في يوم الاثنين 12-6-1426ه ارتفعت روح طاهرة في الأعالي بين النجوم والسحب البيض شاقة طريقها بإذن الله إلى جنة، وإني لأكتب والله وعيناي تترقرقان بالدموع، ارتفعت روح الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم المحارب، كان -رحمه الله- رجلا فاضلا، ما زال العلم شغله الدائم وأنسه القائم، درس في المعهد العلمي بالرياض، وكان من الأوائل الذين درسوا في كلية الشريعة الإسلامية جامعة الإمام محمد بن سعود- رحمه الله- وتخرجوا منها، عمل معلماً للخير، محباً للخير، زاهداً، متجافياً عن زخرف الدنيا ومتاعها، عندما رأيتك (أبا ماجد) مسجى أمامي (آه عظيم في حياتك، وفي موتك يا أبا ماجد، حسن خاتمتك تتويج لأعمالك وإحسانك في الدنيا بإذن الله)، رأيت سبابتك المرتفعة وأصابعك القابضة بشدة على علامة التوحيد، سبابتك الشاهدة لله بالوحدانية، هذه السبابة التي لطالما أشارت في دنياه الى الحق، لطالما غرست، سنابل، أثمرت بحمد الله، لطالما أشارت إلى الخير، والعلم النافع، هذه الكف المعروقة الصابرة، الحنونة لطالما جادت بالفيض والسخاء الكرم يعرفها القاصي والداني، لم يعقها وصب ولا نصب في سبيل البذل، لا من كثرة مال، بل من كثرة حب وعطف، هذا الوجه الطاهر الناطق بالعطف والكفاح بات مغمض العينين، ميمِّما للقبلة (أشهد الله أني ما علمت أحدا يممه، بل يمم نفسه شطر القبلة قبل موته) فما أروع هذا الخاتمة كأروع خاتمة لهذا الوجه الفياض بالبسمة، التي حاصرت شهب الأمل، كأروع خاتمة لهذا الفم الذي ودع النميمة والكذب والنفاق والزيف في حياته، شهد له الناس بالخير، ستين عاما، لم ينطق بفحش أو ظلم لأحد! هذا الفم الذي لطالما تلا آيات ربه، لطالما ردد علم الآي والسنة قال- صلى الله عليه وسلم- (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) أي خير هذا، أبا ماجد، إنا والله لنغبطك عليه! هذا الجسد الذي هجر الزيف والخداع، وانكب على كتب العلوم الدينية، دارساً، محققاً، معلماً، أي رجل فقدنا يا أبا ماجد، قالت الشاعرة الخنساء: أعيني جودا ولا تجمدا ألا تبكيان لقطر الندى ألا تبكيان الجريء الجميل ألا تبكيان الفتى السؤددا وقال الشاعر: علو في الحياة وفي الممات لحقاً أنت إحدى المعجزات كان رمز القلب الطاهر، وها قد رحل صاحب القلب الطاهر، عُرف ببره لوالديه حتى انه كان يدون مدونات تذكره بحق والديه الدائم.. قال الشاعر ما لعيني عشيت بالنظر انكرت بعدك ضوء القمر ليت شعري يا أبا ماجد، كم فارس مكافح ما انثنى فقدناه فيك! قوتك المشعة في لحظات الألم ترسم لوحة كبرياء ستتناقلها الأجيال، أي رجل فقدناه!! قال الشاعر: عزاؤك أيها العين السكوب ودمعك انها نوب تنوب آه.. أبا ماجد كم مسكين سيفتقدك، كم ضعيف كنت تسمح بيدك الحانية ضعفه، ما زلت أذكر البشر بقطر من وجهك حين كنت تمد حنانك الى أحد العمال المساكين، وتخفف من لوعة غربته بنداك، تلك لحظة من أهم لحظات سعادتك، بالسخاء والكرم، ولو من وقت يومك أيها البطل الهمام، عرفتك في شبابك مكافحاً، رجلا يشمخ فيك الاباء، عشت كذلك ومت كذلك فرحمك الله. حينما كنا نتناقش حول مفهوم السعادة ما زلت أذكر نظرتك الهادئة حين قلت (السعيد هو من دخل الجنة) آه.. أبا ماجد.. راحت أيام الصبا والطفولة حينما كنا نحرص على العمل في سوق (المقيبرة) لمساعدة آبائنا، كنت تهرع من السوق بعدها راكبا دراجتك مردفاً أحد الصغار معك إلى المدرسة التي كنت تغشاها بفؤادك قبل كيانك إيه.. يا شيخ عبدالعزيز هل في أجيالنا من يعي معنى الكفاح؟؟ إيمانك بالقضاء والقدر يتجلى حين أصبت بعارض فقدر الطبيب انك ستموت، فما كان منك إلا أن سلمت أمرك لله وفوضته إليه، فنجاك الله منه، والعجيب أن الطبيب مات بعدها، هذه القصة كانت قبل عشرين سنة!! وإنما أوردتها لعجبٌ من إيمانه وقوة توكله، ومفتاحا لكل من يبلغ به اليأس مبلغه، فرحمك الله أبا ماجد. حبك اللامتناهي لأبنائك يبرز جليا من شوقك إليهم الدائم، في كل مكان تحملهم داخل قلبك. رحمك الله أيها العلامة ذا الروح الهمامة.. أيها البحر الزخار! رحمك صاحب القلم والفكر الواعي.. رحمك ورحم كل من قال آمين، وسقاك من نهر الكوثر فلا تظمأ بعده، وأبدلك داراً خيراً من دارك وأهلا خيرا من أهلك. أدعو لهذا الشيخ الجليل وأسأل الله أن يربط على قلوب أبنائه وبناته الكرام وكل من أحبه في الله، ويلبسهم السكينة والطمأنينة ويعوضهم خيراً ويجمعنا جميعا في جنات عدن.