ملامح الوجه، يصنعها تجانس خفي بين الظاهر منه، مثل العين والحاجب والأنف والخد والثغر والشفاه والأسنان، والصدغ والجباه والجبين، وغيره، والوجه لدى المرأة والرجل، والإنسان والحيوان يتحدد من خلال ذلك التجانس، وملامح الوجه فتنة الناظر، ولسان السائل، ورمز القبول، والرفض. وقد حاول الجاحظ أن يعرف الجمال، بما فيه جمال الوجه، فذكر أن الحسن هو التمام والاعتدال، والاعتدال هو وزن الشيء لا الكمية ولا يستحسن عدم التوازن، مثل العين الواسعة لصاحب الأنف الصغير الأفطس، والأنف العظيم لصاحب العين الضيقة، وكسعة الجبين بأكثر من مقدار أسفل الوجه. وابن عبد ربه يفرق بين الجميلة والمليحة ويذكر أن الجميلة هي التي تأخذ ببصرك جملة على البعد، والمليحة هي التي كلما كررت بصرك بها زادتك حسناً، قال أبو نواس: تتيه علينا أنْ رُزِقت ملاحةً فمهلاً علينا بعض تيهك يا بدر فقد طالما كنا ملاحاً وربما صددنا وتهنا ثم غيرنا الدهر وهو القائل أيضاً في قصيدة أخرى: يزيدك وجهه حسنا إذا ما زدته نظرا بعين خالط التقتير من أجفانها الحورا ووجه سابري لو تصوَّب ماؤه قطرا هذا هو أبو نواس الشاعر المعروف بشعره الخارج عن المألوف، يرى في ملامح الوجه إشباعاً جمالياً له، وهو عنده ليس بالضرورة مؤشراً لباقي جمال الجسم. ولن أَستشهِدَ بشعره في هذا لمقام لفحشه وسوء مراميه، وهذا ليس بمستغرب على أبي نواس. كان للفضل بن سهل جارية مليحة حسنة الوجه، فأراد أبو نواس معابثتها، فأرادت أن تتخلص منه بأسلوب لبق دون أن تجرح مشاعره، أو أن تسمعه ما يكره، فقالت له في أدب جم: وجهك والحرام لا يجتمعان، فاستحسن جوابها فقال في قصيدة منها: وقائلة لها في وجه نصح علامَ قتلت هذا المستهام فكان جوابها في حسن مس أَأَجمع وجه هذا والحرام لقد ربحت تجارة كل صب تهاديه حبيبته السلام أراد ملك كندة عمرو بن حجر أن يتزوج فأرسل في البحث عن الفتيات الحسان في القبائل، فبلغه خبر جمال ابنة عوف أمير شيبان، فوجَّهَ إليها امرأةً لتنظر إليها وتمتحن ما بلغه عنها، فذهبت إلى أم الفتاة وطلبت النظر إليها فرأت ما لم ترَ عينُها مثله قط، فخرجت إلى عمرو، ملك كندة، وهي تقول: رأيت جبهة كالمرآة المصقولة، يزينها شعر حالك مضفور، إن أرسلته خلته السلاسل ومع ذلك حاجبان كأنهما خطا بقلم، أو سودا بحمم، وقد تقوسا على مثل عين الظبية، بينهما أنف كحد السيف المصقول لم يعبه قصر ولا طول، حفت به وجنتان كالأرجوان، في بياض محض كالجمان، شق فيه فم كالخاتم: لذيذ المبتسم، فيه أسنان كالدر، وريق لذيذ، يتقلب فيه لسان ذو فصاحة وبيان، ولها شفتان حمراوان كالورد، يجلبان ريقاً كالشهد. فلما سمع ملك كندة الوصف خطبها من أبيها. قال أبو هلال العسكري: ووجه تشرب ماء النعيم فلو عصر الحسن منه اعتصر يمر فأمنحه ناظري فينشر ورداً عليه الخفر تمنعت العين في نفسه فما جفلت بطلوع القمر وهو هنا يصف لنا ملامح وجه تشرب بالنعيم فهو لا يعرف البؤس والحزن، ومع هذا فقد أسبغ عليه الحياء رافداً من جماله الخلقي والواقع أن ملامح الوجه ليست مقتصرة على المرأة وجمالها، بل قد تراه صفة يمكن أن يمدح بها الرجال، فالشاعر يقول: تراه إذا ما جئته متهللا حتى كأنك تعطيه الذي هو سائله وقال شاعر آخر: إن الكريم ليخفي عنك عسرته حتى تراه غنياً وهو مجهود وللبخيل على أمواله علل زرق العيون عليها أوجه سود لكن بعض الشعراء يرون أن بعض ملامح الوجه البشوش قد تكون ماكرة، فيها خبث ودهاء، وتخفي وراءها كثيراً من الغيظ والسخط، فليس بالضرورة أن تكون كل ملامح بشوش علامة للرضا، ولوصف ذلك قال الشاعر الشريف الرضي: تخفي بشاشته حميته كالسم موه طعمه العسل أو كما قال المتنبي في بيته المشهور: إذا نظرت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث مبتسم أما لون الوجه، مع جمال الملامح، فالبياض هو الغالب ولا سيما إذا خالطه حمرة قال الشاعر: وبيضاء يضحك ماء الشباب في وجهها لك إذ تبتسم لكن البياض ليس شرطاً، للملامح الجميلة، فقد تكون السوداء جميلة الملامح يتغنى بها الشعراء قال أحدهم: أُحِبُّ لحبها السودان حتى أُحِبُّ لحبها سود الكلاب وقال آخر: يكون الخال في وجه مليح فيكسوه الملاحة والجمال ولست تملّ مِنْ نظرٍ إليه فكيف إذا رأيت الوجه خال هذا شيء من ملامح الوجه ورأي البعض فيه، ولا ريب أن مقياس تلك الملاحة تختلف من شخص لآخر، فالروح تزيد الوجه المليح ملاحةً، وبها يتغير المعيار.