أم أسماء هي قتيلة بنت عبدالعزى بن أسعد بن جابر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي. كان لها موقف مشهود يوم الهجرة، حيث عملت على كتمان نبأ هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم مما عرضها لسخط وعقوبة أبي جهل، ثم هيأت احتياجات سفرة الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تجد ما تشد به فشقت نطاقها نصفين جعلت واحداً لسفرة الرسول صلى الله عليه وسلم والآخر عصاما لقربته، فأطلق عليها الرسول صلى الله عليه وسلم لقب ذات النطاقين. تزوجها الزبير بن العوام بن خويلد، فولدت له عبدالله، وعروة، والمنذر، وعاصم، والمهاجر، وخديجة الكبرى، وأم الحسن. قالت أسماء: تزوجني الزبير، وما له في الأرض مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤونته وأدق النوى لناضحه، وأعلفه وأسقيه الماء، وأعجن، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي على بُعد ثلثي فرسخ. وأضافت أسماء: فجئت يوما والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من أصحابه، فدعا لي، ثم قال: إخ إخ، ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته. قالت: وكان من أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى. فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب معه، فاستحييت وعرفت غيرتك، فقال: والله تحملك النوى كان أشد عليّ من ركوبك معه.. قالت: حتى أرسل إليّ أبو بكر بعد ذلك بخادم، فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني. وواضح من هذه الرواية، ومن روايات أخرى أن الزبير بن العوام كان شديدا على أسماء، فشكت ذلك يوما إلى أبيها، فقال: يا بنية اصبري فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح ثم مات عنها، فلم تتزوج بعده جمع بينهما في الجنة. وقد طلق الزبير أسماء، وقد اختلفوا في سبب طلاقها، فقيل: كانت قد أسنت، وولدت للزبير عبدالله وعروة والمنذر، وقيل إن الزبير ضربها فصاحت بابنها عبدالله، فأقبل إليها فلما رآه أبوه قال: أمك طالق إن دخلت، فقال عبدالله أتجعل أمي عرضة ليمينك؟ فدخل، فخلصها منه، فبانت منه. وكانت أسماء معروفة بعقلها وعزة نفسها وقوة إرادتها وحُسن إيمانها.. وقد وفدت عليها أمها قتيلة بنت عبدالعزى وكان أبو بكر قد طلقها، بهدايا فأبت أن تقبل هديتها أو تدخلها إلى بيتها، وأرسلت إلى عائشة: سلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لتدخلها، ولتقبل هديتها. وأنزل الله سبحانه وتعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ}وإلى قوله { فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. وكانت أسماء ذات جود وكرم، وكانت تقول لأهلها: أنفقوا ولا تنتظروا الفضل فإنكم إن انتظرتم الفضل لم تفضلوا منه شيئا، وإن تصدقتم لم تجدوا فقره. وبلغت من العمر المائة عام حتى خلافة ولدها عبدالله بن الزبير في الحجاز وقد حاصرته جيوش الشام في مكةالمكرمة. فدخل عليها وهي عجوز عمياء فقال لها: يا أماه ما ترين! ولقد خذلني الناس، وخذلني أهل بيتي فقالت: لا يلعبن بك صبيان بني أمية، عش كريما، ومت كريما، والله إني لأرجو أن يكون عزائي فيك حسنا، بعد أن تقدمتني أو تقدمتك، فإن في نفسي منك حرجا، حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمرك ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك النحيب والظمأ في هواجر المدينة، وبره بأمه.. اللهم إني قد سلمت فيه لأمرك، ورضيت فيه بقضائك فأثبني في عبدالله ثواب الشاكرين. فرد عليها وقال: يا أماه لا تدعي الدعاء لي قبل قتلي ولا بعده. قالت لن أدعه لله فمن قتل على باطل، فقد قتلت على حق، فخرج. وقيل، قال عبدالله لأمه: إن هذا قد آمنني (يعني الحجاج بن يوسف الثقفي) فقالت: يا بني لا ترض الدنية، فإن الموت لا بد منه، فقال: إني أخاف أن يمثل بي، قالت: إن الكبش إذا ذبح لم يأمن السلخ. فخرج فقاتل حتى قُتل. ولما قتل (الحجاج) عبدالله بن الزبير، دخل على أسماء وقال لها: يا آمَّه، إن أمير المؤمنين أوصاني بك، فهل لك من حاجة؟ قالت: لست لك بأم، ولكني أم المصلوب على رأس الثنية، وما لي من حاجة، ولكن انتظر حتى أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني سمعته يقول: يخرج في ثقيف كذاب ومبير (المجرم)، فأما الكذاب فقد رأيناه (يعني المختار) وأما المبير فأنت. فقال لها الحجاج: مبير المنافقين. وجاءت أسماء بعد مقتل ابنها بثلاثة أيام، وهو حينئذ مصلوب، وكانت عجوزا طويلة مكفوفة البصر، فقالت للحجاج: أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟ فقال الحجاج: المنافق؟. فقالت: والله ما كان منافقا، إنه كان لصوّاما قوّاما، برا. فقال: انصرفي يا عجوز، فإنك قد خرفت. قالت: لا والله ما خرفت منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج من ثقيف كذاب ومبير فأما الكذاب فقد رأيناه وأما المبير فأنت). ويقال: إن الحجاج لما صلب ابن الزبير قال: لا أنزله إلا إذا شفعت فيه أمه، فمرت يوما على مصلبه فقالت: أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟ فقال الحجاج: هذه شفاعة، وأنزله. وتوفيت أسماء بمكةالمكرمة بعد مقتل ابنها عبدالله بأيام. وقد بلغت المائة سنة، ولم يسقط لها سن، ولم ينكر من عقلها شيء، وذلك في عام 73ه.