها، ويرفضون طلب المساعدة أو التردد على أماكن العلاج، بل ينظر إليها أنها امرأة سقطت وهي دون أخلاق. أما الدكتور محمد مرعي اخصائي علم الاجتماع فقال: إن إدمان المرأة مرتبط بسقوطها، تدمن المرأة فتسقط، وهذا ما حدث لعشرات الفتيات والسيدات للحصول على المادة المخدرة، فقد تقوم المرأة بارتكاب جريمة أو بممارسة أفعال مخلة بالشرف والقيم والأخلاق. ويوضح الدكتور مرعي أن التعاطي تجاوز حدود الجنسية والجنس والطبقة الاجتماعية، فهو لا يقتصر على فئة أو طبقة معينة، بل إن دائرة الإدمان تحاصر المرأة مثلما تحاصر الرجل في المناطق الشعبية والراقية وفي الأوساط الفقيرة والمتوسطة والغنية وبين صفوف الأميات والمتعلمات وبين العازبات والمتزوجات وبين الصغيرات والكبيرات. أما الدكتور جمال الخطيب الاخصائي في علم النفس فيؤكد أن غالبية المدمنات يعانين من الشعور بالدونية، وفقدان الثقة بالنفس، كما يعانين من التوتر والقلق ويملن إلى الانتحار. وقد تبين من الدراسات أن المرأة المتعاطية شديدة الحساسية للقلق والكرب والاكتئاب، وفشلت المتعافيات في مواجهة ظروفهن وفقدن احترام ذواتهن، وتفاقمت مشاكلهن ودمرن أسرهن، وسار الكثير من أبنائهن في طريق الانحراف والجريمة. التدخين والإدمان وقد التقينا بعدد من المدخنات، حيث تحدثت (م، ن،ع) 39 عاماً فقالت: بدأت التدخين وأنا في السابعة عشرة من العمر، وكان ذلك من صديقة لي، وشيئاً فشيئاً تملكتني هذه العادة ولم استطع أن أمنع نفسي عنها إطلاقاً، فأنا أدخن يومياً (علبتين) بالإضافة إلى تناول الحبوب المنشطة التي أدمنتها فترة ولكنني تغلبت عليها وأقلعت عنها، أما التدخين فلم استطع الابتعاد عنه. بينما تقول (أ.ع): أدمنت السجائر عندما بدأت أذاكر عند بنت خالي، حيث أتت زميلتها في الدراسة وكان في جعبتها أكثر من نوع من السجائر التي بدورها عرضتها علينا وبدأنا ندخن.. وهكذا كل يوم حتى أدمنا التدخين ولم نستطع الإقلاع عنه. وفي إحدى المرات وجدت أمي في محفظتي علبة السجائر فأخبرتها أنها ليست لي.. ولكنها لم تصدق ذلك.. حتى عرفت أخيراً بالصدفة من زوجة خالي ومنعتني من الذهاب خارج المنزل. الأمومة وتعاطي المخدرات وعن مخاطر استعمال المواد المخدرة بما فيها التدخين والكحول على صحة الأم الحامل والجنين فقد بيّنت نتائج الدراسات والأبحاث الطبية أن (33%) من أجنة الحوامل المدمنات يصابون بأمراض خطيرة تلازمهم مدى حياتهم، وتؤكد ذلك الدكتورة آمال بدر الدين الأخصائية بأمراض الأطفال، مضيفة أن المخدرات بما فيها الكحول والتبغ لها تأثير سلبي وسُمّي شديد على الجنين في رحم أمه، فالحوامل والمرضعات اللاتي يتعاطين تلك المواد ينقلن آثارها السمية للجنين من خلال المشيمة، كما أنها تنقل للرضيع عبر حليب ثدي الأم، أي أن المواد التي تستهلكها الأم تصل إلى الطفل قبل وبعد الولادة. وتؤكد الدكتورة آمال على أن طفل المرأة المدمنة مدمن مثلها، فإذا خرج للحياة فهو مدمن ومرتهن بنفس المادة المخدرة التي كانت تتعاطاها الأم خلال فترة الحمل. هذا، وقد أظهرت التجارب التي أجريت على الحيوانات التي حقنت بمواد مخدرة أنه بالرغم من قلة كمية المواد المخدرة التي حقنت بها تلك الحيوانات فإنها لم تقلل من خطر تأثير تلك المواد القاتلة على المواليد، بمعنى آخر أنه ليس هناك كمية آمنة.. أي كمية تتعاطاها الأم الحامل بغض النظر عن حجمها لها مخاطرها القاتلة على الجنين. وتوضح الدكتورة أنور جيهان أحمد طبيبة نساء أن هناك ما يسمى (بمتلازمة الجنين الكحولي)، فهو نمط غير عادي من النمو والتطور يحدث لدى بعض المواليد الذين يولدون لنساء مدمنات، أو الأطفال الذين يحملون هذا المرض فيظهرون عجزاً في النمو العقلي والبدني، فهم من الناحية النموذجية ضئيلو الحجم، ولهم وجوه مميزة ومتشابهة حيث يتميز الوجه لديهم بمجموعة مظاهر غير طبيعية مثل: أنف قصير ومعكوف، جسر أنفي مغمور، شفة علوية رقيقة، إعاقة في نمو الكفين. وتوضح أيضاً أن الإدمان على تعاطي المواد المخدرة للجنسين يؤدي إلى ضعف جنسي كامل لدى المتعاطين، حيث تتسبب المخدرات في نقص إفرازات الهرمونات المنمية للغدة التناسلية التي تفرزها الغدة النخامية لدى الرجل، وهذا من شأنه أن يقلل من كمية الهرمونات الخاصة بالذكورة ويضعف بالتالي عملية الإخصاب، كما لها تأثير سيئ على الكروموسومات التي تحمل الصفات الوراثية للطفل؛ إذ تعمل على اضطرابها وانقسامها، الأمر الذي يؤدي إلى تشوه الجنين في رحم أمه، كما قد تحمل الأجنة أمراضاً صبغية خطيرة. أما النساء فإن التعاطي يقلل من إفراز الهرمونات المنمية للغدة التناسلية، ما يؤدي إلى اضطراب الدورة الشهرية وإضعاف القدرة على الاخصاب، إضافة إلى أن الإدمان يتسبب في تشويه البويضات التي تحملها الأم في المبيض، وبالتالي قد يكون تعاطي المخدرات السبب في ضياع فرص الحمل أمام الأم، وإذا حملت المتعاطية فهناك عدة احتمالات: إما حدوث إجهاض مبكر، أو ولادة طفل ميت مشوه، وأخطر ما في الأمر أن الطفل يولد وهو مدمن لا يكف عن الصراخ والبكاء حتى يعطى جرعة من المواد المخدرة التي كانت تتعاطاها الأم!، كذلك إن تعاطي المخدرات يقلل من إفراز الحليب عند الأم بسبب نقص مادة البرولاتين، إضافة إلى أن فترة النفاس تطول وتزداد معها نسبة المضاعفات والتعرض للأمراض. هذا، وإن خطر التعاطي لا يقتصر فقط على الناحية الجسدية، بل قد يقود لدمار الحياة الزوجية بين الزوجين؛ لأن التعاطي يؤدي إلى انعدام أو انخفاض الرغبة المبنية لدى المتعاطي أو المتعاطية وبالتالي قد يؤدي ذلك لانهيار الحياة بين الزوجين. أما الأمراض التي يتعرض لها المتعاطون فتتضح في شرود الذهن وضعف الإدراك وعدم القدرة على التركيز الذهني والكسل العام والوهن الذي يصيب الجسد والعقل الأمر الذي يؤدي إلى زيادة فترة نوم الخلايا، إضافة إلى أن التمثيل الغذائي يهبط إلى (25%)؛ إذ بينت الدراسات الطبية أن حوالي (75%) من المدمنين يحدث لديهم عطل واضطرابات في وظيفة الكبد، كما تظهر عليهم دلائل الشيخوخة المبكرة، إضافة إلى إصابتهم بما يسمى بأمراض الجهاز القلبي الوعائي الذي منه ارتفاع ضغط الدم واضطرابات في الغدة الصماء ومرض نقص المناعة (الإيدز)، كما يكون المتعاطي أكثر عرضة للإصابة بمرض السرطان، وتلف الدماغ. الوقاية والحد من التعاطي وعن كيفية الوقاية والحد من التعاطي غير المشروع للمواد المخدرة قال الدكتور فؤاد عبدالحليم عويس: لا بد من تقوية الوازع الديني قبل كل شيء، ثم حماية أفراد الأسرة وضمان صحتهم الجسدية والعقلية والنفسية والاجتماعية، وعدم الخلافات الزوجية أمام الأبناء، وعدم تدليع الشباب وإعطائهم الفلوس دون سبب مهم، وعدم ترك الشباب يسافرون للخارج. وكذلك رعاية الأم أبناءها واستفسارها عن مكان وجودهم ومعرفة أصدقائهم وعائلاتهم، والتبليغ لأقرب مستشفى أملا بالعلاج الفعّال وبسرية تامة. كذلك لا بد أن يكون موضوع الوقاية من أهم القضايا التي توليها الحكومات في الدول العربية وبصرامة وجدية، والتوعية المتنوعة من قبل وسائل الإعلام والمؤسسات الصحية والتربوية والخيرية والتثقيفية بأخطار المخدرات وتوفير المزيد من الخدمات الاجتماعية والترفيهية والصحية ووسائل العلاج وإتاحتها أمام جميع أبناء المجتمع، وضرورة تثقيف المرأة ثقافة مضادة للتعاطي نظراً لخطورة دور المرأة في المجتمع. وبالنسبة للوقاية من التدخين والكحول فهناك ضرورة الالتحاق بعيادات مكافحة التدخين والتدخل السريع للعلاج.