(العجوز وبيت النمل) هو عنوان قصيدة للدكتور عبد الرحمن بن صالح العشماوي في ثمانية وأربعين بيتا من الشعر. ونشرت في جريدة (الجزيرة) بتاريخ 1 من ربيع الآخر 1424ه، وجاء في مناسبة القصيدة: (روى لي من له علاقة مباشرة بهذه القصة أن عجوزا من النيجر كانت تبحث عن بيوت النمل لتجمع ما تجده حولها من حبوب وفتات لتسد بها جوعتها وجوعة بنياتها البائسات، وكانت المجاعة قد أحكمت قبضتها على (النيجر) في ذلك العام، استطاعت شاشة تلفازية أن تلتقط صورة لتلك العجوز وهي تبحث عن قوتها على بيت النمل، ورأى تلك الصورة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز فقدم من العناية بفقراء ذلك البلد، ومن الدعم ما كان سببا في إدخال السعادة على قلوب أشقاها الألم والجوع، ونال تلك العجوز من الرعاية الخاصة ما رفع عنها المعاناة القاسية لأنها كانت سببا في هذا العمل الجليل). ومطلع القصيدة: ماذا تريدين من لقط الحبيبات يا من على ثغرها فيض ابتهالات؟ وفيها: ماذا تريدين من هذا العكوف على بيت صغير وحبّات قليلات؟ هذي الحبيبات كنز النمل يجعله قوتا لأسرابه وقت المعاناة هذي حصيلة سعى في مناكبها هذا ادخار ليوم جائع شاتي ترفقي، هذه الحبات ما جُمعت إلا بآلاف روحات وجيئات لو تجمعين ادخار النمل في سنةٍ لما صنعت به بعض اللقيمات فلتتركيها على الرزق الذي جمعت فقد قضت زمنا في جمع بذرات تصوير رائع لواقع الشعب النيجري وليس لامرأة واحدة؛ شعب بلغ به الضيق والجوع والجفاف مبلغا كبيرا.. ولم تجد إلا أيدي جمعيات مشبوهة تمتد بمساعدات محدودة لهدف ظاهر أشار إليه الشاعر بقوله: أطفالنا تحرق الصلبان فطرتهم كالنار تحرق أحلام الفراشات ولقد أبدع الشاعر - كعادته - في تصوير ذلك الواقع في أبيات جمعت بين القوة والوضوح والجمال.. هنا يكون للمجد مكان وللشهامة موقع ودور كبير. ولقد قلتها وأنا أرى شريط (فيديو) صورته إحدى الجمعيات الخيرية التي زارت النيجروتشاد وغيرهما. ورأيت صورة هي أو مثلها ما يعنيه الشاعر.. قلت: يجب أن تتحرك لتلك المشاهد قلوب حية ونفوس كريمة وضمائر يقظة، لا بد أن ينهض بهذا السهم كبار الرجال ويتصدى له القادة والمصلحون. وكان ذلك.. رأى الأمير الكريم والمسلم الغيور والجواد الشهم سلطان بن عبد العزيز ذلك المشهد، فتحركت له نفسه، وصرف له تفكيره وأناله عنايته واهتمامه، فأرسل وفدا إلى ذلك البلد يتقصى الأخبار ويحدد حاجة المسلمين هناك وأوجه المساعدة الممكنة لهم، ثم مد لهم يدا كريمة رحيمة حانية كان لها أثر كبير في رفع المعاناة وإعادة البسمة إلى الوجوه والشفاه.. وكان لها أثر كبير أيضا في إعطاء القدوة للشعب السعودي النبيل الذي يرى أن قادته - وفقهم الله - قدوة في كل أعمال الخير والبر والإحسان. وحينما نعيد النظر إلى قصيدة شاعرنا نجد ختامها: وذات ليل تجلى البدر يرمقني بنظرة الحب في أغلى المساءات رأيتها وخطاها غير واهنة تجر أطراف أثواب جديدات تمشي وعكازها يختال في يدها وفي ملامحها فيض البشارات هل أنت صاحبة النمل التي وقفت بالأمس تلقط أجزاء الحبيبات؟! قالت: نعم أنا من تعني محا ألمي وساق لي رزقه ربُّ السماوات لما أراد بنا خيرا أقام لنا مِنْ خلقه مَن بنى صرح المروءات رأى يدي حول بيت النمل تبحث عن قوتٍ أصدُّ به شكوى بنياتي فمدّ كف حنانٍ أنقذتْ أملي من سطوة اليأس، من سوء النهايات نعم أنا من تعني، رفعتُ يدي أدعو بخيرٍ لسلطانِ العطاءات إن بلادنا هي محط أنظار المسلمين؛ لأن فيها قبلة الصلاة، وعليها نزل الوحي على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها انطلق نور الإسلام وبه دخل الناس في دين الله أفواجا.. أفلا يكون هذا البلد الكريم سباقا إلى المكرمات، سباقا إلى نجدة المحتاجين وعون المنكوبين وإغاثة الملهوفين؟! بلى هو لها؛ ولقد كان هذا نهج ولاة الأمر فيه بداية من موحد المملكة وباني مجدها ومرورا بأبنائه الكرام الذين تولوا الأمر بعده: سعود وفيصل وخالد ثم فهد رحمهم الله وغفر لهم.. وحينما جاء عهد عبد الله بدأت مكارمه من أول يوم في عهده (ملكا للبلاد) وكانت يده (حفظه الله) طولى بالبر والإحسان قبل توليه الملك، ولكن جزل عطاياه لشعبه بدأت منذ أول أسبوع تولى فيه، ثم جاء عونه لإخوانه المسلمين حينما وقع الزلزال في باكستان فرأيناه يعلن تبرع المملكة العربية السعودية بما مجموعه ألف مليون ريال نقدا وعينا لنجدة المنكوبين وعلاج المتضررين وبناء ما تهدم من منازل وغيرها، ثم يذهب إلى تلك البلاد سمو الأمير أحمد بن عبد العزيز ليشرف بنفسه على إيصال المساعدات لمستحقيها. إن تلك المساعدات والجهود من ولاة الأمر ومن الشعب السعودي ليست أمرا غريبا، وإنما أداء لواجب ومحافظة على القيم وتمسك بالمبادئ الثابتة للمملكة قيادة وشعبا، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أنعم على بلادنا بخيرات كثيرة ونعم وفيرة وفضل واسع فيجب أن لا ننسى إخواننا ممن ابتلاهم الله بجدب وقحط أو مصائب أخرى، ويجب أن نقدم لهم يد العون وأن نبادر إلى ذلك لأن فيه مكاسب كثيرة: - ففيه أجر عظيم من الله تعالى. - وفيه سد لحاجة إخواننا كي لا يمدوا أيديهم لمن لا يقدر حاجتهم، أو يستغل حاجته ويستثمر عونه لهم لتحقيق مصالح سياسية أو دينية أو مذهبية. - وفي ذلك أيضا تجديد للثقة بالله تعالى حيث وعد المنفقين في سبيله بالبركة والزيادة وأخبر عن ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: (ما نقص مال من صدقة بل تزده بل تزده بل تزده) وقال الله تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ).. ومن أكبر صور شكر النعمة الإنفاق في وجوه الخير والبر والإحسان. بقي أن أقول: إن حاجة إخواننا في إفريقيا وخصوصا في تشادوالنيجر لا زالت قائمة وأحوالهم صعبة، فهل تستمر عطاءاتنا، وتتواصل مساعداتنا لهم؟ هذا ما نأمله ونرجوه. أسأل الله بأسمائه الحسنى أن يمد مليكنا وولي عهده بالصحة والعافية وأن يبارك في جهودهما وأن يحفظ بلانا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، وأن يدفع عنها كل سوء ومكروه، وأسأله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.