سوف تحقق هذه الحضانات أماناً واستقراراً نفسياً للأمهات العاملات أو الطالبات ما ينعكس إيجابياً على أدائهن العملي أو التعليمي، وفي ذلك بلا شك مكسب اقتصادي مهم لكل المؤسسات التي تعمل فيها المرأة حيث ترتفع إنتاجيتها، ويتحسن أداؤها وتقل ساعات وأيام الغياب التي تفقدها المؤسسات من عمل المرأة التي تضطر للبقاء بجانب طفلها إن مرض أو تعب. ونعود مرة أخرى لنتحدث عن الحضانة التي تبحث عنها كل امرأة لاسيما العاملة والطالبة منذ أن تصبح أماً. الحضانة التي يمكن لها أن تترك فيها ابنتها أو ابنها فترات غيابها في دراسة أو عمل أو مشوار، وهي مطمئنة لسلامتهما. احتياج المرأة في السعودية على وجه الخصوص وربما في منطقة الخليج بشكل عام إلى العاملة المنزلية التي ترعى الأطفال بشكل كلي بالإضافة إلى أعمالها المنزلية هو احتياج غير صحي ولا تربوي. كتبتُ كثيراً عن هذه القضية ويبدو أنه لابد أن تُفجع الأمهات والآباء في أطفالهم وتُرتكب الجرائم السادية في أطفال أبرياء لا حول لهم ولا قوة حتى يتحرك قانون أو مسؤول ليستجيب لمطالب المجتمع بأكمله الذي يطالب بحضانات آمنة ومتخصصة ومرخصة ومجانية أو بسعر رمزي تمتد لفترات توازي ساعات العمل وساعات الدراسة تؤسس في كل حي لخدمة سكانه، لتطمئن الأسر على أطفالها في غيابهم. كما طرحت في مقالات سابقة أمثلة بدول أخرى، طبعاً متقدمة وصناعية، تقدم هذه الخدمات مجاناً في كل حي لكل سكانه، مواطنين ومقيمين، وعلى أعلى المستويات وتمتد ساعاته من السادسة للسادسة تشتهر بذلك فرنسا على سبيل المثال. كما كنتُ تحدثت عن الدراسات التي تربط بين تحسن مكانة المرأة ومشاركتها الفعالة في المجتمع، وبين توفر الحضانات التي توازي ساعات عملها ساعات العمل المعروفة وهي للساعة الخامسة وأحياناً السادسة لاسيما إن كانت تعمل في قطاع مصرفي أو طبي. تأتي الكثير من الإشارات هذه الأيام إلى قرار مجلس الوزراء 120 وإلى قانون وزارة العمل التي تفرض على كل صاحب/ة عمل بلغ عدد عاملاته 50 أن يوفر لهن حضانة في الموقع، وإن وصل عددهن 100 أن يبني لهن حضانة وروضة متكاملة. وكما نعلم فإن هذا الشرط الذي تضعه وزارة العمل من الصعب تطبيقه لأن صاحب العمل يمكنه أن يوفر وظائف لتسع وأربعين موظفة فقط وهكذا لا يضطر لأن يفتح على نفسه باب مصاريف، وليس هناك ما يلزمه. فضلاً عن أن هناك الكثير من أساليب التهرب الممكنة من الالتزام بهذا الشرط الذي يعتبره بعض أصحاب الأعمال قصيري النظر، خسارة لأعمالهم. ويأتي تفسير وزارة التربية والتعليم لهذا الشرط من أغرب التفسيرات حيث لا تجد أن عمل أكثر من مائتي ألف معلمة (220,000) في وزارتها فضلاً عن الإداريات يستحققن حضانة في كل مدرسة بحجة أن عدد معلمات وإداريات المدرسة لا يصل إلى خمسين في مدرسة واحدة. أليس هذا مضحكاً؟ بل ومبكٍ أيضاً؟ إذا لم تكن الوزارة التي تُعنى بالتربية والتعليم تحرص على حسن أداء معلماتها ومنسوباتها وعلى الأطفال الذين سوف يلتحقون بها مستقبلاً، وصحتهن النفسية والفكرية، فأي وزارة ستكون هي المسؤولة؟ القصة المفجعة التي وقعت لطفلة الرابعة تالا لايمكن أن نتركها تمر دون أن نتوقف عندها مراراً وتكراراً حتى نرى شيئاً يتحقق على أرض الواقع. معلمات المملكة من شمالها متضامنات مع المعلمة ز.الشهري والدة تالا في رسالة لا يمكن تجاهلها بعد اليوم عن الحاجة الماسة لأخذ قضية الحضانة بشكل جدي.. ويكفي استهانة بالمرأة ومسؤولياتها والمزايدة على أهمية خروجها للعمل ومقايضتها بالجلوس في البيت إن لم يعجبها، أو لم ترد أن تتركها مع عاملة منزلية لا تدري ما خلفيتها وما أمراضها أو احتياجاتها أو سجلها السلوكي تأتي اليوم من بلدها وغداً يجب أن تترك معها فلذات كبدها لتؤدي واجبها تجاه الوطن وبناته، بينما الوطن لم يرعَ أطفالها ولم يحفظ لها حياتهن/م. إن عمل المرأة على الرغم من أنه الأضعف على مستوى العالم، ومشاركة المرأة الاقتصادية لا تساوي شيئاً تقريباً في اقتصادنا، وعلى الرغم من احتياج بلادنا إلى أيدينا للتعويض عن العمالة الأجنبية قدر الإمكان إلا أن الجهات المعنية ما زالت لا تولي هذا الموضوع عناية كافية وعلى الأرجح لأن القائمين عليه رجال لا تعد هذه المسألة من أولوليات اهتماماتهم. الحلول كثيرة وأولها عدم الاعتماد على قوانين وزارة العمل المطاطة ومن الأولى أن تتولى وزارة المالية تغطية تكاليف إنشاء حضانات في جميع المؤسسات والمرافق التي تعمل فيها المرأة، أو تدرس فضلاً عن الأحياء السكنية. ويمكن تقسيم مهمة الإشراف على هذه الاعتمادات بين البلدية وبين وزارة التربية والتعليم إلى حين تأسيس وزارة للأسرة يمكنها تولي هذه المسائل. ويرافق تأسيس هذه الحضانات خضوعها لمواصفات عالية بنائياً أو تجهيزياً بحيث يمكنها استقبال الأطفال من الشهر الأول (حيث إن إجازات أمومة طالبات الجامعة هي أسبوعان فقط) وحتى سن الخامسة، لتنتقل الطفلة أو الطفل بعد ذلك إلى المدرسة النظامية لدراسة التمهيدي. ويتطلب أن تكون مواعيد هذه الحضانات تتناسب مع مواعيد عمل المرأة ودراستها واحتياجاتها بأن تستقبل الأطفال من السادسة وحتى السادسة أو السابعة، تمتد أيام دوامها طوال العام ولاسيما فترات الامتحانات، وتوفر لها معلمات ومربيات مدربات من خريجات رياض الأطفال وعلم الاجتماع والنفس وغيرهن ممن يجب أن يخضعن لدورات مكثفة في رعاية الأطفال. ومن نافلة القول إن في ذلك مكسباً على أكثر من جهة، اقتصادياً وتربوياً ونفسياً واجتماعياً. فسوف توفر هذه الحضانات فرص عمل للآلاف من فتياتنا المؤهلات العاطلات عن العمل. وسوف تعوض الخلل الاجتماعي الذي شوه مجتمعنا منذ عصر الطفرة الذي جعلنا تحت رحمة احتياجنا لمساعدة مستوردة نعاملها في كثير من الأحيان كمسترقة سواء بقوانيننا العامة أو الخاصة وليس لديها من المهارات ما يمكن أن تضيفه إلى أطفالنا عندما نتركهم معها. وسوف تحقق مكسباً تربوياً مهماً يكتسب أطفالنا من خلاله أماناً نفسياً وكثيراً من المهارات الأولية التي تتيحها الحضانات والروضات والاختلاط بأطفال آخرين ما يساعد على نموهم الاجتماعي. وأخيراً وليس آخراً، سوف تحقق هذه الحضانات أماناً واستقراراً نفسياً للأمهات العاملات أو الطالبات ما ينعكس إيجابياً على أدائهن العملي أو التعليمي، وفي ذلك بلا شك مكسب اقتصادي مهم لكل المؤسسات التي تعمل فيها المرأة حيث ترتفع إنتاجيتها، ويتحسن أداؤها وتقل ساعات وأيام الغياب التي تفقدها المؤسسات من عمل المرأة التي تضطر للبقاء بجانب طفلها إن مرض أو تعب. ولا أنسى أن أذكر أن إنشاء هذه الحضانات سوف يشكل مكسباً اقتصادياً مهماً للمستثمرين والمقاولين في هذه القطاعات.. ونسأل الله ألا يحولوها إلى قطاع يتكسبون منه على حسابنا. أي أن العملية كلها مكاسب على جميع الجهات، فمن وما الذي يؤخر اتخاذ القرار؟ *كلمة حارقة: أحسن الله عزاءكم يا آل الشهري وعزاء كل مكلومة ومكلوم في أطفالهما. رحم الله شفعاء أمهاتهم وآبائهم وألهمهم القدرة على الصبر والنسيان..