وبمناسبة العيد وكثرة ما يكتب في الجزيرة عن العيد وبهجته وسرور الصغار والكبار بحضرته، لبسوا الجديد، وأكلوا أطايب الطعام من اللحوم والفواكه والحلوى، لكن لا ننسى أناساً لا يفرحون بالعيد ولا يعرفون له لوناً، وقد ركبتهم الهموم من فقد أموال أو أنفس أو سجن وأسر لهم أو لأحبائهم كما في فلسطين، وهنا أعرض لقصيدة للمعتمد بن عباد حاكم إشبيلية في الأندلس وقد وقع في الأسر وهو يصف حاله ويسكب مشاعره وحرقته فيها وحزنه على بناته.. 1- فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا فساءك العيد في أغماتَ مأسورا وأغمات المكان الذي سجن فيه وهو موجود فيه بالعيد، وكان قبل يسرّ بالعيد: حاكم وجند وخدم وحشم وأهل وأحباب، والكل تحت أمره، أما هذا العيد فساءه في أسوأ حال مأسوراً مقيداً، بذل ومهانة، وقديماً قالوا: السجن قبر الأحياء، وبعد أن كان حاكماً صار محكوماً. 2- تَرى بناتِك في الأطمارِ جائعةً يغزلن للناس ما يملكن قطميرا وهمُّ البنات للممات وهن برعاية أبيهن فكيف والأب في السجن والظاهر أن بناته كن يزرنه في حبسه فيراهن (بنات الحاكم) في الأطمار والثياب الخلقة يغزلن للناس بالأجرة لكي يقتتن وما يملكن من قطمير (سبحان الله الدنيا لا تدوم). 3- برزن نحوكَ للتسليم خاشعةً أبصارهنَّ حسيراتٍ مكاسيرا ولعلهن أحضرن ليسلمن على والدهن وأبصارهن خاشعة من الخوف والحزن والذل متحسرات مكسورات الخاطر. 4- يطأن في الطينِ والأقدام حافية كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا والدنيا لا تدوم لأحد، فبنات المعتمد اللاتي كن يفرش لهن المسك والكافور ليطأن عليهما أصبحن يطأن الأرض بأقدام حافية في الطين، والمسك عطر يؤخذ من دم الغزال.. قال أبو الطيب: فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزالِ والكافور عطر نباتي رائحته قوية يوضع في حنوط الأموات، والعنبر يؤخذ من الحوت. 5- لاخدّ إلا تشكّى الجدبَ ظاهرُهُ وليس إلا مع الأنفاس ممطورا وخدودهن (بنات المعتمد) تشكو الجدب والإمحال كناية عن فقد النضارة، ولعلها ممطورة بالدموع التي تنزل مع أنفاسهن. 6- أفطرتَ في العيد لا عادت إساءتُهُ فكان فطرك للأكباد تفطيرا ويجانس ابن عباد بين الفطر والتفطير، فقد أفطر في العيد ويدعو الله ألا يعيد الإساءة التي حصلت له فيه (يدعو الله أن يعيده لكن بدون إساءة، فقد كان إفطاره تفطيراً وتقطيعاً لكبده من شدة الحزن وقسوة اللوعة. 7- قد كان دهرك إن تأمره ممتثلاً فردّكَ الدهرُ منهياً ومأمورا كان ابن عباد آمراً مطاعاً يمتثل الناس أوامره (وليس الدهر) فأصبح منهياً ومأموراً في السجن. 8- من بات بعدك في ملكٍ يُسَرُّ به فإنما بات بالأحلامِ مغرورا ويختم بالحكمة والعبرة فمن بات مسروراً في ملكه فهو مغرور فلا شيء يدوم ودوام الحال من المحال ومن ظن أنه يدوم سروره فهو حالم: رأيت الدهرَ مختلفاً يدورُ فلا حزنٌ يدوم ولا سرور نزار رفيق بشير / الرياض