مات خادم الحرمين، مات خادم الإسلام، والمسلمين، مات وهذا هو حال الحياة.. تنتهي بالموت ولن يفرق الموت بين أحد، قال تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}. رحم الله خادم الإسلام، رحم الله خادم الحرمين، رحم الله حامي الدين، رحم الله ملك الشعوب، رحم الله ملك القلوب، رحم الله ملك الإنسانية، رحم الله أبا اليتامى والمساكين، رحم الله مليكنا وحبيبنا، رحم الله باني أمجادنا، رحمك الله يا فهد بن عبدالعزيز آل سعود. أتحدى أن توجد هناك بقعة من الأرض لم يقم بها - رحمه الله - مركزاً إسلامياً أو مسجداً أو معهداً أو غير ذلك، أتحدى أن توجد دولة عربية أو إسلامية لم يقم بمساعدتها ودعمها أو حل مشكلة تعاني منها، أتحدى أن تحدث فاجعة أو مصيبة في بلد عربي أو إسلامي أو صديق لم يقم بالسعي والمبادرة لحلها. أفنى عمره في خدمة الدين، تطوَّر التعليم في عهده، ازدهرت النهضة في وقته، كان كالشمس التي لا تغيب، كان خيّراً استفاد منه الجميع، لا ينام حتى ينام المسلمون، ولا يهدأ حتى يهدأ المواطنون، كان أباً للجميع، يعطف على الصغير، ويحترم الكبير، شخصيته أقسم أنها لن تتكرر، سياسي حكيم، ديمقراطي عظيم، قائد محنك، حقاً ما أجمل سنين حكمه، وما أروع أعوام عهده، كلها نهضة وبناء، وكلها بذل وعطاء، ابتلينا من القريب والبعيد، ابتلينا من العدو والصديق، لكن بحنكته لم نعان الكثير، الكل يذكر حرب الخليج، لله دره كيف كان يواجه الأخطار بابتسامة، عانت الكويت شر ما عانت، فعادت حرة كما كانت، لم يرض الظلم للآخرين، الكل في نظره إخوة مسلمين، ما أعظم الكبار في أحلك المواقف، يهدئ الروع ويوقف المراجف، ليس من الطموحين لنيل الألقاب، همه الأول نصرة المسلم المصاب، وقف مع الإخوة الفلسطينيين، ناصرهم فكان نعم المعين، ألم أقل إنه أب الجميع، ألم أقل إنه لا يرضى أن يضيع حق لمسلم مسكين، حتى يناصره بالقوة أو اللين. رحمك الله يا خادم الحرمين، ما أعظمك.. لن تفيك الكلمات.. تعجز أن تحصي ما تملك من صفات، أقسم مرة أخرى يا إخوان، إنه لن يتكرر على مر الأزمان، عظيم كبير متواضع، حليم شجاع حسين الطبائع، مَنْ للأرامل بعده والمساكين، ومن للفقراء واليتامى والمعسرين. عندما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (اذكروا محاسن موتاكم) ماذا سوف نذكر وماذا سوف نترك، لقد كان شخصيات في شخصية واحدة، كريم، عظيم، محسن، متصدق، متواضع، محب للخير، بل إنه تنازل عن لقب صاحب الجلالة واستبدل به لقب (خادم الحرمين الشريفين). أكثر من 200 مليون نسخة من المصحف الشريف شاهدة له يوم القيامة، أكثر من 875 جمعية إسلامية تدعم المسلمين المحتاجين، أكثر من 1259 مسجداً في أنحاء العالم يصلي فيها عشرات الآلاف يومياً، أكثر من 1069 مدرسة إسلامية في دول شتى يتعلَّم منها المسلمون قواعد وأسس دينهم القويم، أكبر توسعة للحرمين الشريفين وبمئات الملايين، ترميم الأقصى الشريف، أبى - رحمه الله - الا أن تُكسى الكعبة المشرفة بكسوة خاصة تكلف الملايين سنوياً، وهناك العديد والعديد من المراكز الإسلامية والمعاهد والجامعات التي قام بإنشائها، وذلك في سبيل الدعوة للإسلام ونشر تعاليمه ومبادئه وقيمه، كل هذا وذاك شاهد له يوم لا ينفع مال ولا بنون، قال صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.. وذكر منها صدقة جارية وعلم ينتفع به..). لقد قدَّم الكثير ونرجو له العفو من العلي العظيم، قال عليه الصلاة والسلام (أنتم شهداء الله في أرضه) نشهد له بالخير والصلاح، نشهد له بالبذل والعطاء، نشهد له بخدمة الإسلام والمسلمين، نشهد له بخدمة الحرمين الشريفين.. نشهد له بنصرة المظلوم وإطعام الفقير ورعاية اليتيم وحب المساكين. رحمك الله أيها الفقيد، فقد بكاك القريب والبعيد، آمنوا يا موحدين - رحم الله - القائد الأمين، وجعل قبره من رياض الجنان، بفضل من الكريم المنان، ورزقنا وأهله الصبر، وعظَّم له المثوبة والأجر، وجعله يأخذ كتابه باليمين، وأن يسكنه مع الشهداء والصديقين، إن ربي سميع مجيب، وإنه من عباده قريب، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.. وإنا على فراقك يا فهد لمحزونون. خالد بن سليمان العطا الله