مات منذ أسابيع ولا زال المعزون يتوافدون لتقديم واجب العزاء.. مات منذ أسابيع ولا زال الكُتّاب يرثونه عبر الصحف والمجلات.. مات ولا زالت التقارير تبث عنه عبر الفضائيات.. مات والمشاعر الحزينة تبث عبر الأثير.. مات والشعراء ينثرون ما تمليه قريحتهم حزنا على فراقه.. مات والزعماء لا زالوا يرسلون برقيات العزاء.. مات وهناك من لم يستطع إبداء مشاعره.. مات منذ أسابيع والكل لم تجف دموعهم بعد.. مات ويا ليته لم يمت ليرى مدى حب الناس له، ومدى حزن شعبه عليه، ومدى تألم المسلمين على فراقه، بل مدى فاجعة العالم أجمع عند سماع خبر وفاته.. لم يكن ملك القلوب، بل إنه حبيب الشعوب. بكاه اليتامى والمساكين، بكاه الفقراء والمعسرون، بكاه الحكام والمسؤولون، بكاه الوزراء والبسطاء، بكاه الصغير والكبير، بكاه العرب والمسلمون، بكاه الرياضيون كثيرا، بكاه الجميع.. وحُقّ لمن بكى. عظيم أنت والله عندما رسمت الخطوات الأولى للتعليم، عظيم أنت والله عندما حفظت أمن بلادنا بعد حفظ الله وذلك من خلال وزارة الداخلية، عظيم أنت والله عندما حكمت بلادنا وجعلتها بفضل من الله ضمن مصاف الدول المتقدمة، عظيم أنت والله بحنكتك وعدلك، عظيم أنت والله بقوة إيمانك وصبرك، حتى أنك عظيم عند وفاتك، أتى المعزون من كل مكان، وعمّ الحزن أرجاء المعمورة، كتب فيك الشعراء أعظم ما قيل في الرثاء، وسطّر الكُتّاب مشاعرهم بكل صدق ووفاء، أحبك الله فأحبك الناس.. قال صلى الله عليه وسلم (إذا أحب الله عبدا أحبه الناس)، زرع الله حبه في قلوب الناس، كان بحق حبيب الشعب، لم يكن هناك مجال للمجاملة، فقد مات ولا زال يبكيه الناس، هل هناك حاكم بكاه شعبه بهذه الدرجة؟.. ألم أقل إنه عظيم. رحمك الله يا خادم الحرمين الشريفين، رحمك الله يا فهد بن عبدالعزيز رحمة واسعة، تقدم الصدقات للفقير والغني، تقدم للفقير ما تملك من مال وطعام، وتقدم للغني الابتسامة والقول الحسن، قال المصطفى عليه الصلاة والسلام (ابتسامتك في وجه أخيك صدقة)، كنت مبتسما بكل وقت وزمان، وكنت متصدقا بمالك في كل مكان. لم تمت يا أبا فيصل ونحن نرى المساجد والمعاهد والجامعات في كل الدول، لم تمت ونحن نرى الجمعيات الخيرية في كل مكان، لم تمت ونحن نشاهد جمعيات تحفيظ القرآن، لم تمت ونحن نرى الحرمين الشريفين، كيف نقول مات وكل ما نشاهده من عمله وصنعه، كيف نقول مات وملايين النسخ من المصحف الشريف المنتشرة في دول العالم قد طبعت في مجمعه، مات بجسده فقط وبقي بعمله وذكره ومآثره، مات وأعماله باقية لن تموت.. قال عليه الصلاة والسلام (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث...) وذكر منها (صدقة جارية وعلم ينتفع به)، حقا كان عادلا في حكمه، وكان صادقا في كلامه، وكان وفيا في وعده، كان متصدقا بماله، كان حليما في تصرفاته، عظيما في كلماته، أحب لأخيه ما يحب لنفسه، قال عليه الصلاة والسلام (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). نشهد له بكل خير ونحن شهداء الله في أرضه كما قال قدوتنا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام (أنتم شهداء الله في أرضه). عندما نذهب هنا أو هناك، في الداخل أو الخارج، فإننا سوف نجد مسجدا أو مدرسة أو معهدا أو عملا خيريا، كلها شاهدة له يوم لا ينفع مال ولا بنون، رحمه الله، خدم دينه بكل ما يستطيع، وخدم بيوت الله بكل ما يملك، أراد أن يعيش شعبه بأمن وعافية، فتحقق ذلك بفضل من الله. لم يبكه الفقراء والمساكين فقط، ولم يبكه اليتامى والمعسرون وحدهم، بل بكاه القريب والبعيد، بكاه الغني والفقير، بكاه الناس أجمعون، يختلف الناس كثيرا في مشاعرهم، ولكن بموت (الفهد) اتفقت مدامعهم. لن نلطم الخدود ولن نشق الجيوب، سوف نفعل ما يرضي خالقنا ورازقنا ونردد {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }. رحمك الله رحمة واسعة، وجزاك الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وجعل لك بكل عمل صالح أعظم الأجر والثواب، وجمعنا بك وإخواننا المسلمين في دار كرامته. [email protected]