كم هم كثرٌ هؤلاء الداعون للتطوير الاجتماعي من خلال مشروعات التنمية، وكون أننا سبق لنا أن عرضنا رؤيتنا الاجتماعية في مخططات التنمية المستدامة في العديد من المقالات، واليوم نعرض لواحدة من صعوبات المضي بخطى سريعة ومكثفة في طريق التقدم والرقي، ألا وهو خروج المرأة لميدان العمل والعمال. وإزاء ذلك أوجه القول لهؤلاء الذين ما زالوا ينظرون إلى عمل المرأة نظرة سلبية مرددين أن المرأة خلقت للبيت وخدمة الزوج والأبناء، وليس لها من شيء سوى الملبس والمأكل والمشرب، أما غير ذلك فلا، حيث إن المرأة فتنة، وكل ما فيها عورة ويتوجب تحصينها بالبيت حصانة تحول بينها وبين حفنة من ذئاب البشر يتواجدون في محيط العمل (فرضاً) لا يعنيهم إنها مخبأة وراء عباءتها فهم يفتنون بصوتها، وبطريقة كلامها، بمشيتها في الرواح والمجيء، وبطيبها (أحياناً). هذه النظرة المتدنية للمرأة قد تصيب كينونتها في مقتل، ومن الأسف أن أصحاب هذه النظرة يمثلون حزب المعارضة لعمالة المرأة متغافلين عن الحقيقة (الاجتماعية)، فالمرأة خرجت للعمل في التجارة والزراعة بشخصها الاعتباري أو في معية زوجها وأبنائها منذ قديم الأزل، ووقائع التاريخ تحكي لنا ذلك انها الحقيقة (الاجتماعية). وإذا عرض الأمر على قيم التطور والتقدم نجد أن كل شيء قد ناله التغيير، فالمرأة السعودية أصبحت تجوب مضمار العلم بثقة واعدة فقد اتسعت مساحة التعليم وازداد حجم الابتعاث وأصبحت تشارك بوعي وإدراك ومنطق في الندوات العلمية والأدبية وفي ورش العمل واللقاءات العلمية، وعملت محاضرة وبروفسيرة في الجامعة والمعاهد العليا في أعرق دور العلم في الداخل والخارج. فما يضير إذن التوسع في دخول المرأة (بشكل أكبر) في ميدان العمل بمجالاته المتباينة والمتمايزة. لقد اشتغلت المرأة بالتعليم وثبت جدارتها وتفوقها وتميزها واشتغلت بالصحافة وحققت نجاحات كبيرة، ولدينا رموز نسائية في مجال الطب، وفي مجال المال والبنوك، والتحقت بنظم العمل المتميزة في بعض من الوزارات والهيئات والمؤسسات والمصالح على اختلاف مجالاتها وإستراتيجياتها، كما جابت ميادين الخدمات المتباينة الأنماط والتوجهات النمائية. والجدير بالذكر أن دخول المرأة السعودية فيما ذكر من أعمال لم يؤثر أو يباعد بينها وبين التزامها بقيم الإسلام ولم تخرج (مطلقاً) عن عقيدتها وعن الشريعة الإسلامية بل هي نموذج يحتذى للمرأة العاملة مثلاً وقدوة في احتشامها وعفتها. وإزاء ذلك نقول أن خروج المرأة للعمل الذي يحتاجه الوطن ومشروعاته الإنسانية التي تتسم بالمصداقية في التواصل حيث إن دور المرأة المشارك لا بديل عنه في بناء صرح التقدم وإنجاز أهدافه تمديناً وتحضراً وتحديثاً. إذن عمل المرأة حقيقة حضارية لا يمكن النكوص فيها أو التراجع عنها، وإن كان ثمة صعوبات تواجه المرأة في العمل وتؤثر بالسلب في حياتها الاجتماعية فعلينا جميعاً أن نبحث معاً عن وسيلة ميسورة - سواء على صعيد الدولة أو المؤسسات المدنية - لتحقيق ما يلزم لمساعدة المرأة التي خرجت للعمل بحيث تؤدي عملها وهي مرتاحة البال في ضوء مبادئ الشريعة الإسلامية بما يضمن عفتها وكرامتها دون اختلاط أو تبرج. من هذه المساعدات الإكثار من إنشاء دور الحضانة لأطفالها على أن تلحق هذه الدور بمواقع العمل التي تزيد عدد العاملات بها عن عشرين أو ثلاثين أو أكثر أو أقل. ونسوق في هذا الصدد مطلباً ملحاً وهو إمعان النظر في تطوير رياض الأطفال الملحقة بمراكز الخدمة والتنمية الاجتماعية بحيث يلحق بها دور لحضانة الرضع، ووحدة لخدمة المرأة العاملة، وذلك مع إنشاء وحدات أخرى لخدمة وتوفير احتياجات ولوازم ومتطلبات تنفرد بالاحتياج إليها المرأة العاملة.وما دام تشغيل المرأة ضرورة حضارية، وكذلك دعامة اقتصادية للأسرة والوطن أن نضع في الاعتبار أن هذه الضرورة يتوجب الحرص في ألا يكون له مردود سلبي على الأطفال بأي حال من الأحوال فهم جيل المستقبل الواعد.وما دام عمل المرأة ضرورة حضارية فعلينا أن نجنبها التعرض لأي مواقف أو أحداث تؤثر في وظائفها وإحساسها، إذاً فعلينا أن نبحث عن سبل دعم المرأة العاملة وتمكينها من أداء دورها كشريك أساسي في التنمية وتعزيز مكانتها الاجتماعية وتزويدها بالخبرة والثقافة اللازمة ومساندتها للتفاعل مع متغيرات الحراك الاجتماعي المتسارع في المجتمع مما يتطلب تزويدها المستمر بفرص أكبر في التعليم والرعاية والصحة، والعمل على صقل شخصيتها المهنية وأدائها الوظيفي، ودورها الاجتماعي واهتماماتها المتوافقة في بناء صرح المجتمع والمشاركة في تحمل ما يخصها من أعباء التنمية مما يوجب علينا العمل في تحصينها ضد الصعاب والمخاطر وتمكينها من خدمة أسرتها والنهوض بالمجتمع.