على الرغم من محدودية فرص العمل أمام المرأة السعودية نظراً لطبيعة المجتمع ونظرته للمرأة، إلا أن السعوديات انطلقن بشكل فاعل إلى ميادين العمل التي تتماشى وعادات المجتمع وتقاليده، حتى أصبحت المرأة السعودية شريكاً حقيقياً وفاعلاً في سوق العمل، وأن كان عدد السعوديات أقل بكثير من عدد السعوديين، إلا أنهن سجلن حضوراً لافتاً وبشكل متنامٍ في القطاع الحكومي والخاص، وأثبتن وجودهن من خلال إنتاجية عالية وجدية كبيرة. إلا أن المسؤوليات الأسرية والاجتماعية الجسام الملقاة على عاتق المرأة السعودية العاملة تزيد من الضغوط عليها بشكل كبير، وتضعها في مواجهة مباشرة مع النظام الإداري الصارم الذي لا يلقي بالاً لظروفها تلك، فموظفة حامل، أو وضعت طفلاً قبل أشهر، لا يمنحها ذلك أي ميزات في العمل تمكنها من رعاية مولودها، أو إرضاعه، فلا حضانات ملحقة بأماكن العمل، ولا مرونة في وقت الدوام، الأمر الذي يجعل المرأة العاملة تعاني الضغوط من كل حدب وصوب. وحسب مختصون فإنه من العدالة أن تراعي الأنظمة الإدارية تلك الظروف الصعبة، وأن تكون المرونة المطلوبة في إطار المسؤولية الاجتماعية بغية مساعدة المرأة العاملة على القيام بأدوارها المتعددة، وأن تصمد في مواجهة الضغوط الصعبة التي تواجهها، ولكن كيف سيحدث ذلك؟ تجاهل أغلب المنشآت لظروف الموظفة الحامل والمرضع ينهك نفسية العاملات احتراق أكد د. عبدالمنان ملا -أستاذ الارشاد النفسي- أن المرأة لا تتحمل الضغوط النفسية كما يتحملها الرجل، مما يستوجب عدم تحميل المرأة ما صمم من الوظائف للرجل لاختلاف طاقة التحمل بين الطرفين، وقال: ما يزيد الضغوط على امرأة العاملة أن المرأة في المجتمع العربي والشرقي تقوم بأدوار متعددة في حياتها، فهي الزوجة والأم وراعية البيت والموظفة، وإذا اجتمعت كل تلك المسؤوليات فإن الضغوط ستكون كبيرة على المرأة العاملة بشكل كبير، مما يفقدها السيطرة على القيام بالأدوار المتعددة التي تناط بها، مما يستوجب مراعاة تلك الضغوط قبل أن تصل بها الضغوط إلى مرحلة ما يسمى بالاحتراق النفسي، وهي مرحلة خطيرة، ولها تبعاتها المدمرة على الجانب النفسي. وأضاف: بالنظر إلى كل تلك الضغوط، فإننا في مجال التعامل مع المرأة العاملة لدينا للأسف تجاوزات كبيرة نظامية، وليست ذات قيم ولا أخلاقي، أنظر مثلاً إلى التعامل مع المعلمة، فالضغوط على المعلمات كبير جداً، فهي معلمة لديها حصص أكثر من المعدل المطلوب، ولديها عدد طالبات في الفصل يتجاوز العدد الطبيعي، ولديها تكليف بالمناوبة أحياناً قد تبقى لوجود طالبة واحدة إلى قبل العصر، وحينما تذهب إلى بيتها تجد أطفالاً وزوجاً ومهاماً كبيرة تنتظرها، هذا بلا شك مرهق، ومتعب، ولذلك هناك تجاوزات من الجانب الإداري التسلطي تمثل ضغطاً كبيراً على المرأة العاملة، وأغلب تلك الضغوط هي زائدة عن ما يمليه النظام بسبب التعسف الإداري أحياناً. وقال: إن أسوأ مرحلة قد تصل إليها المرأة العاملة جراء الضغوط المختلفة هي مرحلة الاحتراق النفسي كما ذكرت سابقاً، وهي مرحلة إذا وصلت إليها المرأة العاملة فإنها تؤدي إلى التبلد في المشاعر، وأداء العمل بشكل روتيني وبالتالي غياب حافز الأداء المتميز، وأنا هنا أطالب المدراء والمديرات المسؤولين عن المرأة العاملة، أن يراعوا ظروفها الأسرية، وارتباطها بأبناء وزوج ومنزل، وربما أحد والديها، وهذه مسؤوليات جسام تحتاج إلى تخفيف ضغوط العمل عنها كي تتمكن من الوفاء بكل تلك الالتزامات. أعباء أكد الأستاذ الدكتور صالح بن ابراهيم الخضيري -أستاذ علم الاجتماع- بجامعة الملك سعود أن المرأة تعد ركناً أساسياً من أركان المجتمع الإنساني المعاصر، من خلال مشاركتها في قوة العمل وعلى كافة الأصعدة ذات الصلة بكيان البناء الاجتماعي العام، لما تملكه من معرفة وطموح بعد ان كانت تخضع لأعراف وتقاليد اجتماعية بائسه، وقال: والمرأة العاملة تتكبد معاناة واعباء اضافيه في المنزل وبناء علاقات إنسانية فاعله داخل المؤسسة الاسرية، بما يجعل من انشاء اطر حقوقية تكفل حماية المرأة العاملة امر ضروري. وهذا ما لم تعره الدراسات القدر الكافي من الاهتمام لدى تناول مواضيع تهتم بالمرأة. وأضاف: عندما نتحدث عن المشكلات الاجتماعية المترتبة على عمل المرأة، فهي تلك العقبات والصعوبات التي تعترض المرأة العاملة كونها أماً وزوجة وربة بيت، وبالتالي مسؤولة بالكامل عن أسرتها وعملها وخاصة في حالة وفاة الزوج. لذا فإن التوفيق بين هذه المهام يخلق عندها أوضاعاً جديدة وصراعا داخليا تجعل منها إنسانة تعاني من تغيرات متعددة على الصعيد الاجتماعي أكثر مما يعاني منه الرجل، فترك الأطفال عند الخروج للعمل، مع الاعتراف بأهمية وجودها الدائم مع الطفل خصوصاً في السنوات الثلاث من عمره، باعتبارها المعلم الأول للعلاقات الإنسانية والقيمية، والوسيط المهم بين الطفل والعالم الخارجي. وقال: تؤكد الدراسات السيكولوجية، أن المرأة العاملة تواجه جملة من الاضطرابات النفسية، مع أنها خرجت للعمل بملء إرادتها، ومع أنها وجدت فيه ذاتها، لذلك ينبغي من الأهمية بمكان مراعاة ظروف المرأة العاملة في أنظمة العمل والتشديد على تطبيقها، وعدم التهاون بها من قبل بعض المؤسسات الخاصة التي تسلب حقوق المرأة العاملة المنصوص عليها في كتاب انظمة العمل، بهدف الكسب المادي او ما شابه ذلك من مضايقات وتعسف. من هنا نجد أن الرعاية الاجتماعية للمرأة العاملة تخلق وضعاً نفسياً ومهنياً جيداً، وتخلق شخصية متوازنة متوافقة مع المجتمع والعمل في وقت واحد. حلول باسمه قشمة -مدربة ومهتمة بعمل المرأة- أكدت أن الرجل يتجاهل الضغوط التي تتعرض لها المرأة العاملة، سواء كان الزوج أو المسؤول عن العمل، مؤكدة على أن امرأة هي الأكثر تحملاً وصبراً على الضغوط في الحياة. وقالت: أنا أعتبر أن المرأة السعودية تقوم بأدوار متعددة، ولديها طاقات كبيرة، وأعتبرها امرأة قوية كونها قدمت إنجازات في بيئة تتصف بالضغوط الكبيرة، ولكن يجب ألا تستمر هذه الضغوط لما لها من تأثير سلبي يحد من تطلعاتها واستقرارها النفسي والأسري على حد سواء. وأضافت: يبدو أن الضغوط على المرأة العاملة في المملكة بدأت تخف بشكل تدريجي، وهذا شيء مشجع، ويجب فعلاً أن يكون هناك توازن بين الضبط الإداري الوظيفي وبين المرونة المطلوبة التي تراعي ظروف المرأة العاملة خاصة الحامل، أو المرضع، وهذا يكون في كثير من الدول، فمثلاً في فرنسا المرأة العاملة حين تنجب طفلاً تمنح إجازة لمدة عامين مدفوعة الأجر، فيما لدينا قد تصل الاجازة لثلاثة أشهر وبعض الجهات تحجب الراتب خلال هذه المدة، وبضعها تمنح جزء من الراتب، وهنا لا بد أن نشعر بالمرأة العاملة ونراعي ظروفها الاجتماعية والتي فيها شق انساني كبير. وتابعت تقول: في ظل مثل هذه الضغوط الاجتماعية التي تعاني منها المرأة، من الحكمة اتاحة العمل بنظام العمل الجزئي (part time) للمرأة، ولا شك أنه سيساعد المرأة التي لديها التزامات اجتماعية ضاغطة، سيمكنها هذا النظام من العمل في وقت معين تسمح به ظروفها. معاناة أكدت سيدة الأعمال عفاف العبدالله أن المجتمع السعودي هو مجتمع ذكوري في الاجمال، مشيرة إلى أن المرأة وإن كانت تعاني من بعض التهميش خلال العقود الماضية، إلا أنها حظيت باهتمام مقبول خلال السنوات الأخيرة، وطالبت بمزيد من النظر إلى الأدوار المتعددة التي تقود بها المرأة على أكثر من صعيد، وقالت: المرأة العاملة في المملكة وخاصة التي لديها زوج وعائلة، تعاني كثيراً من العمل على أكثر من جبهة، وفي أكثر من اتجاه، فهي موظفة لثمان ساعات، ثم ربة بيت لباقي ال 24 ساعة، والمرأة ميزها الله بقدرة عجيبة على التحمل، ولكن كثرة الضغوط سترهقها مهما كانت قدرتها على التحمل، لذلك من الأهمية بمكان تخفيف قيود وضغوط العمل على المرأة العاملة خاصة تلك المرضع، أو التي في مرحلة الانجاب، أو الأرملة التي مسؤولة مسؤولية كاملة عن عائلة كاملة، وهذا من وجهة رأيي يأتي من منطلق خدمة المجتمع التي من المفترض أن تكون موجودة في سياسة كل شركة وطنية، أو جهة حكومية. وأضاف: من الحس الإنساني أن تراعى ظروف موظفة لديها طفل رضيع، وأن تنصرف مبكراً لتقوم بإرضاعه، ومن المهم أن يكون ملحق بكل منشأة حكومية أو أهلية بها عدد من الموظفات حضانة لتتمكن الموظفة من الاطمئنان على طفلها وارضاعه، ومن المهم ألا تبقى معلمة إلى نهاية الدوام وليس لديها حصص خلال النصف الأخير من وقت الدوام، لذلك نحن في حاجة ماسة إلى إعادة هيكلة الأنظمة بحيث نبقي على الإنتاجية العالية كهدف لا مساس به، وأن تكون المرونة المطوبة ممكنة لتخفيف الضغوط على المرأة العاملة وأن نمكنها من القيام بأدوارها المختلفة بنجاح كبير. د. أحمد القاضي د. القاضي: التعاطف مع المرأة العاملة يجب ألا يؤثر في جدية الأعمال أكد د. أحمد القاضي -المستشار والمهتم بالشأن العام- أن جدية العمل وتطبيق الأنظمة تمثل أمراً أساسياً في إدارة الموارد البشرية، مشيراً إلى أن عمل المرأة يتوقف عليه نتائج مهمة في حياة المجتمع لا تقل أهمية عن مسؤولياتها الأسرية والاجتماعية، وقال: المرأة معلمة، وطبيبة، وممرضة، وغيرها من المهن التي يتوف على عملها بها مستقبل أو حياة أناس كثيرين، مما يستوجب أن تؤدي المرأة عملها، كما يؤديه الرجل دون المبالغة في التعاطف مع ظروفها الأسرية والاجتماعية، واليوم تتمكن المرأة العاملة من التغلب على ظروفها الأسرية بالاستعانة بالخادمة ودور الحضانة، مما يعزز من قدرتها على السيطرة على عملها ومسؤولياتها الأسرية. وأضاف: إن الأنظمة تكفل حق المرأة الحامل أن تحصل على إجازة قبل الوضع، وبعد الوضع، كما أن كثيراً من الجهات الحكومية وربما في القطاع الخاص تسمح للأم المرضع الانصراف من عملها قبل بقية الموظفين لتتمكن من إرضاع طفلها، كما أن بعض الجهات الحكومية لديها حضانات للأطفال ملحقة بمكان العمل، مما يمكن المرأة العاملة الاطمئنان على مولودها، وربما منحها وقتا لإرضاعه بين فينة وأخرى، الأمر الذي يخفف عنها الضغوط بشكل كبير. وبين د. القاضي أن النظر إلى العمل بجدية، وعدم التهاون في نظام العمل يفضي إلى جيل جاد ومنتج من الشباب والشابات، وله انعكاساته الإيجابية على إنتاجية الفرد والاقتصاد الوطني، وقال: يجب ألا تأخذنا العاطفة إلى التقليل من الجدية المطلوبة في العمل، وأن نركز جهودنا على مساعدة المرأة العاملة بتمكينها من الحصول على حقوقها ومتطلباتها التي تتماشى وقيم الدين والمجتمع، والتي تعينها على أداء رسالتها كموظفة وكربة بيت في آن واحد. من البطالة إلى ضغوط العمل تعاني المرأة مجتمع الأعمال الذكوري يتجاهل معاناة المرأة الأم باسمة قشمة د. صالح الخضيري أ.د. عبدالمنان ملا معمور عفاف عبدالله