كان الأمن بمفهومه العام والشامل وسيظل هو الحلم الذي يراود كل الدول والشعوب، والذي من أجله تنفق الأموال، وتُنتخب الكفاءات، وتجيش الجيوش، وتزوّد بأقوى الأسلحة والمعدات، بل تنشأ لتحقيقه المجالس المتخصصة، وتمنح استقلالية تامة وصلاحيات واسعة، وسيادة تكاد تكون مطلقة. من هنا يجدر بنا التوقف والتأمل عند الأمر السامي بالموافقة على نظام مجلس الأمن الوطني الجديد، وتعيين صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز أميناً عاماً له، لندرك حجم الدور الحيوي المنوط بهذا المجلس في ظل المتغيرات والتوترات التي تشهدها المنطقة العربية والعالم بأسره في الآونة الأخيرة، وبالتحديد منذ أحداث 11 سبتمبر والحرب الدولية ضد الإرهاب، والتحديات التي تواجهها المملكة، والناتجة عن تداعيات وتداخل هذه المتغيرات على المستويين الخارجي والداخلي. ولمعرفة حجم وملامح هذا الدور الحيوي، لا بد من أن نعرف بداية أهمية مجلس الأمن القومي أو الوطني لأية دولة، بغض النظر عن طبيعة النظام السائد في هذه الدولة أو تلك، وفي الوقت نفسه مراعاة الخصوصية الوطنية لكل دولة. ******* التحديد الدقيق لاختصاصات المجلس يمنع تضارب عمله مع الجهات الأخرى مفهوم الأمن الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها هي أنه من الصعب بمكان الوصول إلى المعرفة الدقيقة لأهمية مجلس الأمن الوطني أو القومي، دون معرفة ماهية الأمن الوطني والأمن عموماً، والمفهوم الأمثل لهذا المصطلح في ظل تعدد المفاهيم والتعريفات. ولعل أدق مفهوم للأمن هو ما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}، فمثل هذا المفهوم - كما يقول د. منذر سليمان خبير الدراسات الاستراتيجية - يجعل الأمن نقيض الخوف، ويؤكد أن تأمين احتياجات المواطنين دون تهديد لانقطاعها هو جزء لا يتجزأ في مفهوم الأمن؛ وبالتالي فإن الأمن الوطني أو القومي لأية دولة أو أمة يجب أن ينطوي على السعي لتحقيق الأمان النفسي والجسدي لمواطنيها من خلال استخدام جميع عناصر ومصادر القوة المتنوعة التي تملكها الدولة للحيلولة دون تعرضها لمخاطر خارجية أو داخلية تهدد وجودها أو استقرارها أو حياة مواطنيها. ويكشف هذا المفهوم القرآني لمصطلح الأمن عن حداثة غيره من المفاهيم الواردة في العلوم السياسية، والتي اتسم كثير منها بالغموض إلى الدرجة التي دفعت بعدد كبير من خبراء صناعة الاستراتيجية ورجالات السياسة إلى القول إن اصطلاح الأمن ليس هو أفضل المصطلحات للتعبير عن الأمن الوطني للدولة المعاصرة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى عدم تبلور هذا المصطلح أو المفهوم ليتشكل حقلاً علمياً داخل علم السياسة منفصلاً عن علوم الاستراتيجية تطبق عليه قواعد تأسيس النظرية، بدءاً من وضع الفروض وتحديد مناهج البحث الملائمة واختيار أدوات التحقق العلمي، وقواعد الإثبات والنفي؛ وبالتالي إمكانية الوصول إلى نظرية عامة أو قانون يحكم ظاهرة الأمن الوطني. وعلى الرغم من حداثة مصطلح الأمن في أدبيات السياسة المعاصرة، حيث بدأ استخدامه مع نهاية الحرب العالمية الثانية، فإن مفاهيم الأمن الوطني أصبحت محدودة وواضحة في فكر القيادات السياسية في كثير من الدول، وشاعت مفاهيم بعينها في إطار هذا المفهوم، مثل الأمن القومي الأمريكي، والأمن الأوروبي والأمن السوفيتي قبل انهيار الاتحاد السوفيتي. وفي مجال التوصل إلى مفهوم متفق عليه ل (الأمن) نعرض لبعض المفاهيم المتعلقة به؛ فالأمن - من وجهة نظر دائرة المعارف البريطانية - يعني: (حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية). أما (روبرت مكنمارا) - وزير الدفاع الأمريكي الأسبق وأحد مفكري الاستراتيجية البارزين - فيقول في كتابه (جوهر الأمن): إن الأمن يعني التطور والتنمية، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية في ظل حماية مضمونة، والأمن الحقيقي للدولة ينبع من معرفتها العميقة للمصادر التي قد تهدد مختلف قدراتها ومواجهتها؛ لإعطاء الفرصة لتنمية هذه القدرات تنمية حقيقية في كل المجالات، سواء في الحاضر أو المستقبل. أما وزير الخارجية الأمريكي الأسبق (هنري كيسنجر) فالأمن - من وجهة نظره - يعني أي تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في البقاء. وفي ضوء هذه المفاهيم يخلص الدكتور زكريا حسين - أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مصر- إلى أن المفهوم القرآني للأمن الذي ورد في قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} هو المفهوم الأدق؛ لأن الأمن ضد الخوف، والخوف بالمفهوم الحديث - كما يقول د. زكريا حسين - يعني التهديد الشامل، سواء التهديد الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، الداخلي منه أو الخارجي. أما المفهوم الشامل للأمن - والحديث للدكتور زكريا حسين - فيعني: (القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية، الاقتصادية والعسكرية في شتى المجالات في مواجهة المصادر التي تتهددها في الداخل والخارج، في السلم وفي الحرب، مع استمرار الانطلاق المؤمن لتلك القوى في الحاضر والمستقبل). وفي ضوء هذا المفهوم للأمن يمكننا أن نقف على أهمية مجلس الأمن الوطني السعودي، بحسبانه في مقدمة الأجهزة المسؤولة عن تهيئة الظروف المناسبة والمناخ المناسب للانطلاق بالاستراتيجية المخططة للتنمية الشاملة من خلال تأمين الدولة من الداخل والخارج، وبما يدفع التهديدات باختلاف أبعادها، وبالقدر الذي يحقق للشعب السعودي حياة مستقرة توفر له أقصى طاقة للنهوض والتقدم. وتتضمن الأهمية لهذا المجلس: حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية - كما ورد في تعريف دائرة المعارف البريطانية - أو حفظ حق المجتمع في البقاء - كما في تعبير كيسنجر - ومواجهة الأخطار والتهديدات التي يمكن أن تهدد مسيرة التطور والتنمية. الأثر الاستراتيجي لمجلس الأمن الوطني كيف يحقق مجلس الأمن الوطني دوره الحيوي؟ وما المهام المناطة به في ظل تعدد مفاهيم الأمن الوطني واتساع مجال عمله ليشمل الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها؟ الإجابة عن هذا السؤال تدفعنا للحديث عن واحد من أقدم وأشهر مجالس الأمن القومية أو الوطنية وهو مجلس الأمن القومي الأمريكي، واستعراض مراحل تطوره ومجالات عمله؛ فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية بدأت الإدارة الأمريكية التفكير في إنشاء وتطوير مجموعة من المؤسسات التنفيذية التي يمكن الاعتماد عليها في إدارة سياسات الأمن القومي، وتوج ذلك بصدور قانون الأمن القومي في 26 يوليو عام 1947 الذي نص على إنشاء مجلس الأمن القومي الأمريكي برئاسة الرئيس الأمريكي ترومان، وعضوية كل من نائبه ووزير الخارجية والدفاع كأعضاء أساسيين. وحدد القانون المهمة الأساسية للمجلس في أن يتولى تنسيق السياسات الخارجية والدفاعية. وشكل هذا القانون ركيزة مهمة في إعادة صياغة وتنظيم أدوات السياسة الخارجية الأمريكية وأجهزة الدفاع والاستخبارات؛ بحيث أصبح يمثل المرجعية القانونية والعملية لمجمل النشاط الأمريكي في مجال الأمن القومي، إلا أن تركيبة ومهام المجلس ظلت تعتمد بصورة كبيرة على مدى التناغم بين الرئيس ومستشاريه الأساسيين، ورؤساء الدوائر المعنية؛ فظل المجلس في عهد الرئيس (ترومان) تحت سيطرة وزارة الخارجية. أما في عهد الرئيس (أيزنهاور) فقد تأرجح المجلس بين سياسات وزارة الدفاع ووزارة الخارجية، وأصبح السكرتير التنفيذي للمجلس هو مساعد الرئيس، وإن احتفظ بمسافة مقدرة في التعامل مع وزارة الخارجية؛ حتى لا يدخل في صراع مع وزير الخارجية القوي حينذاك (جون فوستر دالاس). أما الرئيس كيندي (1961 - 1963م) فكان يفضل اتخاذ سياسات معينة بالتنسيق مع مجموعات محددة؛ فقام بتفكيك الآلية التي أنشأها سلفه (أيزنهاور) لمجلس الأمن القومي، وسمح للمساعد الخاص لشؤون الأمن القومي وموظفيه بتولي الدور التنسيقي الرئيس. سياسة (كيندي) فيما يتعلق بمجلس الأمن القومي اتبعها خلفه الرئيس جونسون الذي اعتمد بصورة كبيرة على مستشار الأمن القومي وموظفيه وبعض المجموعات الخاصة وأصدقائه الموثوق بهم. أما في عهد الرئيسين (نيكسون) و(فورد) فقد قام (هنري كيسنجر) وزير الخارجية آنذاك بزيادة عدد موظفي مجلس الأمن القومي وركز على الحصول على معلومات تحليلية من مختلف الوزارات تساعد مستشار المجلس على وضع سلسلة من أفضل خيارات القرار أمام الرئيس. وينسجم هذا النظام مع رؤية الرئيس نيكسون وتفضيله الحصول على تفاصيل مكتوبة بدلاً من الاعتماد على مجموعات ذات علاقة شخصية به. وقد ركز (كيسنجر) على مجموعة من الأمور الرئيسة مثل الشؤون الخارجية، ووضع الأمور ذات العلاقة بالأسلحة وشؤون التمويل الدولي تحت مسؤولية وزارة الدفاع والخزانة. وفي عهد الرئيس (كارتر) أصبح مستشار الأمن القومي مصدراً أساسياً للأفكار المتعلقة بالشؤون الخارجية وعليه كان يتم تعيين وإدارة موظفي المجلس على هذا الأساس. وفي عهد إدارة الرئيس (ريجان) كان هناك تشديد على دور الحكومة في اتخاذ القرار وأصبح مستشار الأمن القومي أقل شأناً. ولما جاء الرئيس (بوش) الأب إلى الرئاسة حمل معه خبرة ثماني سنوات نائباً للرئيس، وقام على الفور بإحداث تغييرات كبيرة في بنية مجلس الأمن القومي وتبنى آلية لإصلاح المجلس. وجلب الرئيس بوش خبرة عميقة للمجلس بتعيينه الجنرال (برنت سكوكروفت) مستشاراً للأمن القومي، الذي عمل سابقاً تحت إدارة (كيسنجر) مستشاراً للأمن القومي في السنوات الأخيرة لإدارة الرئيس (فورد) وترأس اللجنة التي كونها الرئيس لدراسة قضية (إيران - كونترا). أما الرئيس كلينتون فقد أبدى اهتماماً كبيراً بمجلس الأمن القومي، فأصدر في يوم تنصيبه رئيساً للدولة في 20 يناير 1993 مرسوماً رئاسياً يحتوي على توجيه لجميع الإدارات والجهات ذات العلاقة بشؤون الأمن القومي بتغيير الإطار الذي يُسيّر عمل المجلس. وبموجب هذا القرار أبطل العمل بالتوجيهات التي سبق أن أصدرها الرئيس (بوش)، وفي قرار آخر يوم 21 يناير 1993م وافق كلينتون على نظام آلية اتخاذ القرار في المجلس، وزاد من عدد أعضائه. ولعلنا نذكر أن المجلس انشغل كثيراً في صيف عام 1997م بأمور أمنية بالغة الأهمية مثل المصادقة على معاهدة الأسلحة الكيميائية، وتوسيع حلف الناتو، وعملية السلام في الشرق الأوسط، والقمة الاقتصادية في دينفر بولاية كلورادو الأمريكية. وطيلة الخمسين عاماً المنصرمة ظل عشرة رؤساء أمريكيين يستخدمون نظام مجلس الأمن القومي في دمج السياسات الخارجية والدفاعية لحفظ أمن الوطن ومصالحه في الخارج، وليس أدل على ذلك من أن مجلس الأمن القومي هو المسؤول الأول عن توجيه قرار إدارة الرئيس بوش الابن تجاه إعلان الحرب على حكومة طالبان في أفغانستان بدعوى الحرب على الإرهاب، ثم احتلال العراق بدعوى البحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية. وعلى الرغم من أن مجلس الأمن القومي - بموجب قرار تشكيله الأصلي - يضم الرئيس ونائبه ووزيري الدفاع والخارجية ورئيس هيئة الأركان مستشاراً عسكرياً للرئيس للتشاور في كل ما يخص الأمن القومي الأمريكي، وأضيف إلى عضوية المجلس لاحقاً مدير وكالة المخابرات الأمريكية، فإن شخصية كل رئيس أمريكي ودرجة إلمامه وخبراته في الشؤون الخارجية والدفاع وأسلوبه في الإدارة منذ عهد ترومان حتى الآن شكلت عاملاً حاسماً في كيفية استخدام مجلس الأمن القومي الأمريكي؛ حتى أصبحت سلطة مستشار الأمن القومي الأمريكي ونفوذه تتجاوز بكثير نطاق قانون عام 1947م الذي جعل منه مساعداً للرئيس فيما يتعلق بشؤون الأمن القومي لتصل سلطة مستشار الأمن القومي الأمريكي إلى مستوى اللاعب والمخطط الرئيس والموجه للقرار الأمريكي بدرجة أكبر من كثير من المؤسسات الأخرى التابعة للسلطة التنفيذية، من خلال تركيز السلطة في أيدي أشخاص لا يخضعون لمساءلة الكونجرس، وخاصة بعد أن تحول الطاقم الإداري لمكتب مستشار الأمن القومي الأمريكي من بضعة مساعدين إلى هيكل ضخم مكون من أكثر من 200 شخص موزعين على عدة لجان مختلفة تختص كل منها بمنطقة من العالم ذات علاقة بالأمن القومي الأمريكي أو السياسات والمصالح الأمريكية. وسرعان ما تحول مجلس الأمن القومي من كونه الإدارة المعبرة عن تداول الخيارات ومناقشة شؤون الأمن القومي الأمريكي، من خلال صياغة جماعية وصولاً إلى اتخاذ القرارات، إلى مجرد أداة طيعة بيد الرئيس الأمريكي يستخدمها بصورة انتقائية أدت إلى انحدار مفهوم الأمن القومي - على حد تعبير الدكتور منذر سليمان - وأثمرت استراتيجية تعطي الولاياتالمتحدة حق شن الحروب الاستباقية، وتفسير الولاياتالمتحدة لحقها في الدفاع عن نفسها بالشكل الذي تراه دون اعتبار للقانون الدولي والشرعية الدولية على غرار ما حدث في أفغانستانوالعراق. التميز في المجلس الجديد في ضوء عمل المجلس الأمريكي للأمن القومي، بحسبانه من أقدم مجالس الأمن القومي وأعرقها وأكثرها تأثيراً، تصبح المهمة الرئيسة لجهاز الأمن الوطني بالمملكة هي وضع أفضل الخيارات أمام الحكومة السعودية فيما يتعلق بأمن البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في حالات السلم والحرب على السواء، وبما يضمن حماية مسيرة التنمية الشاملة للبلاد ضد أي تهديدات، ومن أي نوع، سواء كانت داخلية أو خارجية، مع الوضع في الاعتبار أن مجلس الأمن القومي الأمريكي ليس نموذجاً يحتذى به بالشكل المطلق؛ فالتجربة الأمريكية - كما استعرضناها - تؤكد أن هذا المجلس تعرض للتهميش في ظل إدارات بعينها، وتضخم دوره بصورة طغت على عمل وزارات سيادية مثل الدفاع والخارجية، وحجبت رؤيتها عن صانعي القرار في إدارات أخرى، بل إن المجلس الأمريكي تعرض للتسييس في بعض الأوقات بشكل جعل من قراراته خطراً يهدد الأمن القومي الأمريكي، ومن ذلك أن الحرب غير المبررة في أفغانستانوالعراق أضرت بمنظومة الأمن القومي الأمريكي باعتراف خبراء استراتيجيين أمريكيين وأعضاء بالكونجرس الأمريكي. والدرس الذي يجب أن نضعه نصب أعيننا لمجلسنا الوطني بصيغته الجديدة هو التحديد الدقيق لاختصاصاته وصلاحياته وآليات عمله في جميع الظروف، مع تغليب العلم والخبرة والدراية عند اختيار أعضائه وتشكيل لجانه، وتوافر آليات للتنسيق والتعاون بين المجلس والوزارات المعنية بمجال عمله مثل الدفاع والداخلية والخارجية؛ حتى لا تتضارب الاختصاصات والصلاحيات، إضافة إلى ضرورة مراعاة خصوصية المملكة، وهي خصوصية قد تتطلب اختلاف شكل وملامح المجلس السعودي بدرجة كبيرة عن مجلس الأمن القومي الأمريكي أو غيره من المجالس المماثلة. وكذلك مراعاة أن المملكة دولة ترتبط بعلاقات صداقة مع جميع دول العالم وليس لها أي تطلعات للهيمنة أو السيطرة أو فرض النفوذ على غيرها، كما أنها ليست على خلاف أو عداوة مع أي من دول العالم، لكن تبقى المملكة العربية السعودية بثقلها الإقليمي والإسلامي والدولي وما حباها الله به من ثروات، كانت وما زالت، في أمس الحاجة إلى تفعيل وإحياء مفهوم الأمن الوطني الشامل، بشقيه الداخلي والخارجي؛ فالمملكة هي أكبر دول محيطها الإقليمي المباشر على مستوى منطقة الخليج العربي، فضلاً عن كونها أحد المصادر الرئيسة لتزويد العالم بالنفط، وهو الأمر الذي يجعلها مستهدفة من قبل كثير من الحاسدين أو الطامعين في هذه الثروة الاستراتيجية، كما عبر عن ذلك سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز في كلمته لمنسوبي القوات المسلحة بالمنطقة الشرقية بمدينة الملك فهد العسكرية بالظهران يوم الاثنين الخامس من شهر شوال الجاري الموافق 8 نوفمبر 2005م. يضاف إلى ذلك أو يسبقه حقيقة أن المملكة هي رائدة العالم الإسلامي، ومنطلق دعوة الإسلام وحاضنة الحرمين الشريفين، وهو الأمر الذي يجعلها مستهدفة من قبل أعداء الإسلام الساعين إلى تشويه صورته الناصعة، ومحاولة وقف مده وتعطيل مناشط الدعوة إليه.. وغيرها الكثير والكثير من المزايا التي تجعل من تفعيل دور الأمن القومي ضرورة حتمية لحفظ مكتسبات ومقدرات البلاد وحماية مسيرة التنمية؛ فشمولية الأمن لا تنفصل عن شمولية التنمية. شمولية الرؤية الشمولية تعني أن للأمن أبعاداً متعددة هي جوهر عمل مجلس الأمن الوطني، وهذه الأبعاد هي: 1- البعد السياسي، ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة. 2- البعد الاقتصادي، ويهدف إلى توفير المناخ المناسب للوفاء باحتياجات المواطن وتوفير سبل رفاهيته. 3 - البعد الاجتماعي، ويعني توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء والمواطنة. 4- البعدان العقدي والثقافي، ويؤمنان العقيدة والفكر، ويحميان العادات والقيم والتقاليد العربية المتأصلة في المواطن. ويمكن صياغة مهام مجلس الأمن الوطني في ضوء أربع ركائز أساسية لمفهوم الأمن هي: 1- إدراك التهديدات المحيطة بالدولة، الخارجية منها أو الداخلية. 2- رسم الاستراتيجيات لتنمية قوى الدولة وتأمينها؛ لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية القادرة على المواجهة. 3- تهيئة أسباب القدرة الفعلية على مواجهة هذه التهديدات. 4- إعداد السيناريوهات المحتملة لمواجهة أي تهديدات واتخاذ الإجراءات المناسبة لها. بيد أن هذه الشمولية في مهام المجلس الجديد لا بدّ من أن تتم في ضوء تحديد دقيق للاختصاصات بحيث تضمن عدم تداخلها مع اختصاصات الجهات المعنية الأخرى، ليتم تحقيق الرؤية الشمولية بطريقة تكاملية تتوحد في الغاية والهدف، وتتنوع في الوسيلة ومصادر التنفيذ، وليتحقق ذلك، لا بدّ من دراسة التجارب المماثلة في الدول الأخرى للإفادة من مراحل تطورها، وتنوع مهامها وتغيرها؛ ليؤخذ ما هو مفيد ويتجنب ما لا تتحقق به المصلحة. المجلس الجديد.. تجسيد للوعي وخطوة في الإصلاح إن الموافقة على نظام مجلس الأمن الوطني بالمملكة العربية السعودية تجسد مدى وعي واستيعاب القيادة الظروف الحرجة التي تمرّ بها المنطقة العربية عموماً، والتحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها المملكة، بدءاً من حملات التشويه المغرضة التي تشنها القوى المعادية للإسلام والمملكة، ومحاولة إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين في بلاد الحرمين الشريفين، مروراً بما تفرضه الأحداث الساخنة في العراق وفلسطين وغيرهما من بقاع العالم من تداعيات تنعكس في كثير من الأحيان على سياسة المملكة واقتصادها، شأنها شأن بقية دول المنطقة والعالم بشكل أو بآخر. ومن ناحية أخرى فإن صدور الموافقة السامية على النظام الجديد لمجلس الأمن الوطني يأتي امتداداً طبيعياً لمنظومة الإصلاح التي بدأتها المملكة وقطعت فيها شوطاً جيداً على أكثر من صعيد؛ فالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا يتحقق لها بلوغ غاياتها دون صيانة الأمن الوطني، فضلاً عن توجّه المملكة الواضح تجاه العمل المؤسسي القائم على دراسات علمية متخصصة تعرف كيف تستفيد من الكفايات القادرة والمؤهلة لتحقيق الأهداف الكبرى والنجاحات العظيمة. التفاؤل بالكفايات الوطنية إن من التوفيق في انتقاء الكفايات الوطنية اختيار الأمير بندر بن سلطان أميناً عاماً للمجلس، وهو الأقدر من حيث الإمكانات والخبرات على تحقيق الأهداف والمهام المناطة بالمجلس، وكل ذلك مدعاة للتفاؤل بهذا المجلس في مرحلته الجديدة؛ ليكون انطلاقة نحو تفعيل مجلس الأمن الوطني القائم الذي لم يشعر بوجوده كثير من المواطنين من قبل. إن الموافقة على نظام مجلس الأمن الوطني الجديد تأتي تلبية واعية من الحكومة السعودية لمتطلبات المرحلة الراهنة التي تمر بها الدولة والمنطقة، والأمل كل الأمل أن يتوافر لهذا المجلس المناخ الملائم للقيام بدوره في حماية مقدرات البلد وهوية المواطن. أستاذ الإعلام السياسي المشارك