خطت المملكة خطوات جبارة في المجال الصحي منذ إنشاء وزارة الصحة بمرسوم ملكي في عام 1370ه الموافق 1951م، على أن يتولى هذا الجهاز القيام بجميع المهام والمسؤوليات الصحية والوقائية واستكمال تطوير التجهيزات والمرافق الصحية للوصول إلى أعلى مستويات الأداء، من خلال الإشراف على كافة الشؤون الصحية بالمملكة كما نراه اليوم. وقد سبقت هذه الانطلاقة مراحل تطور كثيرة منذ إنشاء مصلحة الصحة العامة في عام 1343ه الموافق 1925م بأمر سام من جلالة الملك عبد العزيز - رحمه الله - ومقرها مكةالمكرمة ولها فروع في مناطق المملكة المختلفة. بعد ذلك صدر أمر سام آخر في عام 1344ه بانشاء مديرية الصحة والإسعاف، وقد تم تكوين المجلس الصحي العام برئاسة نائب الملك، وكان أعلى هيئة صحية إشرافية في البلاد. وفي الوقت نفسه صدر نظام إدارة الصحة والإسعاف الذي حدد الأطر العامة للخدمات التي تقدمها هذه المديرية مثل هيكلها ومهامها ونظام الموظفين وتشكيل المستشفيات واللجان الإدارية واللجان الصحية والقضائية وفيما يتعلق بالاحتياطات الصحية للحجاج. وقد كانت تركز على منطقة الحجاز وبالأخص مكةالمكرمة في موسم الحج، ثم اتسعت دائرة اهتمامها لتشمل جميع مناطق المملكة. بعد ذلك كان هناك تصاعد في إنفاق الدولة على قطاع الخدمات الصحية بصورة مطردة على مدى الخطط التنموية الأولى المتعاقبة. حيث بلغ الإجمالي التراكمي للاعتمادات المالية للوزارة خلال سنوات خطة التنمية الأولى 1390 - 1395ه ما يعادل 2.623 مليون ريال أي نحو 2.7% من إجمالي الميزانية العامة للدولة، حتى وصلت الاعتمادات المالية للوزارة خلال الخطة الخمسية السادسة 1415 - 1420ه إلى 4.9% من إجمالي الميزانية العامة للدولة. ومن المجالات التي أولتها الدولة رعاية واهتمام بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين مكافحة الدرن ففي عام 1962م عقدت وزارة الصحة اتفاقاً مع منظمة الصحة العالمية ينص على إنشاء مشروع سمي في ذلك الوقت سعودي 13 يقضي بإنشاء مركز لمكافحة الدرن بالرياض تزوده منظمة الصحة العالمية بالخبراء ووزارة الصحة بكافة التجهيزات والمباني. فقد تم إنشاء مركز مكافحة الدرن بالرياض بمواصفات جيدة وبدأ العمل فيه في منتصف عام 1963م على أن يكون نواة لمراكز درن مشابهة في المناطق الإدارية الأخرى. وبعد ذلك تم إنشاء مراكز درن في كل من جدة، وعرعر، والهفوف، وجيزان، وبريدة، ومكةالمكرمة. كان ذلك إيذانا ببدء برنامج منظم لمكافحة الدرن مبني على أسس علمية، وقبل ذلك كان الأمر مقتصراً على إيواء المصابين بالدرن الرئوي في مصح يعرف بمصح جدة على منتصف الطريق بين مكةالمكرمةوجدة، ثم نقل مرضاه إلى المستشفى سمي فيما بعد مستشفى السداد بالطائف للأمراض الصدرية الذي اقتصر عمله في بادئ الأمر على الإيواء والعلاج لأكثر من سبعمائة سرير. وفي إشارة إلى مراحل تطور مستشفى الملك سعود للأمراض الصدرية بالرياض في مكافحته للدرن فقد بدأت نواته منذ أن عقد الاتفاق بين وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية عام 1962م، حيث تم افتتاح مستشفى عتيقة بسعة (50) سريراً، وفي عام 1405ه انتقل المستشفى إلى مبنى جديد بحي السليمانية بسعة (120) سرير أطلق عليه اسم مستشفى صحاري، أضيف إلى مهامه فحص العمالة الوافدة، وفي عام 1408ه تم استحداث أقسام أخرى للأمراض الصدرية غير الدرنية، كما تم افتتاح قسم العناية المركزة وكذلك وحدة التنظير للشعب الهوائية، ووحدة الغسيل الكلوي. وفي شهر جمادى الأولى من عام 1424ه انتقل المستشفى إلى مقره الجديد (الحالي) بحي السلي (السعادة) شرق مدينة الرياض في مبنى حديث ومطور لتصبح السعة (200) سرير وسمي مستشفى الملك سعود للأمراض الصدرية، وقد زود بكافة الكوادر والأجهزة الطبية الحديثة، وهناك خطط مستقبلية لتوسعة قسم الطوارئ والإسعاف وقسم العيادات الخارجية. حيث تم تجهيز عيادة الأنف والأذن والحنجرة بالكوادر الطبية وكافة الأجهزة الحديثة التي تحتاجها العيادة. كما تم تجهيز عيادة للقلب بالكوادر الطبية مع توريد وتركيب جهاز الإيكو ECHO لفحص القلب. وتم استكمال عيادة الفحص الطبي قبل الزواج حيث تم تزويد المستشفى خلال الأيام الماضية بالأجهزة الطبية اللازمة لذلك، وسيتم ربط المستشفى بشبكة للحاسب الآلي. كما قام المستشفى بإعداد برامج داخلية بقسم الإسعاف وقسم العيادات واللياقة الطبية وشؤون المرضى. وقد تم إنشاء قسم للجودة والنوعية وتشكيل لجنة لهذا الغرض وجار التعاون مع مستشفى الملك فهد للحرس الوطني للاستفادة من خبرتهم في هذا المجال، وفي الإطار نفسه تم وضع هيكل تنظيمي للمستشفى وفق أسس علمية مدروسة. وقد تم تكوين إدارة طبية وتم تحديد مهامها وصلاحياتها، وتم إنشاء قسم شؤون المرضى وأوكل إليه الإشراف على عدة أقسام وفق الهيكل التنظيمي وتم تحديد مهامه وصلاحياته، وتم تطوير قسم التدريب والتعليم المستمر وتشكيل لجنة للتدريب والتعليم، حيث يشرف حالياً على تدريب وتعليم طلاب وطالبات الكليات الصحية والجامعية والمعاهد الحكومية والخاصة المتدربة لدى المستشفى وفق أسس علمية، إضافة إلى وضع برنامج تعليم مستمر لكافة أقسام المستشفى لمدة عام كامل. كما تم إعادة تنظيم المكتبة الطبية وتزويدها بآخر الإصدارات من الكتب العلمية والطبية وتزويدها بأجهزة الحاسب الآلي. كما أن المستشفى وبحكم تخصصه يقدم جميع الخدمات الطبية اللازمة لمختلف الأمراض الصدرية عموماً ومرضى الدرن خصوصاً، فهو يقوم بالتخطيط والتنسيق لبرامج مكافحة الدرن بالتعاون مع الوكالة المساعدة للطب الوقائي بوزارة الصحة والمديرية العامة للشؤون الصحية بمنطقة الرياض، وتنفيذ ومتابعة البرنامج الوطني لمكافحة الدرن وذلك بالتعاون مع المستشفيات الحكومية والخاصة والمراكز الصحية والعيادات داخل وخارج مدينة الرياض وتدريب الكوادر الصحية بمنطقة الرياض والمناطق الأخرى عن أعمال مكافحة الدرن، والمشاركة في الدورات التدريبية والتنشيطية في جميع مناطق المملكة والمشاركة في التوعية الصحية ببرنامج مكافحة الدرن في داخل المستشفى وخارجه، وتقديم الاستشارات الطبية والفنية لجميع العاملين في مجال مكافحة الدرن في مختلف المستشفيات والمراكز الصحية، ومعالجة جميع حالات الدرن وتنويم الحالات التي تم تشخيصها وهي الحالات المعدية والخطرة منها، وبأمر سام كريم يتم علاج جميع الوافدين الذين ثبتت إصابتهم بالدرن مجاناً حيث تتحمل الدولة - رعاها الله - تكاليف العلاج من التنويم والمتابعة وذلك حفاظاً على المجتمع من مغبة انتشار الدرن مما كان له الأثر الإيجابي على مكافحة الدرن بالمملكة، وتطعيم الأطفال الذين لم يسبق لهم التطعيم ضد الدرن، وتشخيص وعلاج وتنويم الحالات الصدرية غير الدرنية مثل الربو الشعبي والالتهاب الرئوي والهبوط التنفسي والأورام الرئوية، ومشاركة المستشفى في جميع حملات التطعيم ضد الأمراض المعدية بصفة عامة. ويتم الكشف على جميع العمالة المنزلية الوافدة من أجل استكمال إجراءات الإقامة النظامية، وكذلك يقوم بفحص جميع المواطنين والمواطنات الراغبين في الالتحاق بالوظائف الحكومية المدنية، وفحص الصدر لبعض القطاعات العسكرية. حيث انه خلال الستة شهور الماضية تم فحص (12.384) وافداً ووافدة من العمالة المنزلية لاستكمال إجراءات استخراج الإقامة، كما تم فحص (5.784) سعودياً وسعودية للالتحاق بالوظائف الحكومية، وتم فحص (6.852) للالتحاق بالكليات والمعاهد العسكرية المختلفة، وتم فحص (776) بهدف الزواج من خارج المملكة أو زواج الأجانب المقيمين، وتم فحص (366) رجل وامرأة للحصول على الجنسية. ليصبح مجموع ما تم فحصه خلال الستة أشهر الماضية في أقسام اللياقة الطبية الرجالية والنسائية فقط ستة وعشرين ألفاً ومائة واثنين وستين (256.162)، كما بلغ عدد مراجعي الإسعاف والطوارئ خلال الستة أشهر الماضية (21.621) وبلغ عدد مراجعي العيادات الخارجية خلال نفس الفترة للأمراض الصدرية (11.282)، وبلغ عدد مراجعي عيادة الدرن خلال نفس الفترة أيضاً (5.406) ليبلغ عدد مراجعي المستشفى للعيادات والإسعاف (ثمانية وثلاثين ألفاً وثلاثمائة وتسعة) (38.309) أي أن إجمالي المراجعين للمستشفى بجميع أقسامه خلال فترة الستة أشهر الماضية (أربعاً وستون ألفاً وأربعمائة وواحد وسبعون) (64.471). وللعلم فإن المستشفى من المستشفيات التي استفادت من المكرمة الملكية بالسماح للأطباء السعوديين بالعمل خارج أوقات الدوام الرسمي في المنشآت الحكومية (مركز الأعمال) حيث بدأ العمل منذ ما يقارب العام، بأسعار منافسة جداً لما يمتلكه المستشفى من أجهزة طبية دقيقة جداً تصل إلى 100% وبحكم تخصص المستشفى في الأمراض الصدرية فإنه يستقبل جميع الأمراض الصدرية مثل أمراض الربو الشعبي والالتهابات الرئوية المختلفة، وقد حقق المستشفى سمعة ممتازة لدى المراجعين من المواطنين والمقيمين فالمركز يرحب بالجميع. ومن المتوقع أن تصل نسبة الشفاء من مرض الدرن إلى 85% خلال الأعوام الثلاثة القادمة، حيث طرحت منظمة الصحة العالمية استراتيجية (المعالجة قصيرة الأمد تحت الإشراف المباشر)، التي ثبت نجاحها في العديد من دول العالم، وقد بدأت المملكة العربية السعودية في تطبيق هذه الاستراتيجية منذ عام 1419ه في ثماني مناطق إدارية، وفي عام 1421ه تم تعميمها على جميع مناطق المملكة، حيث تم ارتفاع معدل الشفاء من 46% الى 70% بعد تطبيق الاستراتيجية في وقت قصير جداً. وهذا المؤشر يدل على ان هناك خطوات مدروسة وفعالة ومتسارعة تقدمها حكومة خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وبتوجيه من معالي وزير الصحة، ومتابعة دقيقة من سعادة مدير عام الشؤون الصحية بمنطقة الرياض الاهتمام البالغ والدعم المستمر في مجال مكافحة الدرن. وأخيراً وبمناسبة اليوم الوطني فإنني أتوجه بالشكر الجزيل والعرفان إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وإلى ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وإلى وزير الصحة د. حمد المانع وإلى مدير عام الشؤون الصحية بمنطقة الرياض د. عبد العزيز الدخيل لما يولونه من اهتمام بالغ بمجال الصحة عامة وفي تسخير الإمكانات للتخلص من مرض الدرن. كما أتوجه بالنصح والإرشاد الى مرضى الدرن أن يتوخوا الحذر من مغبة الإهمال في العلاج أو تركه دون الرجوع إلى الطبيب المعالج بعد شعوره بالتحسن خلال برنامجه العلاجي، وهذا الأمر خطير لما يسببه من إحداث مضاعفات يصعب علاجها بعد ذلك حيث يعود المرض مرة أخرى ويكون أكثر خطورة على حياة المريض وأكثر صعوبة في المعالجة. * مدير مستشفى الملك سعود للأمراض الصدرية بالرياض