من مصادر البحث التاريخي الشعر. وتزداد أهميته في الأزمنة التي قلَّ ما وردنا منها من أخبار مدوَّنة. ولكن مما يُعاب على هذا المصدر مبالغات الشعراء، والتصحيف نتيجة اختلاف الرواة في نقله، وخصوصاً إن كان قديماً كما هي القصيدة محل البحث. أورد الدكتور سعد العبد الله الصويان في كتابه (الشعر النبطي ذائقة الشعب وسلطة النص) العديد من القصائد القديمة، ومنها مجموعة من القصائد التي أطلق عليها اسم (الحقبة الجبرية)، والمقصود بها القصائد المتعلقة بدولة الجبور التي قامت في شرقي الجزيرة العربية في حوالي منتصف القرن التاسع الهجري ثم ما لبثت أن امتدت واتسعت رقعتها وامتدت حدودها وتنامت إلى الحد الذي بلغته قبلها دولة القرامطة والعيونيين. وآل جبر هم بطن من قبيلة بني عامر النجدية التي كانت مقيمة في بادية الأحساء والقطيف(1). والقصيدتان محل البحث إحداهما مرسلة من ابن زيد شاعر الجبور يهجو فيها كليب بن مانع ويذكِّره بفضائل الجبور عليه. والقصيدة الثانية هي لابن حماد شاعر كليب بن مانع يردُّ فيها على ابن زيد بهجاء الجبور ومدح كليب وقومه(2). ومع قلة معرفتي بالشعر النبطي إلا أني أودُّ تحقيق ما ورد في تلكما القصيدتين من أسماء يبدو أن الصويان لم يتعرَّف إليهم. كذلك أودُّ أن أسلِّط الضوء على أخبار تنفردان بها عن غيرهما من المصادر التاريخية: 1- قائلا القصيدتين: لم أجد في المصادر التي بين يديَّ أي ترجمة لابن حماد شاعر كليب. أما ابن زيد فعلى الأرجح أنه علي بن زيد قاضي أجود بن زامل(3). 2- أما كليب بن مانع فهو شيخ المنتفق من آل شبيب الفضلي(4)، ولعله أخ لمحمد (الأعمى) ابن مانع بن يحيى بن مانع آل شبيب الفضلي حاكم البصرة الشهير(5). 3- أما أجود فهو أجود بن زامل الجبري، وُلد في العام 821 ه وخلف أباه سنة 875 ه، وتوفِّي في العام 911 ه(6). ومن الفترة التي تزعَّم فيها كليب وأجود يمكن أن نقدِّر زمن القصيدة ما بين العام 875 إلى العام 911 هجرية. ويبدو من البيت السابع أن القصيدة قيلت ووفاة سيف لا تزال حديثة؛ أي أن القصيدة على الأرجح قيلت في العام 875 ه أو السنة التي تلتها. 4- أما وقعة (لينا) التي أشار إليها ابن زيد في البيت السابع والعشرين وفاخر بها على قوم كليب، فيبدو أنه يشير إلى وقعة لينا الشهيرة التي حدثت بين العيونيين وقبائل طيِّئ، وكان النصر حليف العيونيين(7). 5- أما في البيتين التاسع والعشرين والثلاثين فقد ورد ذكر ابن غزي وابن صلال. أما ابن غزي فهم أحد بطون قبيلة الفضول، وابن صلال هم شيوخ بطن السلطان من الفضول. ولعل من المفيد الإشارة إلى أن بعض النسَّابين يقسم قبيلة الفضول إلى بطنين: الغزي والسلطان (أو الصلال نسبة إلى شيوخهم)؛ وذلك لكون البطنين الآخرين: الصرخة كانوا معدودين مع الغزي، والخرسان كانوا معدودين مع السلطان(8). 6- أما آل قشعم فهم القبيلة الشهيرة، ومن زعامات بادية جنوبي العراق الشهيرة. 7- أما ابن وثال الوارد ذكره في البيت الواحد والثلاثين فهم من أشهر زعامات الأجود؛ إحدى قبائل المنتفق، ويتبع مشيخة كليب بن مانع في ذلك الزمن. 8- أما آل عيسى الوارد ذكرهم في البيت الثاني والثلاثين فهم على الأرجح قوم كليب بن مانع، وهذا ما أشار إليه ابن حماد في ردِّه في البيت التاسع حين قال: (يقول ابن زيد عيذ بالله خلينا). ومن خلال ذلك يمكن الاستنتاج أن آل شبيب هم على الأرجح من آل عيسى من آل فضل بن الربيعة من طيِّئ، وإن كانت هناك بعض المصادر أيضاً تنسبهم إلى آل غزي من الفضول من بني لام من طيِّئ(9). وإن صح ذلك النسب فلعل ابن زيد قصد أنهم استعانوا بخيل أبناء عمومتهم آل عيسى الطائيين أصحاب أفضل مرابط الخيل في ذلك الزمن. 9- أما القديمات الذين أشار إليهم ابن حماد في البيت التاسع والثلاثين فهم فرع من قبيلة بني عامر(10)؛ أي أنهم يلتقون في النسب مع الجبور. ويبدو أن حماد أراد أن يهجوهم بالقول: إن الجبور قتلوا أعيان أبناء عمومتهم من دون سبب. 10- أما عليان الوارد في البيت الرابع والأربعين من قصيدة ابن حماد، فلعل ابن سقطت من بيت الشعر، ويكون المعنيُّ هو ابن عليان الطائي القائد الشهير في جنوبي العراق(11). ختاماً، أودُّ أن أشير إلى أن القصيدة تقدِّم أيضاً أخباراً تاريخية لم ترد في غيرها، منها: 1- أن الصراع بين آل شبيب والجبور يعود إلى القرن التاسع الهجري. 2- يبدو أن آل شبيب في بعض فترات القرن التاسع استطاعوا أن يزيحوا الجبور عن الأحساء حسب ما ذكر ابن حماد حين قال: (ولا عادت لكم الأحسا ببلاد). 3- الدور الذي لعبته قبيلة الفضول النجدية وبنو لام في الأحساء، وأن علاقة التحالف مع آل فضل شيوخ المنتفق تعود إلى القرن التاسع الهجري(12). والله ولي التوفيق. للتواصل مع الكاتب ص ب 1567 جدة 21441 فاكس: 026728427 [email protected] 1-الصراع على السلطة في دولة الجبوريين: المفاهيم القبلية والملك، بحث للدكتور عبد اللطيف بن ناصر الحميدان، من إصدارات مركز البحوث بجامعة الملك سعود، ص 48. 2- للاطلاع على القصيدة راجع كتاب (الشعر النبطي ذائقة الشعب وسلطة النص)، تأليف الدكتور سعد العبد الله الصويان، صفحة 300. 3- عنوان المجد في تاريخ نجد - الجزء الثاني، تأليف الشيخ عثمان بن بشر، تحقيق عبد الرحمن آل الشيخ، من مطبوعات دارة الملك عبد العزيز، ص 303. 4- في مخطوطة الجواهر الحسان في تاريخ صبيا وجيزان للأسدي ورد ذكر كليب بن مانع عندما ارتحل له عجل بن حلتيم الغدفا من مشايخ آل مغيرة الشهيرين على إثر خلافه مع شريف مكة. وذكر الأسدي أنه شيخ المنتفق وتلك النواحي. ولعل من المفيد الإشارة إلى أن هذا الخبر ورد أيضاً عند المؤرخ الحجازي الشهير عز الدين عبد العزيز بن عمر بن محمد بن فهد الهاشمي في تاريخه (غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام) في أخبار سنة 901 من دون أن يذكر أن عجل ارتحل إلى كليب بن مانع. 5- للمزيد من التفاصيل راجع إمارة آل شبيب في شرق الجزيرة العربية، تأليف الدكتور عبد اللطيف الحميدان، ص 127 الملاحق. 6- الصراع على السلطة في دولة الجبوريين: المفاهيم القبلية والملك، بحث للدكتور عبد اللطيف بن ناصر الحميدان، من إصدارات مركز البحوث بجامعة الملك سعود، ص 48 - 55. 7- للمزيد من التفاصيل راجع تحفة المستفيد بتاريخ الأحساء القديم والجديد، تأليف محمد بن عبد الله الأحسائي، الجزء الأول، ص 189. 8- للمزيد من التفاصيل راجع تاريخ قبيلة آل فضل الطائية في نجد، ونبذة عن بني لام، أيمن سعد النفجان، مخطوط يصدر قريباً بإذن الله. 9- نسبهم إلى آل غزي من الفضول، كاظم شكر في كتابه (قبيلة الفضول اللامية)، ص 121، اعتماداً على نص منقول من كتاب الأحواز تأليف علي نعمة الحلو. ولعل من المفيد الإشارة إلى أن ابن العراق في كتابه (معدن الجواهر بتاريخ البصرة والجزائر) قد نقل بعض أخبارهم من الشيخ إبراهيم بن فاضل العارضي الحنبلي الذي يبدو أنه من أبناء عمومتهم؛ مما يرجِّح أنهم من الغزي من الفضول القبيلة الطائية النجدية. وكان الباحث عبد الله المنيف - جزاه الله خيراً - قد نبَّهني إلى احتمالية أن تكون بعض أسر الفضول في وقتنا الحاضر هم من ذرية أمير معكال (الرياض في وقتنا الحاضر) محمد بن عثمان بن فضل (للمزيد من التفاصيل راجع إمارة آل شبيب، ص 32)، وهذا احتمال وارد، وخصوصاً أني سمعتُ بعض الروايات المتناقلة لدى بعض الأسر الفضلية عن أحد أجدادهم تقارب إلى حد كبير قصة الأمير محمد بن عثمان، وإن كانت الرواية مضطربة من ناحية الأسماء والزمن الذي حدثت فيه كما هو الحال مع الروايات الشفهية بشكل عام، ولذلك فإننا لا نستطيع الجزم بذلك النَّسب. 10- أنساب الأسر الحاكمة في الأحساء، تأليف أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري، ج 1، ص 116. 11- إمارة آل شبيب، ص 27. 12- أشار الدكتور الحميدان إلى ذلك الدور والتحالف دون أن يحدِّد بداية تلك العلاقة، الصراع على السلطة في دولة الجبور، ص 68.