نعم نحن نسير مع مسيرة التمدن الإنساني الرحب ويحدونا الأمل في تحقيق المزيد من التطور الاجتماعي من خلال تفعيل برامج التنمية الاجتماعية ودعم مسيرة التقدم العلمي والنهوض بإمكانات الثقافة العلمية ويشهد بذلك كل من الداني والقاصي على السواء تقديراً لسلوك الإنجاز وسلوك الاجتياز المطور والمتعاظم. وقد ساهم في حجم الاجتياز وكم الإنجاز المرأة السعودية خصوصاً العاملة، وهي في هذا الركب المتطور تسير على نهج الأولين، حيث سبق أن جاهدت المرأة في أعمال التجارة والزراعة جنباً إلى جنب مع الرجل. يضاف إلى ذلك ما لحق بالمرأة من تطور تعليمي ومهني ساعد على دخولها ميدان العمل الوظيفي بمجالاته المتباينة والمتوافقة مع طبيعتها الأنثوية المتمايزة. وإزاء ذلك أصبحت المرأة السعودية تجوب ميادين التعليم المختلفة ومستوياته المتعددة وبلغ بها الشأن بأن تعمل في مجالات الطب وأظهرت براعتها وقدراتها فيه، وفي مجال المال التحقت بالعمل في المصارف والبنوك، ودخلت بقدرة محسوبة العديد من الوزارات والمصالح والمنظمات والمؤسسات على اختلاف تخصصاتها، والتحقت للعمل في ميادين الخدمات المتباينة الأنماط حيث عملت بجد وتفانٍ في الأعمال التي يحتاجها الوطن في عدد من مشروعاته الإنسانية التي تتسم بالشفافية والمهارة والقدرة والاستمرارية والتواصل. إن دور المرأة المشارك لا بديل عنه في بناء صرح الوطن عبر كل الوسائل التي تقدر عليها وتستطيع إنجازها بكفاءة مشهودة. ويجدر بنا القول إن ما ترتاده من عمل وما تحققه من إنجاز لا يحيد بها عن الالتزام بقيم الإسلام، ولم تخرج عن الثوابت في العقيدة. ولذا فيحق لنا أن نشير إلى أن خروج المرأة للعمل ومشاركتها الفاعلة في مسيرة التقدم والتطور أصبح حتمياً ولا رجعة فيه وهو أحد عوامل الرقي المدني المحسوب بدقة من حيث المقابلة المتعلقة بين مطالب عملها واحتياجات زوجها وأطفالها وكم هي ماهرة في ذلك بحيث لا يشكل لها هذا الخروج ضغطاً نفسياً فالتزامها الواعي يغلب عليه فهو يرتكز على قيم التمدن والتحضر والتحديث. وهنا أتساءل معك عزيزي القارئ - ونحن نتوخى الموضوعية - إن المرأة العاملة تضحي بكل مرتخص وغالي ثمناً لتفوقها داخل البيت وخارج البيت لأداء واجباتها العملية وحضانتها لطفلها ورعاية لزوجها مما يفرض على المجتمع مساندتها بإنشاء مراكز خدمة المرأة العاملة لحل مشكلاتها والصعاب التي تعترض سبيلها لتمكينها من أداء متميز في العمل وخدمة أفضل في البيت طالما أن عمل المرأة أصبح حقيقة حضارية لا يمكن النكوص فيها أو النأي عنها مما يفرض على كاهل الدولة ومؤسساتها الاجتماعية ضرورة البحث عن عوامل مساعدة المرأة التي خرجت للعمل وتحقيقها أفضل أداء مشارك في برامج التنمية والرقي والاستقرار. وحيال ذلك يتوجب إقامة مشروعات إنسانية تخدم المرأة العاملة بحيث تستمر في أداء العمل وهي غير قلقة على أطفالها وعلى مطالب زوجها وعلى توفير لوازمها مما يوجب دعم دور الحضانة بأقسامها المختلفة (حضانة رضع)، (حضانة طفل ما قبل المدرسة) على أن تلحق هذه الدور بمواقع العمل التي يزيد عدد العاملات بها على عشرين امرأة بحيث لا تكون بعيدة عنها. هذا مع إعادة النظر في تطوير رياض الأطفال الملحقة بمراكز التنمية والخدمة الاجتماعية على أن يضاف إلى خدماتها قسم لحضانة الرضع ولو لبعض الوقت على أن يلحق أيضاً بهذه المراكز مؤسسات أخرى لخدمة وتوفير احتياجات ولوازم ومتطلبات تنفرد بها المرأة العاملة مثل خدمة المنزل أو تجهيز الطعام وإعداده وكذلك إعداد الملابس وغسلها وكيها.. إلى غير ذلك من الاحتياجات على أن تقوم بها أيدي وطنية ملمة بما يحتاجه البيت السعودي. ومادام تشغيل المرأة ضرورة حضارية ذات مردود اقتصادي فعلينا أن نضع في الاعتبار أن هذه الحتمية في الخروج ساعدت على تجسيد الأمن الاجتماعي والأمان المعيشي والانتماء الوطني والولاء المحقق لكل من الأسرة والمجتمع والوطن. وحينئذ تؤدي المرأة العاملة واجبها بوعي عقلي وحسي ووجداني، وفي بناء شخصية سوية متوافقة اجتماعياً ونفسياً. وفي هذا اعتراف بتأثيرها وفاعليتها في إدارة عجلة الإنتاج، وهي تتحمل مسؤولية الدفع بإمكانات المجتمع بما تقدمه من إبداع في عمليات الإنتاج الخدمي والاقتصادي. ومع إيماننا بعمل المرأة وما تقدمه من إنتاج مضاف يعوزه المجتمع - ومع تقديرنا لما تقدمه المرأة من أداء يصب في أودية العطاء المتميز من قبل المرأة، ومع إعزازنا بشراكة المرأة في كتائب التنمية الشاملة. وإزاء هذا وذاك أسأل الاختصاصيين في مجالات الخدمة الاجتماعية والتأهيلية والتربوية وكذلك أسأل المؤسسات ذات العلاقة كم قدمت من عون للمرأة العاملة كي تستمر في العطاء دون تهيب أو خوف أو ارتعاد ووجل، وكم قدمت من وسائل مقبولة لتبني قضاياها الملحة ومساعدتها في حل مشكلاتها التي هي في الغالب الأعم مشكلات حضارية في ضوء قيمنا الإسلامية وتقاليدنا العربية للنهوض بالمرأة التي هي نصف المجتمع.