قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور خالد بن علي الغامدي اليوم الجمعة إلى أن البشرية تعاني من الصراعات التي نتج عنها ألوان من الخوف والجوع وسفك للدماء. وأضاف خلال خطبة الجمعة أن عاصفة الحزم والتحالف الإسلامي ورعد الشمال، دليل على العزم والحزم والحسم في مواجهة الإرهاب العالمي والإقليمي والتطرف والطائفية. وتابع “هذه الصراعات المختلفة تؤثّر على كثير من الناس في عقائدهم وتصوراتهم وثقافاتهم وأخلاقهم؛ مما كان سبباً في اختلالاتٍ ظاهرةٍ في الأمن الاجتماعي الذي أصبح تحقيقه في المجتمع والحفاظ عليه يشكل الهاجس الأكبر في حياة الأفراد والمجتمعات اليوم، وتسعى كل الممالك والأمم إلى إرسائه ليعيش المجتمع حياة الهدوء والاستقرار والعمل المنتج البنّاء، ويأمن الفرد على نفسه وأسرته وعمله ومعيشته”. الأمن الاجتماعي من أجلّ الغايات الشرعية وأردف: “الأمن الاجتماعي غاية من أجلّ الغايات الشرعية، ومقصد عظيم من مقاصد الدين، وهو مِنةٌ إلهيةٌ كبرى يضرب الله بها الأمثال: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا}، وهو فريضة وضرورة من ضرورات العمران البشري والاستخلاف والنهوض الحضاري؛ ولذلك قرن الله بين نعمة العيش والأمن، وامتنّ بهما على عباده، وجعلهما من أهم أسباب التمكين من عبادة الله {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ}، وسوف يسأل الناس جميعاً عن نعمة هذا الأمن {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}، قال ابن عباد وقتادة: هو الأمن والصحة لافتاً إلى أن شعور كل فرد في الأمة بالطمأنينة والسكينة في غدوه ورواحه، وسفره وإقامته، وتمكينه من عبادة ربه، والاستقرار النفسي والأسري والمعيشي، فلا خوف ولا فزع ولا تفرّق ولا تناحر؛ من أعظم نِعَم الله وأجلّ كرائمه {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا}”. وتابع: “لقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الشعور بالأمن في المجتمع أحد مقومات السعادة والقناعة حيث قال: (مَن أصبح منكم آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)، وهذا كله أثر من آثار شيوع الأمن الاجتماعي؛ فينعكس ذلك إيجاباً على الأمة فتظهر بمظهر العزة والقوة بسبب تلاحم أفرادها وترابطهم وتعايشهم فيما بينهم بالحب والمودة والتناصح والتباذل والتعاون والستر والصفح والعدل والإنصاف والعفو عن المسيء”. أمن المجتمع ضرورة حياتية وقال “الغامدي”: “أمن المجتمع ضرورة حياتية للعيش الهنيء الرغيد والسعادة والسلوك الحسن والتقدم والرقي؛ فلذلك توالت النصوص من القرآن والسنة في التأكيد على الأمن الاجتماعي والحرص عليه لينعم المجتمع بأسره بالهدوء والاستقرار، وليتمكنوا من إقامة شرع الله وتسخير الأرض وعمرانها في تحقيق الخير والصلاح، ولن يصلح لهم ذلك إلا بالتعاون على البر والتقوى والحذر من التعاون على الإثم والعدوان، وهو أساس عظيم من أسس بناء الأمن الاجتماعي {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}”. وأضاف: “من أجلّ ما يُبنى عليه أمن المجتمع أن يقوم على قاعدة راسخة ثابتة من الأخوّة الإيمانية التي تؤسس العلاقات بين أفراد المجتمع تأسيساً قوياً ثابتاً؛ فتشيع بينهم أواصر المحبة والإيثار والتناصر والتناصح والتعاون وحب الخير بعضهم لبعض، وتنتشر بينهم صور الإحسان والبر للوالدين والأرحام والجيران والتكافل الاجتماعي ورعاية الأيتام والأرمل والمساكين، والسعي في تفريج كربات وحوائج الناس، وقضاء ديونهم، وإنظار معسرهم، والستر على مخطئهم، وغير ذلك من صور الإحسان والأخوة الإيمانية التي هي من أعظم مقومات المجتمع الآمن، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}، وقال صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده)، وقال: (المؤمن مَن أمن الناس على دمائهم وأموالهم)، وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: (أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تُدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي دينه أو تطرد عنه جوعاً)”. وأردف إمام وخطيب المسجد الحرام: “الأخوة الإيمانية الصادقة من أهم أسس فشو الأمن الاجتماعي؛ فيشعر كل مسلم أنه في مجتمع أفراده بررة رحماء متعاطفون متحابون هينون لينون، مشفقون متباذلون، يكرمون المحسن ويُعينونه، ويسترون على المخطئ ويرحمونه، ولا يقابلونه بالتشهير والتعنيف والإقصاء، ولا يُعينون عليه الشيطان؛ فهو ما زال أخاً لهم؛ فينشأ من ذلك كله مجتمع آمن مستقر متماسك قوي كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (مَثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسم)”. واستطرد: “المجتمع الآمن هو الذي يقوم على طاعة الله وطاعة رسوله وأولى الأمر، ومن أطاع الأمير فقد أطاع الرسول، ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، والشريعة تحثّ وتأمر أن تنشأ المحبة والوئام والثقة بين الراعي والرعية والحاكم والمحكوم؛ فتعيش الأمة في أمنٍ وارف وظل ظليل من الاستقرار والتمكين والثبات”. وقال إمام الحرم المكي: “إن في عاصفة الحزم والتحالف الإسلامي ورعد الشمال أوضحُ دليل على العزم والحزم والحسم في مواجهة الإرهاب العالمي والإقليمي والتطرف والطائفية، ورد العدوان في نحر الكائدين والحاقدين للحفاظ على أمن بلاد الحرمين وبلاد المسلمين”.